المعركة بالتمنيات الطيبة بالنصر المؤزر الوشيك . لم يفعل الشيخ زايد شيئاًمن هذا القبيل لإيمانه بأن القدوة العملية هي خير متحدث بلسانه والمحركالحقيقي للمواقف والأحداث التي يمكن أن تتوالى بعد ذلك .قراره التاريخي والرائد بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية فيحرب أكتوبر بمثابة المبادرة العملية الأولى التي أدت بعد ذلك إلى الموقفالموحد الذي اتخذته دول النفط العربي تجاه الدول المؤدية لإسرائيلوالزعامة التاريخية في قراراتها المصيرية قد تبدو للعين العابرة وكأنهااتخذتها فجأة من وحي اللحظة دون تفكير متأن وتأمـل مسبق ،الزعامة التاريخية في هذا تشبه إلى حد كبير جبل الجليد الطافي في مياه لا يرى الناس منه سـوى قـمـتـه لـكـن سـفـوحـه وجـوانبـه وقـاعـدتـهالعريضة الراسخة تختفي تحت طيات الأمواج في حين أنها الأساس الذي ولذلك فإن صدور القرار التاريخي الذي قد يبدو مفاجئاً هو نتيجة لمقـدمات كامنة في وعي الزعـيـم الذي وجد أناللحظة المناسبة قد حانت لإصداره . يقول الشيخ زايد :«لقد كنا دائما نطالب باستعادة حقنا في الأرض السليبة . ولم يجد العالم العربي من يناصره . وكانت الولايات المتحدة نقف دائمآ ضـد إرادة العرب .ومع إسرائيل التي تجحف حقنا . لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض .كل إنسان فـوق هذه الأرض بالاحترام وبالـشـعـور الإنساني الذي يرفضالظلم لأننا نتأثر بكل ما يقع للبشر في كل أنحاء العالم من ألوان الظلم . .ونتألم لآلام الشعوب المغلوبة على أمرها»بتحليل المتغيرات السياسية .الذي يجب أن لا يحيد عنه .التاريخية ، وهو وضـوح أدى إلى اتساق نظـرتـه ومـعـالجـتـه لـكـل الأمـوروطارئة . وبهذه العقلانية التي تضع كل الاحتمالات في اعتبارها يمكنمعالجة كل الأمور بلا تشنج أو انفعال لا لزوم له . يـقـول الشيخ زايد فيمؤتمره الصحفي في ٢٠ أكتوبر ١٩٧٣ متسائلاً :«كيف يمكن أن تستمر المعاملات والعلاقات بين دولة وأخرى من طرفواحد؟ ! إن أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة يسعدها أن تقيم علاقاتهامع الدول على أساس المصلحة المتبادلة . . نريد أن نفيد ونستفيد ولا نرغبفي أن نتشاحن مع أي دولة صغيرة أو كبيرة ، ولكننا أجبرنا على رد الإساءة . ونحن الآن نرد الإساءة»وأحياناً قد يواجه الزعيم بموقف مفاجيء أو طارىء لا يمنحه فسحة منأبعاده ، لكن يظل وعيه السابق بمتغيرات العصر وثوابت الاستراتيجية التيرسمها لنفسه بمثابة الإطار الذي يمكن التحرك داخل حدوده التي تزاوج بينحد أدنى وحد أقصى ، بحيث يضمن السير على هدى تقاليده وقيمه الثابتة ،بأول .قائلاً : الكبيرة بآمالهاسيئة؟وبنفس الوضوح الفكري والانساق المنهجي أجابه الشيخ زايد :قرارنا سليماً أو غير سليم .يهاجمها . هل يمكن لهذه العائلة وهي تواجه الخطر أن تجلس لتخطط الموت في أعماق والموت بيدالله وليس بيد دولة صغيرة أو دولة كبيرة . إن أي قـوة على هذه الأرض لاتستطيع أن تنزع روح الإنسان . إلى متى سنظلنخاف ونخشى؟ لم يخصنا الخطر وحـدنـا ونحن فقط؟ ! لماذا لا يخاف . وتتمركز فيهامنذ أكثر من ٢٥ عاماً والولايات المتحدة تساندها وتدعمها بالسلاح الذيحساب . فإلى متى نخاف ونحسب ونخطط ونخشى الخطر؟ ! إننا إذا فسوف نترك كل شيء للعدو .ماذا أفعل إذا وجدت ابني وأخي يطعن ويقتل؟ ! إن الواجب الطبيعي المنطقي إن ضبط النفسحياة أو موت» . إن أخـطـر القـراراتالمصيرية التي قد يبدو فيها عامل المخاطرة قويا ومسيطراً لا تخلو من حرصيصعب الخروج منها .التجارب والمحن ، ويختصـر لهالتفصيلية الدقيقة . وعلى حسه وخبرته السياسية مادياًثم يقدم على قراره المصيري وهو يدرك جيداً أن المصير في النهاية بيد الله ، وهو بهذا ينزع من قلبهومن قلوب أبناء وطنه الخوف الذي يمكن أن يصيب حركتهم بالشللويحيط عامل المخاطر في قراره بضمانات تجعله محسوباً إلى حد كبير ،وتمكنه في الوقت نفسه من الاستعداد للتعامل مع المتغيرات الطارئة .بهذا المنطق المتماسك المتسق يضع الشيخ زايـد يده على ما تؤكده علوممصيري أن يتجاهلها أو يتجنبها .أولا بأول . إذ أن كـلالتداعيات والنتائج التي ترتبت على قرار قطع البترول بصفة خاصة وعلىتطورات المعارك على الجبهة بصفة عامة أثبتت أن قراره التاريخي لـم يكـن بل كان نابعاً مـن وعيعميق وحس حضاري شامل صهر المتغيرات السياسية والثوابت الإنسانيةالمعنية . فإنها فيالوقت نفسه تملك قدراً مماثلاً من النظرة الواقعية التي توضح أن تراجع قوةيهددها . ذلك أن العدو الخارجي واضح ومحدد ويمثل هدفاً يمكن مقاومته أما التحلل عندمايسري في همم وعزائم أبناء الوطن فإنه قد يشكل مرضاً خبيثا قد يصعب وهذاالمفهـوم يتجلى في حديث الشيخ زايد لبعثة الإعلام المصرية التي زارتالبلاد في 17 أكتوبر ١٩٧٥ ،العرب ، وأن الكثير من التقدم والاستقرار والسعادة قد تحقق بفضل الاتحاد ،تقاعس الـهـمم من داخله ، وأعرب عن أمله في أن لا يـكـون لمثـل هـذاالتقاعس وجود بين الصفوف ،الاتحاد .٢١أكتوبر ١٩٧٥ قال :علينا أن نعرف الطريق الصحيح وتجمع عليه لأنه طريق السعادة . المسيرة الواحدة . وأنا أقول ذلك لأنه لا يمكن أن تكون لنا أهداف متفرقة . . لا يمكن أن يكون لنا إلا هدف واحد هو صيانةوطننا ونرتفع فوق المصالح الشخصية . علينا أن نتجنب المصالح الشخصية ، لأن المصلحة العامة هي التي تجمع الشمل .وبذلك يؤكد الشيخ زايد أن المصلحة العامة ليست سوى محصلة جمع المصالح الشخصية بأسلوب قومي موضوعي . أما الذين يلهثون وراء مصالحهم الشخصية فقط ، فإن قصر نظرهم يمنعهم من إدراك أن مصالحهم هذه لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار المصلحة العامة التي إذا انهارت فلابد أن تعود بالوبال على المصالح الشخصية ذاتها .وازدهارها .