مقتضى الحد من التجريم أن الضرورة الا تتوافر دائما للالتجاء إلى التجريم 1 والعقاب من أجل مواجهة الانحراف الاجتماعي، على أن يتناسب هذا التدخل بالقدر 3 الذي يجعله مفيدا في الدفاع عن المجتمع، لذا فقد دعا "بيكاريا" المشرعين إلى إلغاء كل ما هو غير ضروري في المجموعة العقابية، مؤكدا أن العقوبة لا تكون نافعة إلا إذا كانت متناسبة مع الضرر الذي أصاب 4 المجتمع من جراء الجريمة. فسلطة المشرع في الحد من التجريم ليست مطلقة، وعلى الخصوص في مجال جرائم الأعمال، إذ عليه أن يراعي حينما يلجأ إلى هذه الألية في مجال قانون الأعمال بعض الضوابط، التي ترسم حدودا لما يمكن أن يستبعد من مجال التجريم مطلقا، ولما يمكن أن يخرج من مجال التجريم من أفعال مع بقائها في دائرة عدم المشروعية 5 القانونية فالبد على المشرع أن لا ينج ّر وراء مطالب بعض جماعات الضغط، بل يجب أن يكون هدفه في ذلك تحقيق مصلحة المجتمع ككل. وذلك في مواجهة المنافسة غير المشروعة التي تمارسها المشروعات الكبرى، فإذا كانت الضرورة تقتضي ترك هامش من الحرية لرجال الأعمال في إدارة نشاطهم وتنمية استثماراتهم، بما يحقق انتعاش الإقتصاد الوطني، الذين قد يستغلون هامش الحرية لممارسة بعض التصرفات المخلة بالأخلاق العامة وأخلاقيات المهنة، وهنا على المشرع أن يجري موازنة دقيقة لتحديد متى يتدخل بآلة التجريم ومتى يتراجع عن ذلك. وهذا ما يفرض على الدولة تجريم وعقاب بعض التصرفات لصالح الجميع، والمساواة بين الدول الأعضاء من حيث شرالمنافسة، إضافة إلى المبادئ التوجيهية الصادرة عن الأمم المتحدة لتنظيم النشاط 10 الإقتصادي بين الدول وداخل كل دولة. وبالتالي فالمشرع يتقيد في تجريمه للفعل أو إلغاء تجريمه بأحكام الإتفاقيات المصادق عليها من قبل أجهزة الدولة، كما هو الشأن بالجزائر، إذ تقضي المادة 132 من دستور 1996 بأن المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية تعد أسمى من القانون الداخلي، وبلغ تأثيرها جميع عناصر السياسة الجزائية، ج- الضوابط الأخلاقية:وتفرض هذه الضوابط على المشرع عدم المساس بصور التجريم التقليدي، إذ إن العقوبة الجزائية تظل مطلوبة في هذا المجال لحماية الأفراد في ذواتهم وأموالهم وحرياتهم، بل يجب المطالبة بتطويره وتدعيمه لتحقيق مصلحة الجميع المالية والتجارية؛ أما الجرائم الماسة بالأخلاق فيفترض أن تبقى بمنأى عن سياسة الحد من التجريم. وذلك لحماية المستهلك من الغش والتدليس والتصرفات العدوانية أو المستفزة، كما أنها تخل بثقة المستهلكين فيما يقدم إليهم من سلع وخدمات، وهو ما 14 قد يعود بالضرر في نهاية الأمر على الإقتصاد الوطني. ثانيا: رسم خطة الحد من التجريم. وهو وذلك 15 ما حاولت اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم التعرض إليه من خلال تقريرها، بتقديم بعض الإقتراحات إلى الدول، من أجل التنسيق فيما بينها واتخاذ بعض الإجراءات التي تراها ضرورية لإزالة العقبات في طريق تبني سياسة الحد من التجريم وفي هذا الصدد أوصت اللجنة الأوربية لمشاكل التجريم بضرورة إقامة نوع من التعاون والتشاور الدوليين، وبين وغلق الباب 17 الدول التي لم تنتهج هذه السياسة، أمام المنحرفين لكي لا يستغلوا هذه الثغرات في تنفيذ مخططاتهم، لكن يتعذر الوصول إلى سياسة جزائية موحدة بصدد الحد من التجريم، وذلك لإختلاف القيم والظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية من دولة إلى وهو ما يعكس خصوصية كل مجتمع، فما يعد مصلحة جديرة بالحماية في 18 أخرى، مجتمع ما قد لا يعتبر كذلك في مجتمع آخر، إلا أن هذه الخصوصية في الحقيقة تأثرت كثيرابالعولمة الثقافية بمختلف وسائلها وأساليبها، وهو ما انعكس على معيار تقدير