هناك منتجات مالية سعودية تم استخدام الهندسة المالية فيها، وتستخدم الهندسة المالية عند تصميم مثل هذه المنتجات المالية، أولا لأنها منتجات ذات خصوصية محلية ولا توجد أمثلة قائمة ومجربة في دول أخرى للتمكن من نسخها مباشرة، وثانيا لضرورة دراسة جميع جوانب المنتج والتأكد من صحة فكرته ودراسة جوانب المخاطرة فيه على المستفيد والجهة المصدرة للمنتج. والجانب الأصعب في هذه العملية يكمن في تحديد المصادر المالية التي من خلالها ستتم تغذية هذا البرنامج، شركة أرامكو السعودية تعد من أكبر الشركات التي تتعامل بأساليب مالية متقدمة، وذلك بسبب ضخامة حجم الشركة وتنوع منتجاتها وخدماتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية. وبسبب حاجتها إلى الهندسة المالية، أما أوجه التميز في الهندسة المالية لدى أرامكو فهي عديدة، سواء في النجاحات الكبيرة للسندات والصكوك التي تم طرحها محليا ودوليا، أو في طريقة طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام، فمن أجل إنجاح عملية الطرح، حيث يستطيع البيع على المكشوف لعدد من الأسهم تصل نسبتها إلى 15 في المائة من عدد الأسهم المطروحة. ما تم إعلانه مطلع هذا الأسبوع عن اتفاقية تمويل مبتكرة مع شركة استثمارية عالمية مختصة في النفط والطاقة من أجل الاستفادة من شبكة الأنابيب الضخمة التي تملكها أرامكو لجلب سيولة نقدية للشركة. الهندسة المالية تظهر هنا في قدرة الشركة على تحويل أصول صماء إلى وسائل مدرة للنقد، حيث تم الاتفاق أولا على إنشاء شركة مشتركة تملكها أرامكو بنسبة 51 في المائة، ومن ثم تقوم هذه الشركة باستئجار شبكة الأنابيب لمدة 25 عاما، وتقوم بإعادة تأجيرها لأرامكو مقابل رسوم دورية تعتمد على حجم تدفقات النفط في الأنابيب. العملية عبارة عن طريقة تمويل مبتكرة يتم فيها التخلي عن جزء من إيرادات النفط التي تنقل عبر الأنابيب في سبيل الحصول على نحو 47 مليار ريال نقدا دون التفريط بملكية شبكة الأنابيب ولا وضع قيود على سياسة إنتاج النفط، ومع إبقاء جميع مهام الصيانة والتشغيل والتطوير والتوسع لدى أرامكو. وبما أن أرامكو تمتلك 51 في المائة من الشركة الجديدة فهي كذلك ستحصل على 51 في المائة من الرسوم التي ستدفع مقابل استئجار الشبكة، أي إن أرامكو قامت بتأجير شبكتها على شركة هي تمتلكها مقابل نقد فوري، ومن ثم تقوم أرامكو بدفع رسوم سنوية هي نفسها تحصل على النسبة الكبرى منها. وهذه الصفقة تعد في الأوساط المالية العالمية صفقة ناجحة لكلا الطرفين، وطريقة تمويل مبتكرة وربما أقل تكلفة من التمويل التقليدي عن طريق السندات، وأخيرا: حجم هذه الصفقة وحدها أكثر من ضعف جميع رؤوس الأموال الأجنبية التي تدفقت إلى المملكة عام 2020.