تقديم: تحتل ولاية الرستاق والمنطقة المجاورة لها موقعاً جغرافياً متميزاً في سلسلة جبال الحجر الغربي ، مما جعلها حلقة وصل بين منطقة الباطنة وكل من المنطقة الداخلية ومنطقة الظاهرة وذلك عبر أوديتها الشهيرة مثل : وادي بني غافر ووادي بني عوف ووادي بني هني وواي الحيملي و وادي السحتن. هذا الموقع الجغرافي المتميز أهلها في السابق لان تكون عاصمة لعمان في فترة حكم حيث ان موقعها يمثل المحور الذي انتقلت عن طريقه صخور القشرة المحيطية (الأوفيوليت) من أسفل المحيط القديم المعروف ببحر تثيس ، إلى الرصيف القاري في شمال شرق شبه الجزيرة العربية ، وبالتالي فإن هذا الموقع يشكل منطقة نموذجية لدراسة قطاع كامل في هذه الصخور التي تحتوي على امكانيات معدنية وسياحية ذات قيمة اقتصادية كبيرة . تبرز هذه الورقة المقومات الجغرافية والجيولوجية والاقتصادية لولاية الرستاق والمنطقة المحيطة بها بهدف التعريف بأهم الثروات المعدنية والامكانيات السياحية الطبيعية الكامنة التي تزخر بها الولاية والتي يمكن أن تسهم بفاعلية في تنشيط الاقتصاد الوطني. والرستاق : هي إحدى ولايات الحجر الغربي في منطقة جنوب الباطنة ، وبهذا تحتل موقعاً هاماً في منتصف الجزء الشمالي من سلسلة جبال الحجر الغربي والمعروفة جيولوجياً بسلسلة الجبل الأخضر التي تمتد من طريق سمائل المؤدي إلى المنطقة الداخلية وحتى منطقة وادي بني غافر شمال غرب الرستاق . حين تولى الإمام ناصر بن مرشد اليعربي في عام ١٦٤٢م متخذاً منها عاصمة لحكمه . ومنها أيضاً انطلق لتوحيد الاجزاء العمانية الأخرى ، والتي كانت متناثرة بين البرتغاليين من جانب والفرس من جانب حين تولى الإمام ناصر بن مرشد اليعربي في عام ١٦٢٤ م متخذاً منها عاصمة لحكمه . ومنها أيضاً انطلق لتوحيد الأجزاء العمانية الأخرى ، والتي كانت متناثرة بين البرتغاليين من جانب والفرس من جانب آخر . وبدأ حربه ضد المستعمرين محققاً انتصارات واسعة . كبيرة جعلتها . والى جانب الاهمية التاريخية للرستاق هناك أهمية جغرافية وجيولوجية واقتصادية محط أنظار للكثير من العلماء ، ومنطقة جذب سياحي لعشرات الآلاف من السياح الذين يتوافدون إليها سنوياً للاستمتاع بقلاعها ومعالمها الأثرية الأخرى ، وبتراكيبها الجيولوجية الفريدة وبمعالمها السياحية الأخرى التي في مقدمتها عيون الماء الساخنة وشلالات المياه المنسابة بين الصخور . هذه الورقة تبرز المقومات الجغرافية والجيولوجية والاقتصادية لولاية الرستاق وقد اعتمد الباحث في جمع المعلومات في هذه الدراسة على القراءات السابقة مثل : (1995, Hanaa) والزيارات الميدانية الموقع الجغرافي والمساحة : تقع الرستاق في الحجر الغربي جنوب منطقة الباطنة وتعتبر المركز الإقليمي في منطقة الباطنة جنوب . أو من دوار ولاية المصنعة مباشرة إلى الرستاق وتتصل الرستاق شرقاً بولاية العوابي وولاية نخل ، ومن الغرب والجنوب الغربي تجاورها ولاية عبري التابعة لمنطقة الظاهرة ، وتجاورها جنوباً كل من نيابة الجبل الأخضر وولايتي نزوى والحمراء التابعتين للمنطقة الداخلية ، ومن الشمال ولاية المصنعة والشمال الغربي ولاية السويق الواقعتان في منطقة الباطنة الساحلية هذا الموقع يجعل الرستاق بوابة الجبل الأخضر إلى ساحل الباطنة ، وقد ساعد في تفعيل دور هذا الموقع الجغرافي المتوسط أودية الرستاق الشهيرة المتمثلة في : وادي بني عوف-وادي بني هني وادي السحتن ووادي الحيملي أما من حيث السكان فإن التقديرات السكانية لعام ۱۹۹۹ تشير إلى أن عدد سكان ولاية الرستاق يبلغ حوالي ۷۱۲۸٥ نسمة ، ١٠٤١٦٩ ، ولا يختلف مناخ ولاية الرستاق كثيراً عن الخصائص المناخية العامة في عمان ، فالمناخ في الرستاق بشكل عام صحراوي يتميز بوجود صيف حار وشتاء معتدل ويصل المتوسط السنوي لدرجة الحرارة إلى حوالي ۲۸ درجة مئوية ، وتنخفض درجة الحرارة الدنيا في فصل الشتاء إلى ۱۸ درجة مئوية . ويبلغ المتوسط السنوي للمطر في الرستاق وفي منطقة الباطنة بشكل عام حوالي ۱۰۰ ملليمتر ، وبشكل عام تسقط معظم كمية الأمطار خلال شهور الشتاء من نوفمبر إلى ابريل خاصة في يناير وفبراير ومارس ، البناء الجيولوجي وملامح السطح : تنتمي ولاية الرستاق جيولوجياً إلى جبال شمال عمان المعروفة باسم الحجر وهي سلسلة جبلية تمتد مسافة ٧٠٠ كيلو متر من شبه جزيرة مسندم في الشمال إلى رأس الحد في الشرق . رفعت هذه الجبال الالتوائية الألبية التي نشأت في زمن الميوسين (Miocene) جبال الألب في أوروبا من العصر الجيولوجي الثالث (Tetiary) الذي رفعت فيه ويفصل عن طريق ميناء مسقط هاتين المجموعتين . ممر سمائل الطبيعي الذي يربط مراكز الاستيطان في الداخل بالبحر ويبدأ تشكل رؤوس المراوح الفيضية في مخارج الأودية الرئيسية عند أقدام سفوح الجبال ثم تبسط وتنتشر في السهل الساحلي وتتسع مجاري الأودية بعد اختراقها جبال الحجر الغربي وتتشعب مجاريها وتلتقي ثم تتشعب فوق المراوح الفيضية لتكون عدداً لا يحصى من المجاري المائية التي تتغير معالمها بإستمرار مع نزول الأمطار وحدوث فيضانات الأودية . فالسطح عبارة عن سهل فيضي قليل الانحدار يغطيه الحصى والرمل الخشن الذي يتدرج إلى الناعم باتجاه الساحل ومصدرهما الحجر الجيري والاوفيوليت الذي قامت بنحته المجاري المائية وجلبته الاودية ، وتغطي هذا السطح مجموعة من المجاري المائية الواسعة ذات الانحدار الطفيف . وتشكل ارسابات الأودية ومدرجات الأودية مصدراً رئيسياً لتغذية الخزانات الجوفية بالمياه ذات الجودة العالية في منطقة الباطنة وذلك لما تمتاز به من نفاذية عالية . أما الغطاء النباتي فهو عبارة عن مجموعة من الشجيرات المتفرقة من السمر والسدر والغاف الذي يظهر بكثرة في مجاري الأودية وبالقرب منها . كما تظهر بعض الأعشاب المتناثرة التي تستغل من قبل السكان في مجال الرعي وبخاصة رعي الماعز . الأهمية الجيولوجية لموقع الرستاق : لقد اكتسبت عمان شهرة جيولوجية عالمياً لكونها تنفرد بوجود أكبر كتلة متصلة من مكاشف صخور الأوفيوليت (Ophialites) وهي مزيج من صخور نارية تشمل صخور الجزء العلوي من الوشاح (Mantle) وصخور القشرة المحيطية تم دفعها بواسطة عمليات تكتونية معقدة) إلى الرصيف القاري لتستقر في موضعها الحالي في شمال شرق شبه الجزيرة العربية ، فضلاً عن أهميتها الاقتصادية . وكما هو معلوم فإن قطاعاً عرضياً في كوكب الأرض يظهر ثلاثة نطاقات رئيسية هي اللب أو النواة (Core) ، والوشاح (Mantle) والقشرة (Crus) القارية والمحيطية وفي عمان يمكن رؤية الجزء الأكبر من هذه الصخور ودراستها دون الحاجة للغوص في باطن الأرض . والسؤال هو كيف وصلت هذه الصخور إلى عمان ؟ وما علاقة ذلك بالرستاق ؟ إضافة إلى قطاع كبير لصخور الرصيف القاري الرسوبية الجيرية المعروفة جيولوجياً بمجموعة الحجر الكبرى (Hajar Super Group التي يتجاوز سمكها ٣ كيلو مترات إضافة إلى قطاع في أقدم صخور رسوبية في السلطنة ، هذه الصخور تعرف بمجموعة الحقف والتي يبلغ عمرها أكثر من ٦٠٠ مليون سنة (Pre-Permian) وبالتالي فإن بعض صخور هذه المجموعة ترسب نتيجة رواسب ثلجية قديمة الأهمية الاقتصادية الموقع الرستاق : إن مجموعة الخصائص الجغرافية والجيولوجية للرستاق والمنطقة المجاورة لها جعلتها ذات أهمية اقتصادة كبيرة تتمثل في القيمة الاقتصادية للمعادن والصخور الموجودة فيها ، والامكانيات السياحية بشكل عام والسياحة العلمية بشكل خاص . 1 - المعادن والصخور : إن الثروة المعدنية في سلطنة عمان لا تقتصر على النفط والغاز الطبيعي فحسب بل هناك العديد من الثروات المعدنية الأخرى أهمها معدن الكروم والنحاس والذهب والفضة وجميع هذه المعادن تتواجد في صخور الاوفيوليت . فصخور الاوفيوليت كما هو معلوم تنقسم إلى : صخور الوشاح (Mantle) الغنية بمعدن الكروم ، وصخور القشرة المحيطية ، أما صخور القشرة المحيطية فهي غنية بالنحاس والذهب والفضة ، وتعد عمان من الدول المصنعة للنحاس منذ قديم الزمن . فإنها تحتوي على المعدن والصخور التي تدخل في الصناعة والبناء مثل السيليكات والجبس والدولومايت والحجر الجيري والرخام وان وجود هذه المعادن يمثل أحد الدعائم الطبيعية التي تستمد منها سلطنة عمان قوتها وموقعها بين دول العالم حيث انه يعود بالنفع الاقتصادي على البلاد . ٢- السياحة العلمية : تتميز الرستاق بتنوع وتباين جيولوجي متميز فمعظم الصخور الموجودة على سطح الأرض لها مكاشف في منطقة الرستاق يسهل الوصول إليها وعلى سبيل المثال ، وهذه الإمكانيات الجيولوجية يمكن ان تنمي السياحة العلمية والجيولوجية بالأخص . أما صخور الرصيف القاري فتتواجد بها الكثير من الحفريات بما فيها المرجان والقواقع والاصداف القديمة وقنافد البحر والحفريات الدقيقة وبعض أنواع من أسنان سمك القرش وغيرها من الحفريات الدقيقة . وتتراوح أعمار هذه الأحافير بين ٢٨٠ مليون سنة أي من العصر البرمي (Permian) إلى ۱۰۰ مليون سنة في العصر الكريتاسي Cretaceous. وهذا يعتبر من الظواهر العلمية الجيولوجية النادرة في العالم والتي تنفرد بها جيولوجية عمان . كما تمتاز بعض أودية هذه الولاية مثل وادي بني عوف باحتوائها على ظواهر جيولوجية نادرة مثل عدم التوافق الزاوي (Angular unconformity) والذي يضم مجموعتين من الصخور يصل الفارق الزمني بينهما إلى أكثر من ٣٠٠ مليون سنة ، وهي ظاهرة نموذجية ونادرة على مستوى العالم ، هذا اضافة إلى ظواهر جيولوجية أخرى عديدة ونادرة ، إن هذه الخصائص الجيولوجية النادرة تشوق أي سائح على مشاهدتها وبالتالي تشجع السياحة العلمية ٣- العيون الحارة :