والسلطة في نظر الزعيم التاريخي ليست مصلحة شخصية لـه لا بد أن يتشبث بها ، بل هي مجرد وسيلة أو أداة لتحقيق المصلحة العامة للوطن . ولذلك فهو يبدو زاهداً فيها باستمرار خاصة إذا وجد أن الظروف غير مواتية والأحوال معوقة لتطبيق استراتيجيته الحضارية ، أو إذا رأى جميع الأعمال التي قام بها قد أصبحت متكاملة وأنت ثمارها . أو إذا أراد أن يحتاط لما يجب أن يتحمله من أعباء وأن يحدد معالم الطريق الذي سيقود فيه الأمة في المسيرة القادمة . ففي حديث شامل في مؤتمر صحفي عقده الشيخ زايد أثناء زيارة خاصة له الجمهورية الصومال في ٧ أغسطس ١٩٧٦ ، أعطى تحليلاً كاملاً للموقف الذي أدى إلى إعلانه قراره بعدم تجدید فترة رئاسته وأشار إلى الأحوال التي يمكن فقط عند توافرها أن يقبل الرئاسة لفترة ثانية . قال : والسبيل إلى ذلك هو التعاون في كافة المجالات . والطريق الذي يبدو لي الآن أنه من الضروري أن يسعى الجميع لتحقيق هذا التعاون وتبادل الرأى بين الأشقاء والإخوان لما فيه خير وصالح المجتمع العربي والإسلامي كله . ولكن توجد بعض العقبات . مثل عدم التنسيق وعدم التآزر في مواجهة المشاكل والقضايا المشتركة . وهذا يؤدى إلى تعطيل المسيرة . . وينعكس هذا كله بالتالي على ما أمكن تحقيقه فعلاً من تعاون فيالمجالات المختلفةأى أن الشيخ زايد يدق جرس الإنذار بصراحته المعهودة حتى ينبه جميع الأطراف المعنية إلى أن احتمال دخول المسيرة الوطنية في طرق مسدودة أصبحت قائمة ، وأنه ليس على استعداد للسير فيها بعد كل الإنجازات التي قام بها ، وكل الآفاق التي فتحها للحاق بموكب العصر . والسلطة والمسؤولية في نظره تكليف لا تشريف ، ولا يعقل أن يسهر بنفسه على عمل أراد الشعب إنجازه طوال السنوات الماضية ، ثم لا يجد بعد كل هذا سوى عدم التنسيق وعدم التآزر في مواجهة المشاكل والقضايا المشتركة مما يؤدي إلى تعطيل المسيرة وخلل العلاقات بين الدول الشقيقة . لأن كل ذلك لا بد أن يكون على حساب مستقبل الوطن . وهي قضيةملحة تتطلب الصراحة والمواجهة ووضع النقط على الحروف حتى لا تضيع معالم الطريق تحت أقدام أبناء الوطن ، وحتى لا تنطمس القيمة الحضارية لإنجازات الزعيم نفسه . فمن حقه أن يحافظ عليها في الصورة اللائقة بها . وإذا وجد أن عدم التنسيق وعدم التآزر وتعطيل المسيرة وخلل العلاقات من شأنه أن يصيب الإنجازات السابقة بنكسة أو ردة إلى الوراء ، فمن حقه أن يعلن شجبه ورفضه لكل هذا ، حتى ولو بلغ هذا الرفض حد التنحي أو عدم قبول تجديد مدة رئاسته فترة أخرى . والحياة لا تعترف بمبدأ «محلك سر فهي إما تقهقر للخلف أو انطلاق للأمام ، والذين يظنون أنفسهم راسخين ثابتين في مواقعهم ، واهمون لأنهم لا يدركون أنهم يتقهقرون بالنسبة للآخرين المنطلقين إلى آفاق العصر . فإذا كان هذا هو الوضع بالنسبة لأنصار «محلك سر فما بالك بوضع الذين يرفضون التنسيق والتآزر ؟ ! يقول الشيخ زايد في مؤتمره الصحفي في ٧ أغسطس ١٩٧٦ : «لقد انتهت المدة التي توليت فيها رئاسة الدولة وهي خمس سنوات ، ولا يجوز أن آخذ أكثر مما قطعته على نفسي وتحملته أمام وطني وأمتي . والشيء الثاني . أنني قبلت القيادة وتحملت أعباء الرئاسة في الوقت الذي كانت فيه الإمارات مبعثرة . . . في بلدنا وإماراتنا . كنا نعمل ليل نهار من أجل إسعاد شعبنا الذي عانى طويلاً . وكانت اتصالاتنا مع إخواننا العرب ، وفي  من أجل بناء علاقات قوية وطيبة على نفس المستوى . وكل هذه الإنجازات واضحة ويلمسها الجميع . ويعلم الله كيف كنت أسهر بنفسي على كل عمل نريد إنجازه في دولة الإمارات . حتىاتصالاتنا الخارجية كنت أتابعها وأسهر عليها لإيماني بأنها لصالح دولتنا»هذا هو الواقع الحضاري الرائد الذي حققه الشيخ زايد لوطنه ومن حقه أن يحافظ عليه وأن يفخر به وأن يحميه من كل ما يمكن أن يمسه من قريب أو بعيد ، لكنه على استعداد للنزول من على هذه يقول :إن الإنسان لا يجوز له أن يسبح في البحر بيد واحدة ، ما دام الله عز وجل قد خلق له يدين ورجلين ، والأمة جسم واحد ، لا شك في هذه الحقيقة أبداً . إذا اشتكى عضو فيه من ألم يشعر باقي الجسم بنفس الألم . ويشعر الجسم الكبير بأن هذا العضو الذي يشعر بالألم له نفع كبير يقوم بهلباقي الجسم . ظناً منه أن العقل الأوحد والمفكر الأوحد والمحرك الأوحد لمقدرات أمنه . أما الزعيم القومي فيدرك أن الدافع الذاتي من داخل المواطن لا بد أن ينطلق ليلتقي بفكر الزعيم ثم يتفاعل معه ، تأثيراً وتأثراً ، من أجل تحقيق الوحدة العضوية لبناء الوطن وانطلاقته الحضارية . فهو لا يستطيع مواصلة إنجازاته بدون تآزر المسؤولين معه ومساهمة الشعب في تطبيق استراتيجيته . وهذا الفرق بين الزعيم القومي والزعيم النرجسي هو أيضاً الفرق بين الزعيم الديمقراطي والزعيم الديكتاتوري الذي لا يستطيع أن يتصور كيان الأمة ووجودها بدونه . أما الزعيم الديمقراطي فيحب أن تتواصل المسيرة الديمقراطية من خلال الانتقال الشرعي والحضاري للسلطة من جيل إلى جيل دون انقلابات أو نكسات أو غير ذلك من أمراض النظم الشمولية التي يجثم الديكتاتور على أنفاسها ولا يتركها إلا مرغماً ، إما بالموت بطريقة أو بأخرى ، أو بانقلاب يطيح به إلى السجن أو المنفى ، وهو الذي كان يظن أنه يمخر عباب الماء في حين أنه يسبح في البحر بيد واحدة ، كما كان يظن أنه يقود الزحف المقدس نحو آفاق الحضارة في حين أن يسير على قدم واحدة ، إذا ما اقتبسنا استعارة الشيخ زايد الذي يرفض هذا المنهج تماماً لأنه يرى أن الزعيم والشعب وجهان لعملة واحدة هيا المتحضرة . فلا يمكن للزعيم أن يقود أمته بدون الدافع الذاتي النابع من داخل المواطن دون ادعاء أو افتعال ، كما أن الشعب لا يمكن أن يتلمس سواء السبيل بدون القيادة المستنيرة للزعيم . ومن خلال التفاعل بين الزعيم والشعب تتواصل المسيرة الديمقراطية وتنتقل إلى الجيل التالي له وهكذا . أما الديكتاتور فيتصرف - سواء بوعي أو بلا وعي - تطبيقاً لمبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان . وفي هذا يقول الشيخ زايد :الأمةفاليوم أرى من واجبي أنه لا ينبغي أن أحول بين إخواني وبين القيام بمهامهم ، لكي يأخذوا دورهم ويعرفوا المسؤوليات التي علينا وعليهم . وأن كل إنسان يجب أن يعرف عمله ومسؤولياته . وسأعطي مثالاً لذلك . . إن المزارع يعرف كيف يعمل في زراعته بالطريقة التي لا يعرفها صياد البحر .