العولمة بين الإسلام والمسلمين ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) (الروم:22). قال الله تعـالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (الحجرات:13). فليس في الإسلام اختلاف في المعاملة بسبب اختلاف اللون، ليكون العدل هـو السائد. فهو الشريعة لعامة الناس: أي طلب منكم عمارتها: ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ) (الملك:15)، وقوله: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) (الأعراف:56). طالبة منه التنقل في أرجاء الأرض للاستثمار ولغيره، طالبة منه التعاون مع الآخرين، مع استخدام أسلوب الحوار في تشكيل القناعة: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هـي أحسن ) (النحل:125). وبناء على ما تقدم يمكن القول: بأن الإسلام له رؤيته الخاصة للعالمية، وبذلك ينفصل عن إشكالية العولمة -فهو بعكس النظام الغربي- وبذا يتعزز المستقبل في العالم الحديث لصالح مبادئ الإسلام، وقصور العقائد الدينية الأخرى عن تدارك أحوال المعاش وتدبير الحلول للجماعات الإنسانية ومشكلات الاجتماع والاقتصاد وما يتفرع عنها من مشكلات الأخلاق والآداب . [2] ومن هـنا لا يكون غريبا أن نجد المؤرخ الكبير « توينبي » يقرر بأن المسار الإنساني نحو العالمية سيحتاج إلى عطاء الإسلام في القضاء على العرقية بجميع تفرعاتها، سنون » بأن مفتاح المستقبل رهن بمعرفة كيفية مجابهة العولمة، أو يتعين على كل ثقافة على حدة أن تجد نقط ارتكاز لتحركها. فالإسلام بما يمتلك من معرفة الوحي ساهم على مر تاريخه في إذكاء جذوة الفكر العقلاني والعلمي وضبط أهدافه، [ ص: 167 ] فلقد صدرت صيحات تحذيرية للحضارة الغربية لا من أقوال رجال الدين، فنجد « روبرت ميلكان » العالم الطبيعي الأمريكي يقول: «إن أهم أمر في الحياة هـو الإيمان بحقيقة المعنويات وقيمة الأخلاق، لقد كان زوال هـذا الإيمان سببا للحرب العامة، كما يقول الدكتور ويلسون ، أحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين: «وخلاصة المسألة أن حضارتنا إن لم تنقذ بالمعنويات، فلن تستطيع المثابرة على البقاء بماديتها، وكل فرد خائف من الله محب لبلده» . [3] التي يتخوف العالم [ ص: 168 ] -خاصة الدولة النامية - من الشرور المصاحبة لتلك الهيمنة المصاحبة للعولمة. تؤيد حاجة البشرية إلى الإسلام، لأنه يشكل سفينة النجاة. أما علاقة المسلمين بالعولمة، والذي أخذ أشكالا متعددة تتراوح من التبادل الثقافي إلى الحروب الصليبية، فالعولمة لدى المسلمين، ومن ثم التعامل معها، وبالتـالي فإن النظرة للعولـمة هـي امتداد للبحث عن كيفيـة التعامل مع الغـرب من خلال تأكيد الهوية الإسـلامـية، إلا أن ذلك يجـب أن لا يحول دون النظر للعولـمة من خلال معايـير موضوعية وصحـيحة حتى نتمكن من أن نعرف وننـكر بعيـدا عن الأحكـام العـامة والعـامـية، فمعظم الفكر الإسلامي الحديث -لولا خشية المبالغة- حوار وصـراع مع الغـرب. إذ دارت الأسئلة منذ الاحتكاك بالغرب: [ ص: 169 ] «عما يجب عليهم وعما يمكنهم أن يأخذوه