وكان من نتائج ازدهار الصناعة في المدن نزوح عدد كبير من الريف إليها وغالباً ما كان يجتمع أرباب كل حرفة في منطقة محددة داخل هذه المدن حيث شجعت الدولة المواطنين للقيام بالإنتاج الخاص، بل أقيمت بعض المصانع الصغيرة في القرى وفي بعض المنازل الخاصة حيث استخدم الأهالي فيها أيد عاملة وكان من أسباب ارتفاع مستوى جودة المنتجات الصناعات المصرية إبان هذا العصر هو وجود مصادر المادة الخام وكفايتها ووفرتها، والبعض الآخر عملوا فى المعابد والكنائس والأديرة بعد الاعتراف بها، أو لدى الدولة في المنشآت العامة وعند أصحاب الضياع الواسعة وعند الأفراد العاديين. ونلاحظ أن الحرفيين والصناع قد انتظموا في اتحادات متخصصة تسمى روابط الحرف ولقد تميزت مصر عن باقي ولايات الإمبراطورية الرومانية في مجال الصناعة أو العمل المهني بعدم اعتمادها بشكل أساسي على العبيد، وإنما كان معظم عمال المصانع من الأحرار ولكن في المصانع الخاصة أو الورش أي أن الصناعة كانت تعتمد على الأحرار والعبيد على حد سواء وهو ما توضحه عقود التدريب والتعليم الحرفي بينما كان التدريب المهني الخاص بمهن العمل العام كالطب فإنها كانت للأحرار فقط كما أن التعليم الحرفي قد شمل النساء أيضاً وغالباً ما كانت شروط عقود التدريب لا تختلف كثيرا بين الرجال والنساء ، وكان التعليم المهني يتم علي يد معلم أو على يد صانع ماهر للحرفة ( أسطى)، وقد كان التدريب الحرفي يشمل معظم مناطق مصر الريفية وعواصم الأقاليم بينما كان التعليم المهني في المدن لاسيما الإسكندرية وكان تدريب العمال على الحرف التي تتطلب مهارة إلى حد كبير وراثيا، ومن خلال ذلك نجد كثيرا من العقود ما بين مالك عبد ومعلمين لتعليم عبيد مثلما نجد أحد أثرياء الإسكندرية وهو يمتلك سنة عبيد ويقوم بتعليمهم وتدريبهم واحداً على الإختزال أو الأعمال الكتابية واثنين على النسيج وطاه وحلاق ومرمم عقود التدريب كانت تشمل ما إذا كان المتدرب حرا أم عبداً يتعهد المعلم بتعليم المتدرب كل فنون الصنعة التي يعرفها حتى يكون مثله يتعهد ولى أمر المتدرب ( الأب أو الأم ( أو صاحب العبد بعدم أخذه أثناء التدريب بينما يتعهد المعلم أن يسمح له بعدم العمل في الإجازات أو الأعياد وجود شرط جزائى لمن يخالف التعاقد. ربما وجدنا مبلغا يتم دفعه مقدماً من المعلم وذلك لمن أتم التدريب وأصبح صانعا بينما اختلفت العقود في الآتي: مدة التدريب : حيث كانت تختلف لعوامل كثيرة أهمها ذكاء المتدرب وعمره وقدرته على استيعاب أصول الحرفة وأيضاً مهارة المعلم. الأجر : حيث اختلف الأجر من حرفة لأخرى، كما أن المتدرب بالتدريب المستمر يصبح بعد فترة على قدر من المعرفة ببعض أصول الحرفة الأمر الذي يجعل الأسطى يستعين به ويعهد له ببعض الأعمال الحرفية ويعطيه مكافأة تشجيعية الإجازة من العمل حيث كانت تذكر جملة إجازة من العمل في أيام الأعياد وربما لأنه مفهوم ضمنيا ما هي أيام الأعياد ونجد أن هناك نوعا آخر من التعليم الحرفي وهو التعليم العالى المهني في مصر منذ العصر اليوناني حتى دخول العرب لمصر يجب أن يحصل فيه المتعلم على قدر كبير من التعليم النظري والعملي مثل مهنة الطب، وكانت الإسكندرية منذ العصر البطلمي هي أهم المراكز التعليمية في مصر حيث كان الطلاب القادرون يسافرون من كل مكان في مصر ليتعلموا الطب على أيدي أشهر الأطباء آنذاك حتى ذاعت شهرة مصر الطبية وبخاصة الإسكندرية. ومن وثيقة تعود للقرن الرابع الميلادي نجد أحد الأطباء يصطحب 2-6) أماكن مزاولة المهنة كان أصحاب