المصالح الجديرة بالحماية، تبعا لتغير القيم 19 داخل المجتمع. ومن جهة أخرى تعمل الشركات متعددة الجنسيات بصورة مباشرة أحيانا، وإجبارها على تعديل منظومتها التشريعية، أو وهو ما يعود في الحقيقة 20 كشرط للحصول على بعض المساعدات والقروض المالية، ورفع الدعم عن المنتوج المحلي. وقد يتعدى الأمر إلى فرض سياسة الحد من التجريم، بإدخال تعديلات على بعض النصوص التجريمية، وبدل أن تقرر حماية 21 المصلحة العامة للمجتمع، تقرر حماية مصالح الشركات متعددة الجنسيات لحماية قيم المجتمع، التي تحاول الإنحراف عن قيم المجتمع خدمة لمصالحها الشخصية تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان وتحقيق المكاسب الإقتصادية. وتنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية، ثم الذوا بالفرار إلى دولة أخرى ألغت تجريم هذه الأفعال. كما أن هذا التعاون سيضمن للدولة التي انتهجت سياسة الحد من تجريم سلوك ما عدم استغلال مزايا ذلك من قِبل رعايا الدول التي لم تنتهج نفس السياسة، 23 وبالتالي تفادي إشكال تفاقم معدل السلوك الذي انحسر عنه التجريم، وما ينجر عن ذلك من آثار سلبية على المصالح الجديرة بالحماية، إذ البد من التصدي لها بطرق أكثر ًء كانت قانونية كنظام القانون المدني أو فاعلية، وبوسائل اجتماعية أخرى، سوا فاألمر ال يتعلق 24 القانون اإلداري، أو غير قانونية كالنظام التربوي أو التهذيبي، بإباحة السلوك من الناحية القانونية، لكنه يهدف إلى تطويع رد الفعل االجتماعي إزاء 25 سلوك يظل غير مشروع قانونا وبلوغ هذا الهدف يكون باتباع ما 26 يلي: أ-التأهيل الإجتماعي والتربوي والأخلاقي، وخلق بيئة اجتماعية نزيهة تساهم على المدى البعيد في تكريس أعراف وتقاليد اجتماعية كفيلة بإحداث رد فعل اجتماعي ضد مظاهر السلوك المنحرف، بما يش ّك اعي الذي ِل آلية فعالة للضبط الأجتم يساهم في الحد من معدل ارتكاب هذا السلوك. فيجب على الدولة أن تعمل على حل المشكلات الإجتماعية عن طريق معالجة أسبابها، بواسطة إصالاح النظام التربوي والثقافي في المجتمع، وتقوية وسائل الإتصال الإعلامي بين الجماهير وضمان فعاليتها، ولضمان تكيف أفراده مع تعاليمه، 27 لمواجهة صور الإنحراف، ولكون الضبط الإجتماعي بالمفهوم السابق ال ينشأ جملة واحدة، فإنه البد أن يتم انحسار التجريم عن سلوك معين بشكل متد ّرج، وبالموازاة مع تطور هذه الوسائل البديلة للنظام الجزائي، 28 حتى تكتمل قدرتها على تحقيق الضبط أو الوقاية من الجريمة وال يقصد بهذا التحليل إقرار الحد من التجريم عن الأفعال المخلة بالقيم الدينية والأخلاقية، نظرا لمخالفتها للفطر السليمة، لا أن تساير أهواء الأكثرية أو بعض الأقليات ذات النفوذ السياسي أو المالي. فالبد من التركيز والتأكيد على ضرورة تحديد نطاق الحد من التجريم في إطار الجرائم التنظيمية، التي ال تمس بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع بأي حال من الأحوال. ب- تطوير آليات أو تقنيات الوقاية من الجريمة، وذلك ليس على مستوى أجهزة الدولة أو ما يعرف بالضبط الإداري فحسب، وإنما يتعدى الأمر إلى إسهام الفرد كمجني عليه محتمل في هذه الوقاية، وذلك بتفعيل وتطوير الدراسات المتعلقة بعلم المجني عليه وإسهامه في الظاهرة الإجرامية، أو التصرفات التي يمكن أن تس ّهل أو تح ّرض على وقوع الجريمة في حقه، ومن الأليات الوقائية إجبار الشخص على أداء واجبات معينة مدنيا أو إداريا، يكون الهدف منها تفادي وقوع المخالفة القانونية، وتتمثل صورتها الغالبة في فرض مجموعة من قواعد السلوك على الأفراد أو المؤسسات، 30 داخلي للمؤسسة، وقد تتم الوقاية عن طريق تطوير تقنيات الرقابة والإنذار، وذلك باستخدام الوسائل التقنية الحديثة،