وتمت روح الجماعة في الدولة الناشئة تدريجياً، وسارت هذه العملية أحياناً على نحو أبطأ مما أراد لها صاحب السمو الشيخ زايد، وهي حقيقة أشار إليها في أغلب خطاباته وتصريحاته غير أن قدرته على التروي في إحداث التغيير أعطت دولة الإمارات العربية المتحدة مصدراً فريداً للقوة، ولكن خصلة الصبر في حد ذاتها ليست كافية لتحقيق الإنجازات التي حققها الشيخ زايد، وكان لا يأنف من العمل بيديه في أغلب الأحيان مما جعله يكتسب ميزة الاعتماد على النفس. وقد تعلم الشيخ زايد في الحكم للمرة الأولى في العين، وقد تمت مهاراته القيادية مع مرور الوقت حيث ارتقى من وضعية شيخ من الأسرة الحاكمة إلى تقلد منصب ممثل الحاكم في العين، وقد استطاع أن يحول مجتمعاً قبلياً تقليديا إلى دولة موحدة ومتقدمة، وتقديراً لإنجازاته فقد اختاره إخوانه حكام الإمارات رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ إنشائها . ولو استعرضنا مسيرة صاحب السمو الشيخ زايد بمجملها لرأينا أن يوسعنا أن نقسمها إلى أربع مراحل تاريخية مختلفة، أولاها فترة التدريب واكتساب الخبرة التي امتدت من العشرينيات وحتى عام 1006 والتي تشكلت فيها معاييره للقيم الإنسانية ومبادئه وخدمه السياسي ؛ فقد تم إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة على أسس متينة بالاتفاق المتبادل والتفاهم والتراضي. أما المرحلة الرابعة والأخيرة فهي تلك التي بدأت عام 1981 وماتزال مستمرة إلى يومنا هذا، وهي فترة التنمية المتواصلة وترسيخ دعائم الدولة تحت رئاسة صاحب السمو الشيخ زايد. وقد تمت تسوية المشكلات الناجمة عن التغيرات المتسارعة والجذرية لتبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة قوية ناضجة، وقد اقترنت رؤية صاحب السمو الشيخ زايد لقيمة الوحدة بمفهوم التكامل الإقليمي الذي بادر بالدعوة إليه حتى تم تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي ترأس أول قمة له، وشيئاً فشيئاً أصبح لهذه الدولة دور بارز في العالمين العربي والإسلامي، وتحمل عملية التنمية منذ عام 1971 وحتى يومنا هذا بصمة الرؤية السياسية الثاقبة للشيخ زايد، فالعديد من الدول الناشئة التي قامت بعد عام 1945 بدأت بداية طبيبة، ولم تستطع أن تفي بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في البداية . وهذا ما لا ينطبق على دولة الإمارات العربية المتحدة، أما الجانب الذي لم يولوه اهتماماً فهو عامل الشخصية المتفردة للشيخ زايد الذي غير مسار تاريخ المنطقة بشكل حاسم .