كان غريبا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها انسانا كبيرا مثلي لاتعرفه في بساطة و براءة أن يعدل من وضع ماتحمله، وكان ما تحمله معقدا حقا ففوق راسها تستقر صينية بطاطس بالفرن وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض واسع من الصاج مفروش بالفطائر المخبوزة و كان الحوض قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتى أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط ولم تصل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحبرى وأسرعت لإنقاذ الحمل وتلبست سبلا كثيرة وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض و أعدل من وضع الصاج فتميل الصينية ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي ولكنني نجحت أخيرا في تثبيت الحمل وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلى الفرن وكان قريبا حيث تترك الصاج و تعود فتأخذه ولست أدري ما دار في راسها فما كنت أرى لها رأسا وقد حجبه الحمل كل ماحدث انها انتظرت قليلا للتأكد من قبضتها ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلى كلمة صقي ولم احول عينى عنها و هي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات ، ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن . أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق مسمارين رفيعين . وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض ، ثم تنضر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجوها ، وتخطو خطوات ثابتة قليلة وقد تتمايل بعض الشيء ولكنها سرعان ما تستأنف المضي . راقبتها طويلا حتى امتصتني كل دقيقة من حركتها . فقد كنت اتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة . و أخيرا استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم في بطء كحكمة الكبار و استأنفت سيرها على الجانب الأخر وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ، وكادت سرية تدهمني و انا أسرع لإنقاذها . وحين وصلت كان كل شيء على ما يرام والحوض والصينية في اتم اعتدال . اما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج . وجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة من المطاط يتقاذفها أطفال في مثل ، حجمها و اكبر منها وهم يهللون و يصرخون ويضحكون .