تقتضي التخلي عن الزواج، الذي قد يُحمل قلب المرأة تضحيةً كبرى، يُفسح في المجال لاختيار نوعٍ آخر من الأمومة، وهو الأمومة "بالروح" (رومانيين 8 : 4) والبتولية في الواقع لا تجرد المرأة من مزاياها الخاصة. وللأنظمة الخاصة المعمول بها في مختلف الجمعيات ذات الطابع الرسولي، يمكن أن تتجلى الأمومة الروحية في العناية بالبشر، لا سيما بالأكثر حرماناً منهم، كالمرضى والمعاقين والمهملين والأيتام والعجزة والأطفال والشباب والمسجونين، العائشين على هامش المجتمع. فالمرأة المكرسة تلتقي هكذا العريس الإلهي الوحيد على اختلاف صوره، طبقاً لما قاله هو نفسه: "كلما صنعتم شيئاً من ذلك لواحدٍ من إخوتي هؤلاء الصغار، فلي قد صنعتموه" (متى 25 : 40). إن الحب الزوجي ينطوي على استعداد فريدٍ للاهتمام بأولئك الذين يوجدون في حقل نشاطه. على حب الوالدين لأولادهما. فإن هذا الاستعداد يطال جميع الناس، لأنهم جميعاً موضوع حب المسيح العريس. مستعدٌ للانفتاح على جميع الناس وعلى كل فردٍ منهم. وهذا يتحقق في الجمعيات الرهبانية الملتزمة بالعمل الرسولي، كما يتحقق بطريقةٍ أخرى في الرهبانيات المتفرغة للتأمل والتصوف وتلك الملتزمة بالحصن الرهباني. فإنّ الدعوة إلى البتولية لأجل الملكوت، المؤسسّات الدينيّة ذات الطابع العلمانيّ، والجماعات التي تضمّ أناساً مكرّسين، والتي تنشأ في حضن حركات رسوليّة وجمعياتٍ ورابطات. إنّ الطبيعة الحقيقيّة للأمومة الروحيّة، لدى أشخاصٍ إلتزموا بالبتولية في حياتهم، فإنّ المقصود هنا ليس فقط المكرّسين الذين يعيشون عيشةً مشتركة، بل أيضاً أولئك الذين لم يلتزموا بالعيش المشترك. إنّ البتوليّة بوصفها دعوةً للمرأة، هناك تشابه نوعيّ بين بتولية المرأة العزباء ، وهذا التشابه قائم ليس فقط بين الأمومة والبتولية، بل هو قائم أيضاً بين البتولية والزواج، لأنّ الزواج وجهٌ من أوجه دعوة المرأة، تصبح بموجبه أمّا للأولاد المولودين منها. ونقطة الانطلاق في هذه المقارنة الأخيرة، فالمرأة فعلاً مزوّجةٌ، سواءٌ اقترنت بسرّ الزواج، أو اقترنت بالمسيح روحياً، ينطوي الزواج على "هبة العروس ذاتها للعريس، يمكن القول بأنّ مضمون الزواج يتحقق روحيّاً في البتولية. يجب أن تكون أيضاً روحيّة، التي تقوم على وحدة الجسد والروح. فهناك إذن بواعث عديدة تدفعنا إلى الاعتقاد بأنّ بين هذين الطريقين المختلفين – أي هاتين الدعوتين اللتين تُوجّهان حياة المرأة – تكاملاً عميقاً، أنتم الذين أتمخّض بهم في الألم" لفهمها. في الواقع، مساواةٌ تامّة بين المرأة والرجل بالنسبة إلى أهليّتهما للمشاركة في مواهب الروح القدس، و"عجائب الله" (أعمال 2 : 11). بولس الرسول، يشعر أمام "عجائب الله" بالحاجة إلى الاستعانة بما هو أنثويّ بالطبيعة، وهذا ما فعله بولس الطرسوسي، عندما توجه إلى الغلاطيين قائلاً: "يا أولادي، أنتم الذين أتمخّض بهم" (غلاطية 4 : 19). وفي رسالته الأولى إلى الكورنثيين، المستمدّة من روح كلمات المسيح، الواردة في إنجيل متّى (متى 19 : 10 – 12) والتي لا تنال قطعيّاً من أهمية الأمومة الطبيعية الروحية. لتوضيح رسالة الكنيسة الأساسية. وإنّا لنجد صدى هذه المقارنة – وهذه الحقيقة – في "الدستور العقائدي في الكنيسة: "إنّ مريم هي مثال الكنيسة" (43). أمّا وعذراء. بطريقة ساميةٍ وفريدة. وتقتدي بمحبتّها، تصبح بدورها أمّاً، لحياةٍ جديدة ودائمة، أبناءً حُبل بهم من الروح القدس، "ومن الله ولدوا" (45). كما سبق القول، وغير مشوب (46). "وإنّ الكنيسة، بقوّة الروح القدس، لا تشوب شائبةٌ نقاءها العذريّ". وقد أكّد المجمع أنه ليس في الاستطاعة فهم سرّ الكنيسة وحقيقتها وحيويّتها الأساسية، بدون الاستعانة بأمّ الله. وإنّا لنجد هنا إشارةً غير مباشرة إلى المثال الكتابيّ للمرأة، ومروراً بالخطيئة وانتهاءً بالفداء. وهكذا تتحقق الوحدة العميقة، في ما يتعلّق بالإنسان، بطريق القياس، في تدبير الله الخلاصي: فإذا شئنا أن نفهم هذا التدبير فهماً كاملاً،