دأب بعض المفكرين على اتهام حضارتنا بالانغلاق ورميها بكل الأوصاف السلبية إما جهلا بتاريخها أو بسبب الحقد والكراهية ، وزعموا أن تأخرنا عن ركب الأمم المتقدمة و عجزنا عن التطور يعزى إلى انغلاقنا على أنفسنا. ومهما كان زعمهم فأنا أعارض رأيهم معارضة تامة ، لذلك أجده يستحق الرد ، لكن قبل ذلك لا بأس من التعريف بالحضارة.فهذا المفهوم يعني ما وصل إليه العقل البشري من إنجازات تشمل كل الميادين.فإن كان هذا الأمر يصدق على الحضارة الإسلامية فلماذا لا يقرأ أصحاب هذا الرأي المضاد كتب التاريخ ، لأننا نحن – المسلمين – لم ننطلق من العدم ، وإنما تفاعلنا مع الحضارات السابقة علينا ،وقد فتح ما قام به الخليفة المأمون – حيث شجع أسلوب الترجمة في بيت الحكمة – الباب على مصراعيه فتعلمنا من الفرس فنون الإدارة والسياسة من اليونان ومن اليونان فنون الفكر والفلسفة ، فتم مزج كل ذلك في قنينة بسائل من العقيدة الإسلامية ، بل أضفنا إليها أشياء جديدة أهمها : الصدق في القول و الرجاء في الله.فاستطعنا بفضل ذلك قيادة العالم ، ثم أنشأنا المدارس والمعاهد وبنينا المدن الحضارية المزدهرة ، فما تزال كتب التاريخ تحفظ لنا أدلة عنها ، فاسألوا أهل الأندلس وناقشوا أهل الفرس كيف كانت حضارتنا منفتحة تقبل بين أحضاننا كل الأقوام. أتذكرون يوم كانت أوربا تعيش عصر الظلمات ، فأخذ الأوربيون من الخوارزمي علم الرياضيات ، ومن ابن خلدون علم الاجتماع فاستطاعوا أن يأخذوا الدروس خير مأخذ.لكنهم تنكروا لذلك بدافع الحقد والهوس فأشعلوا حربا فكرية أولا ، ثم تطورت إلى حرب حقيقية عملوا على اثرها على هدم اركان هذه الحضارة ، والحقد على أبنائها.لذا فالحضارة كالإنسان في مسيرته ، وتكبر كما يكبر فتعطي وتسود مثل سيادته ، غير أن أثرها تبقى خالدة تشهد على العز الذي كان. هكذا أصرح بأن رأي هؤلاء المفكرين خاطئ ، لأنه ينبني على الحقد والكراهية والادعاء الكاذب الذي يفتقد إلى أي دليل منطقي أو حجة دامغة ، وهو بذلك مجانب للصواب.