فأنا لم أتذوّق الطعام منذ ثلاثة أيام. المحامي في بطرسبرغ , وإلى عينيه العَكرتين وإلى البقع الحمراء التي تنتشر على خديه وتراءى له بأنه سبق أن شاهد ذلك الرجل. ظروفي القاسية تُجبرني على أن أفعل ذلك. وبعد تفحّصه له كان قد تذكّره فجأة وقال : " اسمع, أتذكر ذلك؟. كنت بالفعل مدرساً في مدرسة القرية وبإمكاني أن أطلعك على الوثائق التي تُثبت ذلك. قال سكورفتسوف " كفاك كذباً , ثم اصطبغ وجهه بالحمرة وألقى على وجه المتسوّل نظرة ازدراء وصاح به بغضب : وتمتم: وكانت بمثابة الإهانة لما كان يُحبه ويُقيّمه في نفسه من مشاعر: الرأفة وطيبة القلب والتعاطف مع التعساء. قد دنّس رغبته في الإحسان للفقراء دون أن تشوب قلبه أية ريبة في صدقهم . وأنا أتفهّم ذلك, لكن. أنت شاب , ولكن أتعلم , متواني , ولم تعد تنفع لشيء سوى للتسوّل والكذب! فلو كنت قد سعيت بالفعل للحصول على عمل , أو مع جوقة المنشدين, أو على عمل مراقب في لعبة البيلياردو, بحيث يكون إمكانك الحصول على أجر حتى دون أن تبذل أي جهد. ثم ضحك بمرارة وأضاف " كيف سيكون بإمكاني أن أحصل على عمل غير كتابي ؟ وعلى الأصحّ , فات الأوان الآن لأن أصبح بائعاً في متجر, ألن ترغب بالعمل في قطع الحطب؟" ولكن حتى من يعملون في هذا المجال هم حالياً بدون عمل. سوف نرى!" ولكن ليس دون أن يُخالجه شعور خبيث بالسرور, ولا لأنه كان يرغب في الحصول على المال, أسرع سكورفتسوف إلى غرفة الطعام التي تطلّ على الفناء الخارجي حيث بإمكانه أن يشاهد من نافذتها مخزن الحطب وكل ما يجري في الفناء . ثم شاهد المدرس المُزيّف أو الطالب المُزيّف يتخذ مكانه على قطعة كبيرة من الحطب ويضع مرفقيه على قطعة أخرى ويستغرق في التفكير. لكنها انقلبت وسقطت على الأرض. وبعد أن نفخ في يديه الباردتين, لكن قطعة الحطب سقطت على الأرض من جديد. لندعه يستمر. وكانت أولغا قد ظهرت أمامه بعد ساعة من الزمن لكي تُعلمه بأن المتسوّل قد انتهى من قطع كل ما لديهم من الحطب. قال سكورفتسوف" أعطه نصف الروبل هذا, وأعلميه أن بإمكانه أن يأتي إليّ في مطلع كل شهر لكي يقطع الحطب , ومنذ ذلك الحين كان المتسوّل قد اعتاد على تكرار التردد إلي منزل سكورفتسوف. كان في بعض الأحيان يُجرّف الثلوج المتراكمة, أو أنه قد يُنظف مخزن الحطب, كما كان في أحيان أخرى يقوم بتنظيف السجاجيد والفرش. وكان يحصل دوماً على ثلاثين أو أربعين كوبيك (عملة روسية) لقاء ما يقوم به من أعمال , وإنما كان يُتابع سير الشاحنات التي تنقل الأثاث برأس مُطأطأ, وقد شعر بالارتباك عندما سخر الرجال الذين كانوا ينقلون الأثاث من ضعفه وكسله وعدم كفاءته ومن معطفه الرثّ الذي كان سابقاً على ما يبدو لرجل محترم. ما اسمك؟" وسوف يكون أقل مشقّة. سوف يُكلّفك ببعض الأعمال الكتابية. تناول لوشكوف الرسالة وغادر ولم يعد ثانية لكي يعمل في مخزن الحطب. مرّ عامان . شاهد بالقرب منه رجلاً قصير القامة مرتدياً معطفاً بالياً من فراء القطط, وعندما تبيّن لسكورفستوف بأن ذلك الرجل هو المتسوّل الذي كان يقطع له الحطب قال له : وهل تسير أمورك بشكل جيد؟" أجابه المتسوّل بحياء: أموري جميعها ممتازة, " قال سكورفتسوف: هذا مبلغ جيّد. أنت, ألم أكن من أرشدك إلى الطريق السوّي؟ أتذكر كم كنت عَنفتك؟ كنت طوال الوقت, حسناً, نعم, " أنا في غاية السرور لأجلك. " شكراً لكلماتك الطيبة ولأفعالك الطيبة سيدي. كان ما قلته لي ذلك اليوم في غاية الحكمة. ليُبارك الله تلك المرأة الطيبة القلب . " كيف كان ذلك؟"