فقد انعكس هذا التحول عملياً على الدراسات الأنثروبولوجية والثقافية عامة، ودراسات التعددية الثقافية خاصة. فالأخيرة كانت حتى الحرب العالمية الثانية امتداداً للدراسات الأنثروبولوجية والثقافية، وذلك لأن كلا النوعين من الدراسات يعمد إلى جعل الثقافة بمثابة المحور الرئيسي للاهتمام والتركيز، ليتم من خلاله تحليل وفهم تطور الجماعات وسلوكها وهوياتها ومطالبها، فضلاً على العلاقات في ما بينها، بحيث إن هذا التركيز اشتمل على كل من المستوى الكلي للثقافة ومستواها الجزئي أي الصعيد الداخلي لكل ثقافة، بيد أن ذلك لم يحدث إلا بعد الحرب العالمية الثانية. ففي أعقاب أربعينيات القرن العشرين تهاوى العمل في حقل الثقافة داخل المجتمع الأكاديمي، بحيث اتجه علماء الاجتماع بصورة متزايدة صوب إيلاء التركيز على العامل الثقافي لتفسير عمليات التحديث والدمقرطة السياسية وسلوك الجماعات الإثنية والانحيازات والصراعات بين الدول. لقد شمل ذلك الانخفاض في مستوى الاهتمام بالثقافة الحقل السياسي أيضاً، ولا سيما في مجال العلاقات الإثنية الثقافية، وستختفي تدريجياً بفعل التحديث. ولهذا كانت نتاجات تلك الدراسات المعنية قليلة الأهمية، إلى جانب قلة عدد العاملين في هذا المجال خلال الفترة المحصورة بين الأربعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين ولو أمعنا النظر في طبيعة ذلك التحول النوعي في الدراسات الثقافية منذ أواخر الثمانينيات، فإننا سنكتشف أن الانتقال الذي شهدته هذه الدراسات من وإنما نجم بفعل الدعم الرسمي الذي تلقته ضمن إطار المنافسة الدولية على المصالح، سواء على صعيد الباحثين أو على صعيد تلك المكونات أنفسها. أما دراسات كل من حالة الأمريكيين السود، وحالة أقلية الشيكانو (Chicano) اللاتينية مثلاً، فقد برزتا نتيجة لازدياد وعي الباحثين والدارسين أنفسهم بمكانتهم ضمن المكونات الاجتماعية والسياسية لحركة الحقوق المدنية والحركة المناهضة للحرب خلال عقد الستينيات فإن هذه الدراسات تعد من قبيل المحاولات الرامية إلى فهم الذات وتشخيص الداء بغية تحديد الدواء. أما دراسة الثقافات فهي تهدف إلى فهم الآخر من أجل حكمه والهيمنة على مقدراته. قيام الكونغرس الأمريكي في عام ۱۹۷۲ بإصدار قانون يسمح بإجراء دراسات الموروث الإثني للأقليات. وبموجب ذلك تم توفير التمويل الفدرالي اللازم الحكومات الولايات الأمريكية ورب سائل يسأل: ما الذي حمل دراسات التعددية الثقافية على الذيوع والانتشار بصورة متزايدة منذ أواخر ثمانينيات القرن العشرين؟ وذلك بفعل تفاعلها وامتزاجها بطروحات النسبية الثقافية ونظرية ما بعد الحداثة . فقد نهلت من النسبية الثقافية فكرة النسبية في التعامل مع الثقافات، ووفقاً لمعايير تلك الثقافة بذاتها، لا المعايير الخاصة بثقافة أخرى. إذ لا يمكن تقييمه من قبل الذين لا ينتمون إلى الثقافة نفسها سواء أكانت من الأكثرية أم من الأقلية. ومن ثم، أي التمركز حول الذات الغربية، ويرتكز مبدأها الأساسي على فكرة التحول الاجتماعي، أي بمعنى أن المجتمعات الحديثة كانت ترى من زاوية كونها قد شيدت بواسطة التصنيع والتضامن الطبقي (Class Solidarity)، فهي مجتمعات معلوماتية (Information Societies)، سواء من المنادين بها أو المعارضين لاتجاهاتها، باعتبارها ادعاء ينم عن تكبر وغطرسة المكتسبة وتركيزها على المساواة الثقافية بتأثير نظرية ما بعد الحداثة، بل استقت منها أيضاً فكرة نقد الذات، والشعور القومي للأكثرية، والمواطنة والحقوق الفردية. إذ إن دعاة التعددية الثقافية، مثلاً، على أنه يمثل مشكلة في حد ذاتها. فالمشكلة ليست في وجود الفوارق بل تكمن المشكلة في التعامل مع هذه الفوارق بازدراء، كما ترفض الاعتراف باختلافهم أو تقلل من قيمته، وفقاً لتعبير آدم كوبر (Adam Kuper) المتحدة وأوروبا واليونان القديمة، وتبعاً لذلك، حيث إن الفلسفة الأوروبية الغربية تظهر ذاتها بمظهر العالمية (Universal). فإن نتيجة الاندماج ستعبر بصورة غير مباشرة عن أن الفلسفة الأوروبية الغربية نفسها هي ذات طابع محلي وليست ذات طابع عالمي، شأنها في ذلك شأن الفلسفات الأخرى ومن أبرز دعاة هذا الاتجاه الفلسفي كل من جيمس ستيريا James) فهم . Scott Pratt( وسكوت برات ، أما على الصعيد التربوي، وهي تبني إسهامات الشعوب غير الأوروبية في تاريخ الولايات المتحدة، لكي تعكس تنوع المجتمع الأمريكي وتطور وعي الدارسين وتقديرهم للتأثير الذي مارسته الحضارات غير الأوروبية في الثقافة الأمريكية، ومن ثم يغدو الهدف من هذا التوجه متمثلاً في توسيع نطاق الهوية الأمريكية، وذلك من خلال التسليم بفكرة أن الجماعات المحرومة هي مكونات اجتماعية متممة للكل الأمريكي، وجامعة ستانفورد وبصورة عامة تتراوح المقترحات المقدمة لإجراء هذا التغيير في مناهج التعليم الجامعي تحديداً، إما بإلزام الدارسين بأخذ فصول دراسية في مجالي الدراسة وذلك ، Non-western Study( والدراسة غير الغربية )Women's Study( النسوية باعتبارهما جزءاً من متطلبات نيل الشهادة الجامعية، وإما باستبعاد كل من مادتي التاريخ والثقافة الغربية من المتطلبات الأساسية للمنهاج المقرر وفي ضوء ما تقدم، وذلك في محاولة من دعاة التعددية الثقافية لإحداث تغييرات عميقة في طريقة تفكير المجتمعات الغربية وتعاملها مع الأقليات القومية والإثنية والدينية، ثم تحويل طروحات المساواة الثقافية والنسبية الثقافية والحقوق الجماعية وغيرها إلى فلسفة عامة لهذه المجتمعات لتنعكس محتوياتها الفكرية على صعيد الحياة اليومية، أي بمعنى أن تصبح التعددية الثقافية بذاتها طريقة للحياة والتفكير، وإنما تبلور في مرحلة التراجع والكمون التي دخلتها التعددية الثقافية حتى ثمانينيات القرن العشرين، المجتمعاتية تشمل هذه المرحلة الفترة السابقة لعام ۱۹۸۹ ، حيث اعتقدت القلة القليلة من المنظرين الذين ناقشوا موضوع التعددية الثقافية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين أن هذا الموضوع هو في الجوهر انعكاس للجدل الدائر ما بين الليبراليين والمجتمعاتيين، وقد دار النقاش حول مسألة أولوية الحرية الفردية وأيهما يحظى بالأولوية، وأنها بمثابة انحراف خطير عن الاهتمام القويم بالفرد اعتقد دعاة المجتمعاتية بالمقابل أن التعددية الثقافية هي الطريقة المناسبة الحماية المجتمعات (Communities) من تأثير الاستقلالية الفردية التي تسببت في تفتيت المجتمع وتفكيك أواصره، ومن ثم فهم يشددون على قيمة المجتمع (Community) وأهميته، وتبعاً للمنظور المجتمعاتي، فإن الأقليات الإثنية الثقافية خصوصاً تستحق الحماية لأنها معرضة للخطر، ذلك لأن هذه الأقليات، واستطاعت المحافظة على نمط جماعي متماسك في الحياة ( وقد ازداد فيها الوعي بحقيقة أن نقاش المرحلة الأولى لا يجدي نفعاً في وضع تصور مجد المعظم مطالب التعددية الثقافية في الديمقراطيات الغربية، إذ إن معظم الجماعات الإثنية الثقافية تريد أن تغدو بمثابة شركاء متساوين بصورة كاملة للأكثرية في المجتمعات الليبرالية الحديثة، ويصدق ذلك على الجماعات المهاجرة التي تسعى إلى الانضمام والمشاركة التامة في الثقافات السائدة في تلك المجتمعات، ذلك لأن البعض من أفرادها فحسب لا أغلبيتهم، وتأسيساً على ذلك، فإن النقاش الدائر في هذه المرحلة لم يكن غالباً نقاشاً ما بين الأكثرية الليبرالية والأقليات المجتمعاتية، بل إنه جدال بين الليبراليين أنفسهم حول معنى الليبرالية بعبارة أخرى، بيد أنهم يختلفون على تفسير تلك الأسس الليبرالية في المجتمعات المتعددة الإثنية، ولا سيما بخصوص الدور المناسب للغة والقومية والهويات الإثنية في تلك المجتمعات. ومن ثم، فإن التساؤلات التي دار حولها النقاش في هذه المرحلة متمثلة في الآتي : هل تحتاج الأقليات إلى حقوق الأقلية، فلماذا يريد أعضاؤها نيل هذه الحقوق؟ ولماذا لا يكتفون بالحقوق التقليدية للمواطنة؟ ومن أبرز مفكري هذه المرحلة كل من جوزیف راز (Joseph Raz)، وديفيد ميلر (David Miller)، وجيف سبينر (Jeff Spinner)، سواء في الاستمرار بممارسته في حياتهم الخاصة أو عدم ممارسته، بحيث لا تدخل الثقافة في اهتمامات الدولة ما دام الأفراد يحترمون حقوق بعضهم البعض. أي بمعنى أنها قد دشنت عملية تعزيز لغة مشتركة وإحساس مشترك بالانتماء إلى المؤسسات الاجتماعية القائمة على أساس تلك اللغة، فضلاً على اعتمادها المساواة في الوصول إلى تلك المؤسسات والهدف من كل ذلك هو انشر ثقافة معينة في المجتمع بأسره، وتعزيز هوية قومية معينة قائمة على أساس المشاركة في هذه الثقافة المجتمعية . ونتيجة لذلك، وبناء عليه، ففي هذه المرحلة الثالثة من النقاش الفكري حول التعددية الثقافية أصبح وتأسيساً على ما تقدم، ومنذ مرحلته الأولى، لأن المجتمعاتية هي في الجوهر اتجاه ليبرالي ناقد لليبرالية الفردية التي تمثل الاتجاه المهيمن في الفكر الليبرالي المعاصر، إلا أن ما يميز هذه الاتجاهات الجديدة هو تركيزها على أهمية الجماعات والولاءات الجماعية، فضلاً على نقدها الحاد لليبرالية الفردية وأسسها الفكرية. إضافة إلى ذلك، وذلك من خلال إيلاء الاهتمام بالجماعة واعتبارها صاحبة المقام الأعلى مقارنة بالفرد، لا الفرد وحسب، أما منذ تسعينيات القرن العشرين فيدور الجدال الفكري حول إعادة تقييم مشروع بناء الدولة - الأمة والكيفية التي يجب أن تتعامل بموجبها هذه الدولة مع الأقليات وأساس ذلك هو أن المساواة والحرية على المستوى الفردي لم تعودا كافيتين لإرضاء مطالب الأقليات، ومشروع بناء الدولة – الأمة بصورة عامة. سنجد أن الأمر في جله لا يخرج عن الجدال حول العدالة وكيفية تحقيقها عملياً، بمعنى أن دعاة التعددية الثقافية إنما يحاولون توسيع نطاق العدالة ليشمل المستوى الجماعي أيضاً إلى جانب مستواها الفردي، بخلاف الحال مع أنصار الليبرالية الفردية الذين يفضلون بقاءها محصورة في النطاق الفردي. سواء من حيث مضامينه أو من حيث كيفية تحقيقه، سيكون مدار اهتمامنا في الفصل الثاني. غير أنه من المهم الإشارة هنا إلى كون التركيز على فكرة العدالة في مستواها الجماعي بديلاً من العدالة في مستواها الفردي، وذلك لعدم قدرتها على الانسجام مع التنوع الثقافي الذي تتميز بها المجتمعات الغربية، أليس هناك من سبيل إلى معرفة ماهية العلاقة ما بين التعددية الثقافية والليبرالية ؟ في سياق تبيان طبيعة العلاقة بين التعددية الثقافية والليبرالية، نجد أنهما ترتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً ومعقداً، إذ إن كلتيهما تتقبلان فكرة كوننا نعيش في مجتمع متنوع، وأنه ليس هناك من سبيل واحد ليعيش المرء حياته، فلا توجد هناك من وسائل وآليات لإقناع الآخرين بضرورة انتهاج هذا السبيل في الحياة، ومن ثم، فإن التنوع الثقافي هو في حقيقته تعبير عن التعددية في سبل الحياة، فإن الانتماء والولاء للدولة حينئذ يفهم ببساطة على أنه الرضا أو التقبل لفكرة عدم فرض مفهومنا لـ «الخير» على أما إذا كان المقصود بالتعددية متمثلاً في أنها النتيجة الطبيعية لممارسة الإنسان لحريته، وفي ضوء ذلك، يمكن أن نلاحظ صدقية الفكرة القائلة إن التعددية الثقافية والمجتمعاتية هما من قبيل الاتجاهات الفرعية في الفكر الليبرالي التي تقع تحديداً ضمن إطار الليبرالية الاجتماعية إذ إن الأخيرة موزعة إلى اتجاهين رئيسيين : أي النموذج الشامل، حيث يشدد بوضوح على فكرة المساواة بين المواطنين والحقوق المدنية والسياسية الأساسية. وهو الذي يتعامل مع الجماعات من زاوية كونها متصفة بخاصية الاستمرارية والدوام، وباعتبارها موضوعاً للحقوق الجماعية. ومن ثم، فستبرز عندئذ فكرة التسامح مع التصورات الأخرى عن الخير»، وهو الذي يتقبل فكرة التغيير في حدود الجماعة وسعتها، والانتماءات المتعددة والهويات المركبة، ويقوم جوهر هذا النموذج على أساس الحقوق الفردية ، وهو يمثل المنظور العام لليبرالية. وفي ضوء ذلك، أي النموذج الشامل، أما الاتجاه الثاني، ويعبر عنها كل من بروس أكيرمان (Bruce Ackerman)، وتايلور، وكيملكا، إذ بالرغم من تباين اتجاهاتهم الفكرية، فإنهم يشتركون في تبني المعنى الأول للتعددية، وذلك عبر توسيع نطاق العدالة والمساواة على نحو أكبر مما ينتهجه الاتجاه المهيمن ويمكن توزيع هذه الاتجاهات الفرعية بدورها إلى نوعين من مستويات الالتزام بالتعددية : حيث يُعرف النوع الأول باتجاه التعددية الثقافية الصلبة، وذلك استناداً إلى الثقافة التي تنتمي إليها كل منها بعبارة أخرى أكثر وضوحاً، يعمد أنصار هذا النوع إلى الدفاع عن الحقوق الثقافية للأقليات، مع المحافظة على التزامهم بالليبرالية في الوقت ذاته، وكل تبعاً لا تجاهه الفرعي. أما النوع الثاني، ويدافع عنها أكيرمان. بل إنهم يسعون إلى تحقيق هدف آخر، وعلى نحو ما لاحظناه مسبقاً في حالة الولايات المتحدة، فإن ما يوحد أولئك المفكرين، يمكن القول، إذ إنها تضع الجماعة في مكان الصدارة وفوق مستوى الفرد. ولكن لا تنال كل جماعة مثل هذه المكانة، فذلك يشمل وحسب الجماعة الاجتماعية التي تتميز بطريقة حياة أو تقاليد أو ممارسات ثقافية، وإنما هي نتيجة عوامل لا يد للإنسان فيها. ومن ثم، فإن المجتمع وفقاً لهذا المنظور لا يتألف من الأفراد وحسب، بل يتكون من الجماعات أيضاً، وذلك من خلال توفير فرص التعبير عن الذات الصالح الجماعات المضطهدة ثقافياً على الصعيد الداخلي. أما على الصعيد الخارجي، لذا، وذلك للاعتبار القائل إنه ليس في المستطاع جعل حقوق الأقليات موضوعاً للنقاش دون التساؤل عن سبب كون الأقليات مهمة سياسياً، ومرة أخرى، يعني ذلك أن الأقليات وحقوقها الجماعية تشكل أحد المواضيع الرئيسية في التعددية الثقافية، وقد عمل كيملكا من ناحيته على تصنيف الأقليات ويسميها أيضاً الجماعات Ethnic and Non-ethnic Identity Groups الهوية الإثنية وغير الإثنية على جماعات عدة ومتداخلة مثل السود، أي بسبب تباينهم (Difference). بصورة عامة، أن دعاتها نادراً ما يكونون من الأقليات المضطهدة، المؤسسات التشريعية أو التحدث عن مطالبها نيابة عنها، أي أن دعاتها اليوم، من الخبراء التربويين والمفكرين هم من العصبة المهيمنة داخل نطاق الطبقة المهيمنة، وذلك بهدف احتواء الحراك الاجتماعي المتزايد ومنع تفاقم طابعه السياسي خصوصاً، من خلال الدمج بين فكرتي الحقوق الفردية والحقوق الجماعية في بناء فكري موحد، حتى يتم جعل ذلك الحراك سلساً وسلمياً، وذلك عن اقتناع هذه النخب بأن مثل هذا التغيير الجذري يعني تهديد كيان الدولة – الأمة من قواعده وبعد هذا التوجه المتزايد في أوساط النخب الغربية إلى حد ما تراجعاً فكرياً نحو تبني الطروحات الليبرالية التي سادت في فترة ما بين الحربين العالميتين، أي من خلال التدخل في شؤونها الداخلية، لتعزيز التدابير يتمثل في شدة اغترابهم عن الثقافة الأوروبية – الأمريكية، فغدت الجماعات العرقية والنساء بؤرة نشاط ليبرالي في أواخر القرن العشرين وحقيقة الأمر هي أن هانتنغتون وشميت يركزان على عوامل ثانوية ساهمت في امتداد التعددية الثقافية وبلوغها النخب الحاكمة، مثل عامل الحسابات السياسية، أي شعورهم بعدم الانتماء إلى ثقافاتهم الغربية، فهي في كل حالاتها لا تزيد على كونها محاولات فكرية رامية إلى التعامل مع هذا الواقع من زاوية جديدة. الذي ركز اهتمامه على الوحدة والتطابق، خلافاً لذلك، بإيلاء التركيز على التجانس . قد توصلت إلى إقامة الدولة الحديثة على أساس من الوعي بالتباينات الثقافية بين ولضرورات البقاء واستمرار النمو والتقدم، وهو ما تم التعبير عنه بالدولة -الأمة، وذلك في سبيل تحقيق هدف مركزي هو أن يغدو المركز وأطرافه كلاً متجانساً وموحداً ثقافياً وسياسياً. فتمخضت عن هذه العملية ردود فعل عكسية من لدن تلك الثقافات فضلاً على تأثير الأخيرة في النظم الأخرى التي تتركب منها الحضارة الغربية التي باتت هي الأخرى تعاني الأزمة والتوتر في علاقات نظمها بعضها بالبعض الآخر. رافضة بذلك أيضاً فكرة الاندماج الكلي في ثقافة الأكثرية المهيمنة.