المقصود بالأسس: مجموعة الأحكام والقواعد العقدية والتشريعية التي تقوم عليها العلاقات الدولية في الأسلام, وفيما يلي إشارات سريعة إلى أهم هذه الأسس. عني القرآن الكريم _كما عنيت السنة النبوية_ بالعقيدة التي تقوم على أساس الإيمان بالله تعالى رباً متفرداً بالخلق, وإلهاً متفرداً بالأمر والنهي, فالدولة الإسلامية والأمة المسلمة لها مثالية لم تنعم بها أي دولة كبرى سبقتها أو جاءتبعدها, وهذه المثالية التي هي دعامة الدولة الإسلامية, والتوحيد له أيضاً أثر سياسي وقانوني, فالتوحيد وقاية من طغيان الفرد وظلم الإنسان للإنسان. وهل هناك تحرر من طغيان البشر أروع من الإيمان بأن الله هو خالق الكون, وأن الخير بيده سبحانه وإليه المصير؟ هذا المعنى رد للفرد شعوره بشخصيته وبكرامته, وبأن له حرمة في نظر القانون, وأنه لا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تجرده من حقوقه كإنسان, وإن حاولت فهو مطالب بالدفاع عن تلك الحقوق, وإذا كانت العقيدة هي الموضوع الرئيس الأساس في السور المكية, فإنها كذلك موضوع رئيسي في السور المدنية التي تنزلت لتعالج قضايا تشريعية دولية مثل الدعوة إلى السلم, والعدل والمعاملة بالمثل وغير ذلك من المبادىء والأحكام التى عرضت من خلال هذه العقيدة ومقتضى الإيمان بالله تعالى والإيمان باليوم الآخر, مرتبطة بصفات الله تعالى من أنه حكيم عليم, ولذلك نجد هذه الآيات الكريمة وأمثالها: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهدآء بالقسط ولا يجر منكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلواهو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) ومن هنا كانت أحكام العلاقات الدولية _كغيرها من جوانب الفقه الإسلامي_ ذات أعتبارين: قضائي ودياني. فالقضائي يحاكم العمل بحسب الظاهر, أما الديانة فإنما تحكم بحسب الحقيقة والواقع. فالأمر أو العمل الواحد قد يختلف حكمه في القضاء عنه في الديانة. ولذلك نجد الفقهاء يميزون بين ماينفذ من الأحكام ظاهراً وباطناً وبين ما ينفذ ظاهراً, وقد أرشد النبي صل الله عليه وسلم إلى هذا المعنى فيما روته أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها. عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه سمع خصومة بباب حجرتهو فخرج إليهم فقال: (إنكم تختصمون إلي, ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه,