عاد قريبي فضل الله للظهور مرة أخرى، مصابا بجلطة دماغية جديدة، عطلت نصفه الآخر الصحيح، وأثرت على مركز الكلام في رأسه، فكان حديثه مجرد تمتمات تخرج من حلقه بصعوبة وتفهم بصعوبة.كانت هويدا الشاطئ قد خرجت نظيفة ومرتبة من عنابرنا بعد ثلاثة أيام من النقاهة بعد أن اطمأننا إلى ارتفاع نسبة دمها إلى المعدل الطبيعي وعودة الأمور إلى نصابها. وأخبرتني بصوت هامس لا تسمعه النساء البدينات المرافقات حين مررت للتأكد من شفائها، وتوقيع أوراق خروجها، وتتشوق بشدة لإنجاب الأطفال الذينقطعا سيحملون روعة أبيهم. وتزداد حسراتي على تلك التي لم أرها أو أسمع بها قط بعد ذلك. أفرج عنه بناء على التنازل الذي وقعته في بيت الشاويش خضر، وجاء برفقة أخته وزوجها يحمل علبة من حلوى (الكرميل)، ويطلب مساعدتي في العثور له على جراح من زملائي، حتى يزيل ذلك الوشم القبيح من ذراعه، والذي يذكره بحياة السجون القديمة. أنها تبحث له عن عروس من معارفهم، تغض الطرف عن ماضيه غير المحترم، ويفكرون بتزويجه من فتاة قروية بسيطة يحضرونها من قريتهم البعيدة في الشمال. وقد قال زوج سماسم السعيد بسخاء قدرته، ورفضته بشدة في الوقت نفسه، أنه مستعد لإجراء صيانة كاملة للعيادة، تكفيرًا عن خطأ صهره.كانوا يتابعون حمل سماسم عند زميل آخر في وسط المدينة، لكنهم ما زالوا مصرين أن تضع طفلها في المستشفى، وبينت لهم بأن ذلك يسعدني كثيرًا. ويبتسم.آخرین زاروه في السوق، كان مطلقا منذ أربعين عاما، وتعيش زوجته السابقة في الشمال، ومات ابنه الوحيد منذ عدة أعوام، حين غرق في النيل ويعيش وحده في حي ا النور غارقًا وسط سمكه (الجنتلمان)، وشلة أصدقاء من تجار السوق الصغار، وعمال النقل والسائقين. وربما في العالم أجمع، وقد سكن جسده تماما بفعل الشلل وتضاعفت مرات التنفس في صدره، هذا ما حدث. جاءه أحد الأشخاص صباح أمس، يحمل أوراقا صحيحة وموثقة، فاجأه المشتري، وأسرع إلى بيته باحثًا عن أوراق المحل القديمة، ولم يعثر عليها حيث وضعها، ولا يتذكر أنه أعطاها لأحد أسرع إلى المحامي الذي وقع عقد البيع والشراء، فأراه توقيعه وبصمة إصبعه على ورقة تثبت تنازله عن المطعم بكل معداته واسمه ونشاطه التجاري، لصالح شخص اسمه (إدريس علي)، وباعه هذا الأخير للمشترى الجديد، هذا ممكن، واستولى على المال، لا أدري! ويبكي، ولا بد أن مراكزه في الدماغ قد تعبت كذلك، وأحس بالعجز في عدم مقدرتنا إيقاف محتال كبير وثابت الأعصاب كهذا، بلغت به الجرأة أن. يبيع مطعما، وأقرر أن أقيم الدنيا ولا أقعدها. وبالرغم من أنني لم أكن أرتاح شخصيا لفضل الله، واعتبرته وغدًا بلا أخلاق، حين ذهب إلى والدي واسترد ثلاثة الآلاف جنيه التي أخذت منه إلا أنني تعاطفت معه، وقد برك الآن بلا أمل في القيام مرة أخرى،يخطط بمكر، ولا يصل إليه أحد.