4أزمة العلم وعالقتها بالنقد الابستمولوجي: تنشأ ألازمة في العلم في حالة وجود مفاهيم هي بذات الوقت موضوع للحديث الفكري والحديث العلمي على السواء، وهميا وناقصا، فيتحدثون في هذه الحالة عن وجود "أزمة" في العلم. والتصورات املبنية حول موضوع معين معاملقوالت العلميةالقائمةالتي تتناول هذا املوضوع يخلق أزمة. ووهمية ونقصان هذا التصور يأتيان من صفته الذاتية، فاألزمة التي يتحدث عنها هؤالء املفكرون ليست أزمة في العلم بقدرما هي أزمة داخل أنساقهم الفكرية التي تتبنى مفاهيم ثابتة، وبطبيعة الحال كما هو مالحظ يعاني املشتعلين بالسوسيولوجيا تحديدا العربية هذه ألازمة. أزمة تصوراتهم الفكرية مع القضايا العلمية للسوسيولوجيا والتي هي في هذه الحالة سوسيولوجيا غربية، ما يجعل عملية النقد الابستمولوجي عسيرة، لذلك طرحت فكرة علم هذا التحديد للمشكلة الابستمولوجية بكونها مشكلة علمية ال مشكلة فكرية يمكن من تعيين بصورة أوضح معنى النقد في مهمة الابستمولوجيا، بل هو يعني بيان الدالالت املعرفية لتلك النظريات، تحقيق هذه املهمة يعتمد في الوقت ذاته على تحديدنا للشروط التي ينبغي أن تتوفر في الابستمولوجي لكي يقوم بالوظيفة النقدية باملعنى املحدد مسبقا، وفي ذات السياق يضعنا جاستون باشالرأمام الحقيقة التالية: ال يمكننا أن نفكر في مهام الابستمولوجيا دون أن نأخذ وقيدي، ،1983 الصفحات 13-12(. وقد حدد محمد وقيدي مهمة النقد الابستمولوجي في ثالث مراحل )وقيدي، أ. إبراز القيم الابستمولوجية التي أدى إلى بروزها إنتاج علمي قائم منذ عقود من السنوات. ب. التوقف عن مظاهر التعطل والنكوص في املمارسة العلمية في مجال العلوم إلانسانية ومنها علم الاجتماع( من أجل معرفة العوائق الابستمولوجية، وذلك عن طريق الكشف عن ال وعي املمارس العلمي فيها. ج. العالم العربي من أجل البحث في وضعيتها وإبراز مشكلتها. كما حدد عبد الكبير الخطيبي )2000(مهمة الناقد الابستمولوجي بعمل نقدي مزدوج، "تتمثل كمايلي: أ. تفكيك املفهومات الناتجة عن املعرفة السوسيولوجية والكتابة السوسيولوجية والكتابة التي كانت تتكلم باسم العالم العربي ويغلب عليهما الطابع الغربي وايديولوجيته املتمركزة على ب. في الوقت ذاته نقد املعرفة والكتابة السوسيولوجية اللتين أنجزتهما مختلف مجتمعات العالم العربي حول ذاتها. وتفتح أمام رجال علم الاجتماع امكانية معرفة علمية أقل استالبا وأكثر تكيفا مع خصوصية املوضوع املطروح. وتأخذ بنيتها بالنسبة لتفكير خاص، وأحداث معينة في الزمان واملكان، وتندرج في كتابات لها منطقها واملفاهيم الكتابات تترابط ولكن نالحظ أنها في كل مرة تأخذ صورة نظرية )الخطيبي، ،2000 صفحة 187(. وفي نفس السياق ينطلق أنور عبد املالك )2005( في معرض حديثه عن مستقبل النظرية وكذلك عدم كفاية الجهاز املفاهيمي للعلوم الاجتماعية، وتنبع عدم الكفاية تلك بدورها وفي شكلها املقابل من حقيقة التباين، أي التباين بين مجتمعات الغرب التي أسست املواد التحليلية الجوهرية للشروح املدققة صفحة 51(. منظومته املعرفية مركزة على صورته ووفق خصوصيته وليست موجهة للعالم آلاخر. ومن هنا تتأسس مشروعية النقد املفاهيمي التي طرحها أنور عبد املالك في كتابه الجدلية الاجتماعية ) la sociale dialactique )على أن املفاهيم ذات طابع خصوص ي تجزيئي غير عالمي. ينبغي إعادة بنائها وفق معطيات العالم الواقعي والوجود الفعلي للمجتمعات املحددة في إطارالزمان واملكان، لتكون يهدف النقد الابستمولوجي إلى إبراز ومعرفة ألاسس الابستمولوجية التي ينطلق منها إلانتاج العلمي، وعوائق تقدمه في مسيرته التطورية. وكذا نقد نظريات العلم في محاولة فهم ميكانيزمات الواقع، إلى مفاهيم )مدى مطابقة املفاهيم املجردة للواقع امللموس(، والعودة إليه بنظرة مستقبلية تنبؤية. إذن النقد الابستمولوجي هو إبرازدرجة تطور علم ما )في موضوع الحال علم الاجتماع( أو ركوده وكذلك تحليل ألازمات التي تنتابه. وبالنسبة للناقد الابستمولوجي للسوسيولوجيا العربية أو الجزائرية على حد سواء فإن املهمة غامضة أو صعبة كما وصفها أحد الباحثين، فعلم الاجتماع العربي عموما في أزمة، أزمة وجود وأزمةاغتراب ملا هوموجود، إلابستمولوجي أمام هذه الوضعية؟ من هذه الوضعية -وضعية تعطل املعرفة السوسيولوجية في الوطن العربي نتيجة تعطل تطور الفكر العربي عن انتاجها- تبدأ مهمة الناقد العربي ألاساسية فيجب الانطالق من مبررات املعرفةالسوسيولوجيةوعن الشروط الابستميةلقيامهاومدى وعي الفكربواقعه إلنتاجها، يكون هذا الفكر الوعاء املعرفي الذي يهيء للمعرفة السوسيولوجية ظروف وجودها. نفهم من هذا كله أن الحالة الراهنة لعلم الاجتماع في العالم العربي تستوجب نقدا وذلك على ضوء الواقع الاجتماعي والفكري الذي تتحرك فيه نشأت سوسيولوجيا املعرفة نتيجة أزمة الفكر الحديث أو أزمة السوسيولوجيا الغربية، لتدرس الروابط الاجتماعية بين النظريات وأنماط الفكر، من الجانب النظري أما من الجانب السوسيوتاريخي فإنها تحاول تعقب ألاشكال التي اتخذتها هذه الاجتماعي-التاريخي. أ.التحليل الامبريقي-البنائي للطرق التي بواسطتها تؤثر العالقات الاجتماعية على الفكر. املوضوعية(، العالقة بين الفكر والواقع في التطور الفكري لإلنسانية. )مانهايم، وتبرز أهمية علم اجتماع املعرفةكعلم يسمح لنا بدراسة شرطيةوظرفيةالفكرة، وفي نفس الوقت وبحكم أن هذا الواقع له حضورا في الفكر، حنطابلي، يتمثل في جملة من ألاسئلة والتوجهات املنهجية، غرضها دراسة املحددات الاجتماعية للمعرفة والسيما إن علم الاجتماع املعرفة يريد أن يضع تحت واليته محددات املعتقدات وإلايديولوجيات وكذلكاملعرفة )وف. إذن القضية ألاساسية املطروحة في علم الاجتماع هو أنه بمعونة علم الاجتماع املعرفة يمكن الوصول إلى الحقيقة املثلى والذي يبدأ باالفتراض بأن الباحث في قضايا املجتمع والتاريخ، مهما كان موضوعيا في أهدافه، فيها وجهات نظر الباحث نفسه جزئية وناقصة، )مانهايم، الصفحات 26-25(. وقد اقبل الاهتمام املتأخر نوعا ما بعلم اجتماع املعرفة، شاهدا ال يدحض على ضرورة فمعرفة املعرفة( أي معرفةمدى ارتباط أشكالها باإلطارالاجتماعي، وهي مهمة علم اجتماع الرئيسية، ومن ثمة مالحظة الواقع ودراسة خصوصياته على الصعيد املعرفي، تؤدي بنا حتما إلى تحديد معالم علم اجتماع عربي، يتالءم مع املعطيات العربية بصفة عامة.