وقد لاقى الهجاء رواجا وبيئة خصبا في غمر العصر الجاهلي لما فيه من نعرات قبلية وحروب دموية وأيام عربية دامت لسنين ودهور والتي هيأت الطابع الاجتماعي المشحون بالبغضاء والحسد والرغبة بالانتقام. وكان الهجاء والمدح وجهان لعملة واحده، فمع اختلافهما في المعنى الظاهري إلا أنهما يلتقيان في المقاصد والغايات الباطنية والتي تتلخص في الرغبة بالفوز والانتصار للذات والقبيلة في خضم المعترك الاجتماعي القائم. فالمادح يتجه بالإطراء والفخر بمن يحب لإعلاء شأنه, وكان للهجاء والهجاؤون خطورتهم في المجتمع الجاهلي لما فيهم من ازدراء للرذائل ونقض للفضائل والذي بدوره كان سلاحا نفسيا ومعنويا ينال من الخصوم ويضعف شملهم ولما فيه من رفعة لشأن قومه وشحذ لنفوسهم. وكان للهجاء رواجا على المدح في العصر الجاهلي لما فيه من قصر أبيات و لذاعة المعنى, وأمثلة وللهجاء نماذج كثيرة ومتنوعه في الشعر الجاهلي منها من هجا فرديا كالمزرد بن ضرار يهجو زراعة بن ثوب بعدم الوفاء والخيانة بعد أن أخذ إبلا من ثعلبي ومنهم من هجا زوجته وابنه العاق.