طلبت إلى رئيس الممرضين أن ينقل قريبي إلى عنبر اكثر احتراما، ويتمتع ببعض الميزات مثل توفر العناية على مدى الأربع وعشرين ساعة، فعثر له بصعوبة، على غرفة نظيفة بها سريران , يحتل أحدهما مريض من إحدى الأسر الكبيرة التي تعمل في ا صياغة الذهب منذ زمن بعيد،أخبرت الضابط المتحري الذي استقبلني بود في مركز الشرطة الكبير بوسط المدينة حين ذهبت بالقصص كلها، أخبرته بنتائج حملتي مع العقيد عمر، العسكري الذي يعمل بالجيش، ولم يكن يعرفه، أخبرته بجهود الشاويش خضر صاحب الشريط العسكري المتأرجح، ومعاونه البيجاوي تولاب وأخفيت قصة الهندي (برد شاندرا) هذه المرة أيضًا، إكراما لوعدي له بأن الموضوع قد انتهى باستعادتي للمولد. حكيت القصة نفسها عن عودة المولّد إلى البيت، وعثور أحد أفراد الأسرة عليه أمام الباب. و اجد نفسي مرغما على تأمل زيه العسكري, و معاولة مقارنته بزي الشاويش خضر: -لعله اسمه الحقيقي، ويحتاج إلى إبراز بطاقة أمام المحامي والموثق بلا شك.-ليس شرطاً. يمكن أن تكون بطاقة مزورة،-للأسف لا نملك إمكانيات كبيرة مثل مقارنة البصمات وعرض الصور على البروجيكتور)، ونعتمد على الشهود والتعرف الشخصي، هل تستطيع تعرفه لو شاهدته؟ ويستطيع ممرضي عز الدين، ومختار الخفيف أيضًا.و .- مختار الخفيف؟كانت زلة لسان، وكنتُ قد أخفيت الدور الذي لعبه الخفيف في سرقة المولد والرجل بدا لي تائبا بالفعل، حتى يكمل نصف دينه كما قالت أخته. وأفكر في مخرج:-لم تقل لي من مختار الخفيف؟-آه. ظننته أحد مجرمينا العريقين.قطعا سيستدعي الضابط كل الذين ذكرتهم للشهادة، ومن بينهم الخفيف، وآمل أن تنتهي القضية ولا يطلب شهادته بعد عودته من سفره المزعوم.في اليوم التالي كنا نقف أنا وعز الدين، والعريس الحلاق الذي بدأ حياته الزوجية بزفة مسروقة، وحاسبه الشاويش خضر بالحبس ثلاثة أيام من دون محاكمة، بعد أن عاد من شهر عسله، وكتابة عبارات الحج المبرور والذنب المغفور على بابه، تمهيدا لبدء نشاطه الجديد في الطب الروحاني، والذي أكد أن بطاقة البائع كانت صحيحة، تم تضفيره بمشقة، ويضم أكثر من عشرين محتالا معروفًا لدى دوائر الشرطة، وبعضهم مفرج عنه قديمًا أو حديثًا.وسط هؤلاء يوجد إدريس علي). أرجوكم دققوا النظر حتى نريحكم من شره.يقول الضابط ويومئ إلينا بعينيه،كنتُ متوترًا وأنا أطالع عيونا إجرامية مختلفة، تتسمر على وجهي لأول مرة في حياتي، وكذلك لاحظت اضطراب عز الدين والعجوز رطل ومرت دقائق دققنا فيها النظر حتى في الأيدي المعروقة والممتلئة والجباه المفلطحة والناتئة والمستقيمة، وعقود الخرز الملون التي كانت تحيط بأعناق عدد . وتشقق الأظافر وآثار الضرب والركل، الذين يعملون بطريقة محتالكم. انظر جيدا يا دكتور. أليس ذلك النحيل المنكوش الشعر، الذي يتلفت بعصبية؟يشير إلى صبي متسخ، منكوش شعر الرأس بالفعل، يرتدي زي جنود الصاعقة المرقع، ويطل من جيبه قلم شبيه بقلم زينب، وأدقق فيه بعنف لأكتشف أنه الصبي الذي حاول سرقة عنزة من عائشة،