عن الغرب لإحياء مجتمعهم. كما يتساءلون بأي معنى يظلون مسلمين، وقد حاول الفكر الإسلامي الحديث إثبات قضيتين: شمولية الإسلام وإنسانيته المتفردة، مقابل التأكيد على أزمة الحضارة الغربية بسبب الإفراط في المادية والبعد عن الأخلاق والقيم، وفي هـذا يقول الحق تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (الأنبياء:107) [5] ويلاحظ أنه قبل انتشار العولمة كمفهوم أو ممارسات، ومن أهمها: - الاتهام القائل بقسوة وهمجية أحكام الإسلام متمثلة في الحدود. وحقوق الإنسان، وهذا ما حدا بأحد الإسلاميين إلى أن يطلب بأن نتحدث عن الآخر بلغة إنسانية عامة، من خلال لغته . [7] [ ص: 172 ] فليسوا الآن في موقف المبادرة، فإن الـحفاظ عليها مطلب تنموي وحـيـاتي، إن نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين، وعلاقته بالمجتمع والكون، فكلما افتقدت الخصوصية، لا تقبل التبادل والتنوع، فالإنسان في المفهوم الديني الإسلامي لا يعد كائنا سلبيا [ ص: 173 ] صنميا، فالهوية ليست جمودا ولا تحجرا، بل على العكس من ذلك هـي نظرة فاعلية مع الذات والإنسان والكون الذي أمرنا بإعمال النظر فيه، [8] باستحالة العـزلةـ، وإنـما بكيفية التعـامل من خلال القيم الإسـلامية واعتـبار ذلك فرصة إيجابية، ففسحة الفراغ التي كانت تفصل بين حضارة وأخرى أصبحت في شبه العدم، نتيجة لتدفق المعلومات السريع الذي اختزل الزمن عبر وسائل الاتصال الحديث، وتكنولوجيا المعلومات ، حتى بدا بعضهم يتحدث عن غياب الفوارق بين الشعوب. وساهمت في عملية التكوين السريع للمراكز الـحضريـة وتوسـعة النشـاط التـجـاري، وتحول مؤسساتها نحو الديمقراطية . كما يستعرض الدكتور نبيل علي في كتابه الموسوم بـ «العرب وعصر المعلومات» أمثلة عديدة للتأثير بين التكنولوجيا والثقافة العامة للمجتمع، وهو ليس أثرا سطحيا كما يذهب بعضهم، وبقدر احتياجنا لاستيراد تلك المنتوجات، وقد لا يتم ذلك برغبتنا ولكنه واقع الانفتاح والتطور، الذي حول عملية الاستيراد إلى أحد أهم شئون الحياة المعاصرة. المتمكن من زمام التقدم العلمي والصناعي، هـنا ستكون العولمة هـي الظاهرة المتسيدة وليست [ ص: 175 ] العالـميـة، وثمة فوارق واسعة بين كلا الـمفهومين. وإلغاء النماذج، تتقـدم العالـمية لتقريـب العالم، ويتفاعل كل عالم من العوالم إيجابيا في رسم اللوحة العالـمية. فنحن أمام محاولات تغريب وهيمنة، وتعميم الهوية الثقافية، والعمل على دعم أدوات التفاعل مع الحضارات الأخرى، إلى فاعلية الإرسال والاستقبال، فاحترام الخصوصية الثقافية لكل أمة، اجتماعيا وتربويا وسياسيا، وفي نفس الوقت يتميز بسيادة نزعة التجديد المستمر في جميع مظاهر الحياة. عبر تخطيط طويل يمتد لسنوات وعمل مضن، أو مشروع اختراق ثقافي ينتهي بالسيطرة على المسلمين؟ ويرى بعضهم في أمريكا أنه لا بد من وجود عدو خـارجي تتوجه له السياسة الخارجية، باعتبار الفكرة مجرد وهم يغذيه -للمفارقة- الطرفان، فالمسلمون كما يقول ريجيه دوبريه ، إذ قابل هـذا الوهم الغربي فكرة وجود مؤامرة غربية وتوهم عدو هـو الغرب أو دول الاستكبار، وجرى تضخيم لخطر غربي (أحيانا صليبي مسيحي) على الإسلام، ويستخدم كأنه المقابل الموضوعي لفكرة الخطر الأخضر أو الإسلامي. فحقيقة الصراع بين الغرب (وهذا مصطلح بدوره غير دقيق لعدم وجود غرب واحد موحد) من جهة، ليس صراعا ثقافيا أو دينيا، هـذا إذا جردنا السياسي عن الثقافي والديني، بل هـو إضافة لذلك صراع سياسي تحكمه المصالح في كثير من الأحيان. وعلى سبيل المثال، بخصوص هـذا الأمر. وهو سلاح [ ص: 178 ] يمكن أن يستخدم ضد المسلمين والإسلام. فهناك فرق بين أن نقول: إن دولا إسلامية تنتهك حقوق الإنسان، وأن نقول: إن الإسلام ينتهك حقوق الإنسان! مثل هـذا التفريق ضروري بين المسلمين أنفسهم قبل أن يكون بين الغربيين وغير المسلمين. ويتعامل الكثير من المسلمين في أغلب الأحوال مع العولمة بطريقة تقوم على إمكانية الاستفادة من نتائج العولمة المادية، مع رفض منظومة القيم، ولكن في الوقت نفسه يكرر بعضهم إمكانية أن ينحل المجتمع أخلاقيا ويتطور سياسيا. وهذه نقطة دقيقة تحتاج إلى مزيد من التعميق أكثر من مجرد ترديد الشعارات والاتهامات، إذ يصعب أن يقسم الإنسان بهذه الطريقة التعسفية إلى مادة وروح، كل هـذه قيم روحية لا بد من توافرها في العالم أو المخترع. تعي العولمة كظاهرة شاملة، والتعامل معها ككل، بل إلى مناعة فكرية وعقلية وعلمية، وهنا يسعفنا مفهوم مالك بن نبي الثاقب وهو القابلية للاستعمار Colonisabilite لنستخدم مفهوم القابلية للعولمة [12] ، إذ أن العامل الذاتي هـو الحاسم دائما مهما كانت قوة العوامل الخارجية، أن يحتفظ من خلال علاقته بالمسيطر بما هـو عالمي . ومن هـنا يرى الباحـث حيدر إبراهيم [14] أن الانتقـائيـة قد أضـرت بتفاعل المسلمين إيجابيا وبندية مع عمليات العولمة، بل زادته الانتقائية تبعية وتقبلا، [ ص: 180 ] أي تعليم كميات، من الحقائق والوقائع بدلا من التشديد على الإبداع الذي لا يمكنه أن يتحقق من دون أن يحدث، على أي حال، قلقا في النفوس ونوعا من المغامرة الثقافية» [15] ولا تخفي بعض كتابات التيار الإسلامي قلقها العميق حيال الثقافة الإسلامية في مواجهة الواقع العالمي الراهن بمتغيراته المتتالية السريعة. فبينما أكدت فئة غير قليلة منهم على ضرورة مقاطعة العلوم والمعارف والفلسفات الغربية، والتفكير في مستقبل الدين، إلا أن التراث باعتقادنا [ ص: 181 ] وباعتقاد كثير من الباحثين [16] ، وقيمة هـذه الرموز والاجتهادات هـي في مدى قدرتها على الحركة، ومتى توقـفت عن الـحركة فإنها لا تعـني شيـئا. إن قيـمة التـراث فيما يبطنـه من مقدرة على أن يكون معبرا لصناعة مستـقبل أفضل، ولعل أفضل مثال يتحرك أمامنا هـو اليابان . فاليابان رغم عمق الجرح الذي أصابها استطاعت وباستنادها إلى تراثها أن تنطلق نحو الأمام، قد لا تكون التجربة اليابانية مثالا للاقتداء في نظر بعضهم، وثقافتنا الإسلامية وعبر تاريخها المديد أثبتت أنها ثقافة حوار وتواصل، لقد استطاع الدين الإسلامي بأفقه العلمي أن يؤسس قنوات لتفاعل إيجابي مع مجتمعات متنوعة،