الحرف الصناعية يملكون الورش والمصانع الحرفية حيث يسكن بها الحرفيون وعائلاتهم، ورجالات الكنيسة والأديرة يشرفون وكان يقوم باستئجارها حرفيون أو مزارعون في الضياع، وتكشف لنا عقود الإيجار تبايت فترات الإيجار، فأحيانا كانت محددة المدة وأحيانا غير محددة المدة، إذ وضعت الدولة سياسة أن يبقى طوائف السكان في مواطنهم القانونية الخاصة وألا ينتقلوا منها إلا بإذن من السلطات أو إخطارها بانتقالهم من موطنهم الى موطن آخر وهكذا، فقد كان يحق للحرفيين الانتقال من مواطنهم القانونية الى أماكن أخرى ولكن بعد إخطار السلطات. وثانيها يختص بالتدريب والتعلم وفي نفس الوقت العمل من خلالها، والقسم الأول من العقود هو الأكثر شيوعا وعدد وعلى الرغم من تعدد بنودها وشروطها إلا أنها تتشابه في أن المتدرب لا يحصل في الواقع على أجر بل يتحمل تكاليف تعليمه وتدريبه، ولكن القسم الثاني من العقود على الرغم من أنه يبدأ بالتدريب ولكن يتسلم المتدرب أجرا متدرجا في الزيادة طبقا لما يحققه المتدرب من حذق واتقان لحرفته المدرب عليها، هذا فضلا عن الكساء والغذاء عموما يصل المتدرب في هذا القسم من العقود في نهاية مدة تعليمه وتدريبه الى مرتبة الحرفي المتعاقد وبعد اكتمال تعليمه وتدريبه إما أنه يستمر مع معلمه أو ينفصل عنه. 36) إتحادات وروابط الحرف والاتحاد أو الرابطة لا تعنى نقابة لوجود اختلافات في الوظيفة بينهما، وقد فضلت الدولة التعامل الإدارى والاقتصادى مع تجمعات وهيئات متضامنة في كل مناحي الحياة فحكام المجالس البلدية شكلوا اتحادا أو رابطة أو هيئة يتضامن أعضاؤها فأداء الأعمال المسندة اليهم. ويمكن تقسيم الاتحادات الحرفية الى قسمين: -1- الاتحادات التابعة للدولة وكانت تخضع بصورة مباشرة وكاملة للدولة ومنها الاتحادات المسئولة عن تموين العواصم واتحادات الورش التابعة للدولة، وتعرف منها عنصر الإرغام وربط العامل بحرفته وتوارث المهنة الإجباري لمدة زمنية محددة ومتباينة ومبدأ المسئولية الجماعية، ولعل السبب في هذا الإرغام هو ما مرت به الامبراطورية الرومانية من ظروف صعبة ابتداء من القرن الثالث الى الخامس الميلادي رئيس الاتحاد : وكانت مهامه داخل الرابطة هي توجيه الدعوة لحضور الاجتماع الشهري، أما مهامه مع الأطراف الخارجية هي اتخاذ الاجراءات اللازمة بغرض الحصول على ترخيص بإنشاء الاتحاد الإلتزام بتقديم تقرير مفصل عن عدد أعضاء الاتحاد وأسمائهم مع التعهد بعدم تدريب غرباء يمارسون حرفة الاتحاد حال وجودهم وعن الاعضاء الفارين عن هروبهم وعودتهم الإلتزام بإخطار الادارة بما لدى الاتحاد من مخزون سلعى وكميته، وإخطار الجهات المالية المسئولة عمن يتوفى من أعضاء الاتحاد مع بيان الضرائب المستحقة علي الوفاء بالإلتزامات الاستثنائية مثل مبلغ من المال لصالح خزانة المديرية، وكذلك تنفيذ مطالب الادارة العاجلة بإمداد الجيش بحاجته من النسيج إبان الخروج للحرب القيام بتقديم طلب الى الحكومة لإعفاء أعضاء الاتحاد من بعض الإلتزامات المفروضة في حالة عجزهم عن الوفاء بالتزاماتهم المتعددة نحو الادارة اداء التكليفات والمهام التى كان الحكام البلديون يكلفونه بها مثل تكليفهم لرئيس اتحاد النجارين في أوكسير نخوس لكتابة تقرير عن شجرة لبخ لتحديد جواز قطعها أم لا، الالتزام بأن تكون المكاتبات الصادرة عن الاتحاد صادرة منه، سكرتير الاتحاد وهذا كان للعبادات الوثنية لكن بعد انتشار المسيحية لم يعد له ضرورة حيث أن الكنيسة أصبحت حجر الزاوية في نشاط المواطنين من حرفيين وغير حرفيين.