فِي قَوَاعِدَ تَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامَةِ وَالتَّغْلِيظُ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، وَالتَّرْهِيبُ مِنْ نَقْضِهَا قَالَ الإِمَامُ الحَسَنُ بنُ عَلِيَّ البَرْبَهَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ السُّنَّةِ» لَهُ : مَنْ وَلِيَ الخِلافَةَ بِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَرِضَاهُمْ بِهِ؛ لا يَحِلُّ لأحدٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةٌ وَلَا يَرَى أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ؛ بَرًا كَانَ أَو فَاجِراً . هَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ» اهـ. فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لأحَدَّثَكَ حَدِيثاً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُهُ، مَنْ خَلَعَ يَدَاً مِنْ طَاعَةٍ ؛ لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُطِيع؛ هُوَ: ابنُ الأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ القُرَشِيُّ العَدَوِيُّ المَدَنِيُّ. لَهُ صُحْبَةٌ، وَمَاتَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزبير" اهـ. وَقَالَ الحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ»: «لَهُ رُؤْيَةٌ، وَأَمَّرَهُ ابْنُ الزُّبَيرِ عَلَى الكُوفَةِ، «كَانَت وَقْعَةُ الحَرَّةِ، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي البِدَايَةِ وَالنَّهَايَةِ» (۱) : وَلَمَّا خَرَجَ أَهْلُ المَدِينَةِ عَنْ طَاعَتِهِ - أَي: يَزِيدَ ، وَوَلَّوا عَلَيْهِمُ ابْنَ مُطِيعِ، وَابْنَ حَنْظَلَةَ ، وَإِثْيَانِهِ بَعْضَ القَاذُورَاتِ. وَالفَاسِقُ لَا يَجُوزُ خَلْعُهُ، لأَجْلِ مَا يَئُورُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الفِتْنَةِ وَوُقُوعِ الهَرْجِ كَمَا وَقَعَ زَمَنَ الحَرَّةِ . وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَجَمَاعَاتُ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ مِمَّنْ لَمْ يَنقُضِ العَهْدَ، كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ (۲) : حَدَثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ: حَدَّثَنِي صَخْرُ بنُ عَنْ نَافِعٍ، ثُمَّ تَشَهَدَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ؛ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ الغَادِرَ يُنصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هَذَا غَدْرَةُ فُلانٍ». فَلَا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنكُمْ يَزِيدَ، وَلا يُسْرِفَنَّ أَحدٌ مِنْكُمْ فِي هَذَا الأَمْرِ؛ فَيَكُونَ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتَّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَخْرِ بْنِ جُوَيرِيَةَ، قُلْتُ: هُوَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ بِالقِصَّةِ نَفْسِهَا. وَالمَنْعُ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيْهِ وَلَوْ جَارَ فِي حُكْمِهِ، مَشَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مطِيعٍ وَأَصْحَابُهُ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ الحَنَفِيَّةِ، فَأَرَادُوهُ عَلَى خَلْعِ يَزِيدَ؛ فَأَبَى عَلَيْهِم. فَقَالَ ابْنُ مُطِيع: إِنَّ يَزِيدَ يَشْرَبُ الخَمْرَ، وَيَتَعَدَّى حُكْمَ الكِتَابِ. وَأَقَمْتُ عَنْدَهُ، مُتَحَرِّياً لِلخَيْرِ، يَسْأَلُ عَنِ الْفِقْهِ، مُلازِمَا لِلسُّنَّةِ. فَقَالَ: وَمَا الَّذِي خَافَ مِنِّي أَو رَجَا حَتَّى يُظْهِرَ إِلَيَّ الخُشُوعَ ؟! أَفَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا تَذْكُرُونَ مِنْ شُرْبِ الخَمْرِ؟ فَلَئِنْ كَانَ أَطْلَعَكُمْ عَلَى ذَلِكَ : إِنَّكُمْ لَشُرَكَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَطْلَعَكُمْ فَمَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَشْهَدُوا بِمَا لَمْ تَعْلَمُوا. قَالُوا: إِنَّهُ عِنْدَنَا لَحَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأَيْنَاهُ. فَقَالَ لَهُمْ: أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الشَّهَادَةِ، فَقَالَ: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١) ، وَلَسْتُ مِنْ أَمْرِكُمْ فِي شَيْءٍ. قَالُوا : فَلَعَلَّكَ تَكْرَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الأَمْرَ غَيْرُكَ، فَنَحْنُ نُوَلِّيكَ أَمْرَنَا. قَالَ: جِيئُونِي بِمِثْلِ أَبِي أُقَاتِلْ عَلَى مِثْلِ مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ. قَالُوا: فَمُرْ ابْنَيْكَ أَبَا القَاسِمِ وَالقَاسِمَ بِالْقِتَالِ مَعَنَا. قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ! آمُرُ النَّاسَ بِمَا لَا أَفْعَلُهُ وَلَا أَرْضَاهُ، إِذَا مَا نَصَحْتُ للَّهِ فِي عَبَادِهِ ! قَالَ: إِذًا آمُرُ النَّاسَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَلَا يُرْضُونَ المَخْلُوقَ بِسَخَطِ الخَالِقِ. وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ» اهـ. القَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فَهُوَ إِمَامٌ تَجِبُّ بَيْعَتُهُ وَطَاعَتُهُ، وَتَحْرُمُ مُنَازَعَتُهُ وَمَعْصِيَتُهُ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي العَقِيدَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ عَبْدُوسُ بنُ مَالِكِ العَطَّارُ: وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِم - يَعْنِي: الولاةَ - بالسَّيْفِ؛ وَسُمِّي أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ بَرًّا كَانَ أَو فَاجِراً» (۱) اهـ واحْتَجَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «. وَأُصَلِّي وَرَاءَ مَنْ غَلَبَ» (۲). وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ» (۳) - بِسَنَدٍ جَيِّدٍ - عَنْ زَيْدِ ابنِ أَسْلَمَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ فِي زَمَانِ الْفِتْنَةِ لَا يَأْتِي أَمِيرُ إِلَّا صَلَّى خَلْفَهُ، وَأَدَّى إِلَيْهِ زَكَاةَ مَالِهِ. قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ المَلكَ، قَالَ: عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا اسْتَطَعْتُ، وَالمُرَادُ بِالاجْتِمَاعِ اجْتِمَاعُ الكَلِمَةِ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مُفَرَّقَةٌ، وَهُمَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ فِي تِلْكَ المُدَّةِ امْتَنَعَ أَنْ يُبَايِعَ لابنِ الزُّبَيْرِ أَو لِعَبْدِ المَلِكِ، فَلَمَّا غَلَبَ عَبْدُ المَلِكِ وَاسْتَقَامَ لَهُ الأَمْرُ بَايَعَهُ (۲). بَل انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ مِنَ الْفُقَهَاءِ: فَفِي «الاعتصام» للشاطبي (١): أنْ يَحْيى بنَ يَحْيَى قِيلَ لَهُ: البَيْعَةُ مَكْرُوهَةٌ؟ قال: لا. أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَالِكٌ عَنْهُ، وَرَوَى البَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِي (٢) عَنْ حَرْمَلَةَ، قَالَ: حَتَّى يُسَمَّى خَلِيفَةً، وَيُجْمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي «الفَتْحِ، وَقَد أَجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ المُتَغَلَّب، وَالجِهَادِ مَعَهُ، وَأَنَّ طَاعَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيْهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ، فَقَالَ: الأَئِمَّةُ مُجْمِعُونَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى أَنَّ مَنْ تَغَلَّبَ عَلَى بَلَدٍ أَوْ بُلْدَانِ لَهُ حُكْمُ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ. اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّطِيفِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنٍ آلُ الشَّيْخِ رَحِمَ اللَّهُ الجَمِيعَ : مُتَّفِقُونَ عَلَى طَاعَةِ مَنْ تَغَلَّبَ عَلَيْهِمْ فِي المَعْرُوفِ، يَرَونَ نُفُوذَ أَحْكَامِهِ، وَيَرَونَ المَنْعَ مِنَ الخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ كَانَ الأَئِمَّةُ فَسَقَةٌ، مَا لَمْ يَرَوْا كُفَرَا بَوَاحَاً. القَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ وَتَمَّ لَهُ التَّمْكِينَ، قَالَ الغَزَالِي: أَوْ فَاسِقٌ ، وَكَانَ فِي صَرْفِهِ عَنْهَا إِثَارَةُ فِتْنَةٍ لَا تُطَاقُ، فَمَا يَلْقَى المُسْلِمُونَ فِيهِ أي في هَذَا الاسْتِبْدَالِ - مِنَ الضَّرَرِ يَزِيدُ عَلَى مَا يَفُوتُهُمْ مِنْ نُقْصَانِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي أُثْبِتَتْ لِمَزِيَّةِ المَصْلَحَةِ. فَلا يُهْدَمُ أَصْلُ المَصْلَحَةِ شَغَفَاً بِمَزَايَاهَا؛ كَالَّذِي يَبْنِي قَصْرَاً وَيَهْدِمُ مِصْرًا وَبِفَسَادِ الْأَقْضِيَةِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ. وَنَحْنُ نَقْضِي بِنُفُوذِ قَضَاءِ أَهْلِ البَغْيِ فِي بِلادِهِمْ لِمَسِيسِ حَاجَتِهِمْ؛ فَكَيْفَ لا نَقْضِي بِصِحَّةِ الإِمَامَةِ عِنْدَ الحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ؟!)اهـ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّاطِبِيُّ فِي الاعْتِصَامِ» (۲) كَلامًا لِلْغَزَالِيِّ نَحْوَ هَذَا، «أَمَّا إِذَا انْعَقَدَتِ الإِمَامَةُ بِالبَيْعَةِ، أَو تَوْلِيَةِ العَهْدِ لِمُنفَكٌ عَنْ رُتْبَةِ الاجْتِهَادِ، وَقَامَتْ لَهُ الشَّوْكَةُ ، وأَذْعَنَتْ لَهُ الرِّقَابُ، بِأَنْ خَلَا الزَّمَانُ عَنْ قُرَشِيِّ مُجْتَهِدٍ مُسْتَجْمِعِ جَمِيعَ الشَّروط؛ وَجَبَ الْاسْتِمْرَارُ عَلَى الإِمَامَةِ المَعْقُودَةِ إِنْ قَامَتْ لَهُ الشَّوكَةُ] (۳). وَإِنْ قُدَّرَ حُضُورُ قُرَشِيِّ مُجْتَهِدٍ مُسْتَجْمِعِ لِلْوَرَعِ وَالْكِفَايَةِ وَجَمِيعِ شَرَائِطِ الإِمَامَةِ ، واحْتَاجَ المُسْلِمُونَ فِي خَلْعِ الْأَوَّلِ إِلَى تَعَرُّض لإِثَارَةِ فِتَنِ ، واضْطِرَابِ أُمُورٍ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ خَلْعُهُ وَالاسْتِبْدَالُ بِهِ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِم الطَّاعَةُ لَهُ ، وَهُوَ أَنَّ العِلْمَ اشْتُرِطَ الإمامَ لِتَحصِيلِ مَزِيدٍ مِنَ المَصْلَحَةِ فِي الاسْتِقْلالِ بِالنَّظَرِ وَالاسْتِعْنَاءِ عَنِ التَّقْلِيدِ. إِذَا عُلِمَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ المَطلُوبَةَ مِنَ الْإِمَامَةِ: تَطْفِئَةُ الفِتَنِ الثَّائِرَةِ مِنْ تَفَرَّقُ الْآرَاءِ المُتَنَافِرَةِ. قَالَ الغَزَالِيُّ بَعدَ ذَلِكَ: وَتَسْوِيشَ النَّظَامِ، وَتَفوِيتَ أَصْلِ المَصْلَحَةِ فِي الحَالِ؛ تَشَوُّفًا إِلَى مَزِيدِ دَقِيقَةٍ فِي الفَرْقِ بَينَ النَّظَرِ وَالتَّقْلِيدِ اهـ (۱). قَالَ الشَّاطِبِيُّ - تَعْلِيقاً عَلَى كَلَامِ الغَزَالِي : هذَا مَا قَالَ يَعْنِي: الغَزَالِيَّ؛ وَهُوَ مُتَّجِهُ بِحَسَبِ النَّظَرِ المَصْلَحِي، وَهُوَ مُلائِمٌ لِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْضُدْهُ نَصُّ عَلَى ثُمَّ سَاقَ الشَّاطِبِيُّ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي هَذَا البَابِ - تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا (٢)، وَقَالَ: وَإِقَامَةِ المُسْتَحِقِّ أَنْ تَقَعَ فِتْنَةٌ وَمَا لَا يَصْلُحُ؛ قَالَ: جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ ووَلَدَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّي لا أَعْلَمُ أَحَداً مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلا تَابَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؛ إِلَّا كَانَتِ الفَيصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ (۱). وَأَيْنَ يَزِيدُ مِنِ ابْنِ عُمَرَ؟ وَلَكِنْ رَأَى بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ التَّسْلِيمَ لأَمْرِ اللَّهِ، فَكَيْفَ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ ؟ فَتَفَهَّمُوهُ وَالزَمُوهُ، تَرْشُدُوا إِنْ شَاءَ الله». القَاعِدَةُ الرابعةُ وَيَأْخُذُ كُلُّ إِمَامٍ مِنْهُمْ فِي قُطْرِهِ حُكْمَ الإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالَي الاخْتِيَارِ وَالاضْطِرَارِ؛ قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْلا هَذَا مَا اسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا؛ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» (۳) : قَوْلُهُ: «عَنِ الطَّاعَةِ» أَيْ: طَاعَةِ الخَلِيفَةِ الَّذِي وَقَعَ الاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ المُرَادَ خَلِيفَةُ أَيِّ قُطْرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ، إِذْ لَمْ يُجْمِعِ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ فِي جَمِيعِ البِلادِ الإِسْلامِيَّةِ مِنْ أَثْنَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، بَلِ اسْتَقَلَّ أَهْلُ كُلِّ إِقْلِيمٍ بِقَائِمِ بِأُمُورِهِمْ، وَقَوْلُهُ: «وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ»؛ أي: خَرَجَ عَنِ الجَمَاعَةِ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى طَاعَةِ إِمام انتَظَمَ بِهِ شَمْلُهُمْ، وَاجْتَمَعَتْ بِهِ كَلِمَتُهُمْ، وَأَمَّا بَعْدَ انتِشَارِ الإِسْلام، وَفِي القُطْرِ الآخَرِ كَذَلِكَ، وَلا يَنْعَقِدُ لِبَعْضِهِمْ أَمْرٌ وَلَا نَهْي فِي قُطْرِ الآخَرِ وَأَقْطَارِهِ الَّتِي رَجَعَتْ إِلَى وِلايَتِهِ. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ القُطْرِ الْآخَرِ. فإِذَا قَامَ مَنْ يُنَازِعُهُ فِي القُطْرِ الَّذِي قَدْ ثَبَتَتْ فِيهِ وِلايَتُهُ، فَإِنَّهُ قَدْ لا يَبْلُغُ إِلَى مَا تَبَاعَدَ مِنْهَا خَبَرُ إِمَامِهَا أَوْ سُلْطَانِهَا، وَلا يُدْرَى مَنْ قَامَ مَنْهُمْ أَوْ مَاتَ، فاعْرِفْ هَذَا؛ وَدَعْ عَنكَ مَا يُقَالُ فِي مُخَالَفَتِهِ، فَإِنَّ الفَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الوِلايَةُ الإِسْلامِيَّةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ وَمَا هِيَ عَلَيْهِ الآن أَوْضَحُ مِنْ شَمْسِ النَّهَارِ. وَمَنْ أَنكَرَ هَذَا؛ فَهُوَ مُبَاهِتٌ لا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُخَاطَبَ بِالحُجَّةِ؛ لأَنَّهُ لا يَعْقِلُهَا» (۱) اهـ. مُعَوَّلُهَا عَلَى الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالقَوَاعِدِ المَرْعِيَّة، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى نَحْوِ هَذَا ثُلَّةٌ مِنَ العُلَمَاءِ المُحَقِّقِينَ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا حَكَاهُ الْأُبَيُّ عَنْهُ : فَلَوْ بَعْدَ مَوْضِعُ الإِمَامِ حَتَّى لا يَنفُذَ حُكْمُهُ فِي بَعْضِ الأَقْطَارِ البَعِيدَةِ؛ وَلِلشَّيْخِ عَلَمِ الدِّينِ مِنْ عُلَمَاءِ العَصْرِ بِالدِّيَارِ المَصْرِيَّةِ : يَجُوزُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ . ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى إِمَامُ الحَرَمَيْنِ عَنِ الأَسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ جَوَّزَ نَصْبَ إِمَامَيْنَ فَأَكْثَرَ إِذا تَبَاعَدَتِ الأَقطَارُ، (λ) وَالفَاطِمِيِّينَ بِمِصْرَ، ۳) وَقَالَ الْمَازَرِيُّ فِي المُعْلِمِ»: العَقْدُ لِإِمَامَينِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ، وَقد أَشَارَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الأَصُولِ إِلَى أَنَّ دِيَارَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا اتَّسَعَت وتباعدت، وَكَانَ بَعْضُ الأَطْرَافِ لا يَصِلُ إِلَيْهِ خَبَرُ الْإِمَامِ وَلَا تَدْبِيرُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسُوعُ لَهُمْ» اهـ. وَعَلَيْهِ؛ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الأُمَّةَ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ - لِمَعْصِيَةٍ مِنْ بَعْضِهَا، وَعَجِرٍ مِنَ البَاقِينَ؛ وَيَسْتَوْفِي الحُقُوقَ . القَاعِدَةُ الخَامِسَةُ فَلَيْسَ دَاخِلاً فِيمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ طَاعَةِ الوُلاةِ. يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «إِنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِطَاعَةِ الأَئِمَّةِ المَوْجُودِينَ المَعْلُومِينَ، الَّذِينَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَقْدِرُونَ بِهِ عَلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ، لَا بِطَاعَةِ مَعْدُومٍ وَلَا مَجْهُولٍ، وَإِقَامَةِ الحُدُودِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِهَا مَعْدُومٌ لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَلَا مَجْهُولٌ لا يُعرف. عُلَمَاؤُهُمْ وَعَوَامُهُمْ، شَبَابُهُمْ وَشِيبُهُمْ ، وَالَّذِي لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْفَاذِ مَقَاصِدِ الإِمَامَةِ، فَإِذَا أَمَرَ بِرَدِّ مَظْلَمَةٍ رُدَّتْ، وَإِذَا حَكَمَ بِحَدٌ أُقِيمَ، وَإِذَا عَزَّرَ نَفَذَ تَعْزِيرُهُ فِي رَعِيَّتِهِ، وَتَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الكَلِمَةُ، وَتُحْفَظُ بِهِ بَيْضَةُ أَهْلِ الإِسْلامِ. فَمَنْ نَزَّلَ نَفْسَهُ مَنزِلَةَ وَلِيِّ الأَمْرِ الَّذِي لَهُ القُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ عَلَى سِيَاسَةِ النَّاسِ، أَوْ أَعْطَتْهُ تِلْكَ الجَمَاعَةُ بَيْعَةً تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لَهُ بِمُوجِبِهَا، أَو دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ يَحْتَكِمُوا إِلَيْهِ فِي رَدّ الحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا تَحْتَ أَيِّ مُسَمًّى كَانَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ مِنَ الجَمَاعَةِ. بَلْ تَحْرُمُ، وَلَا يَنفُذُ لَهُ حُكْمٌ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. مُرَاعَاةُ الشَّارِعِ الحَكِيمِ لِتَوْقِيرِ الأَمَرَاءِ وَاحْتِرَامِهِمْ مِنْ سَبِّهِمْ وَانتِقَاصِهِمْ، خَمْسٌ مَنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - : مَنْ عَادَ مَرِيضاً، أَو خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِياً، أَو قَعَدَ فِي بَيْتِهِ؛ فَسَلِمَ النَّاسُ (۲) مِنْهُ وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ» (٢). وَبِسَنَدِهِ - أَيْضَاً- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الأَرْضِ؛ وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ اللَّهُ (۱). حَيثُ قَالَ فِي كِتَابِهِ الحُجَّةِ فِي بَيَانِ المَحَجَّةِ، وَحَدِيثَ أَبِي ذَرِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الآتِي. بَابُ ذِكْرِ النَّصَيحَةِ للأَمَرَاءِ، وَإِكْرَامِ مَحَلَّهِم، وَتَوْقِيرِ رُتْبَتِهِمْ، وَتَعظِيمِ مَنزِلَتِهِم. اهـ وَمِنَ الطَّرِيقِ الثَّانِي: مَا بَوَّبَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ - أَيْضَاً فِي كِتَابِ السُّنَّةِ»؛ حَيْثُ قَالَ: بَابُ مَا ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ أَمْرِهِ بِإِكْرَامِ السُّلْطَانِ وَزَجْرِهِ عَنْ إِمَانَتِهِ ). ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ - السَّابِقَ: مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ؛ وَبِسَنَدِهِ - أَيْضاً - عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: فَمَنْ أَرَادَ ذُلَّهُ ثَغَرَ فِي الإِسْلَامِ ثَغْرَةً، وَلَيْسَتْ لَهُ تَوْبَةٌ إِلَّا أَنْ يَسُدَّهَا،