السفینة "دارا" | عام 1961 وبعد السؤال يبدأ الثلج في أ ذ ك ُ ر و أ ن ا ف ي ا ل ع ا ش ر ة م ن ع م ر ي ح د ی َث ك ب ا ر ا ل س ن م م ن ش ھ د و ا ز م ن ج ّدي الشیخ سعید عن تغیر البحر وأحواله، وعن مجيء أسماك غریبة من أعماق البحر للشاطئ، وتغی ُّر بعض عاداتھما، قالوا بأنھا ستكون مثل "يوم القیامة". فلا ألتف ُت كثیراً لكلامھم. كن ُت أغط ُّ في نومي في غرفتي بالبیت في لیلة 8 إبريل عام 1961، سمع ُت صوت والدي يصی ُح بقوة: حمدان . ثم سمع ُت صوت حمدان: محمد أح ِض ْر فرشتك! نري ُد أن نس َّد الباب. لنضع ك َّل ثقلھا على الأبواب لمنع الریاح من تكسیرھا وتدمیر كل ما بدا لي في ذلك الوقت نھاية العالم من حولي. كانت بداية لیل ٍة طويل ٍة لن تنتھي. بدأ الناس بعدھا بالوصول أفواجاً للقصر فزعین للشیخ راشد، كنا نفتح لھم الباب بالقدر الذي يسمح لھم بالدخول فقط من شدة الريح التي كانت ترمي ك َّل شيء أمامھا. عاصفة كما أخبرنا كبا ُر الس ّن كأنھا "يوم القیامة". بدأ الناس بالوصول فرادى وجماعات، ما زل ُت أذك ُر منظر والدتي وھي تطمئن امرأ ًة ترتع ُش من الخوف ولا تقدر علىالكلام. البیوت لحقھا دما ٌر شديد، لم ينتظر والدي سما َع كل التفاصیل. وأسند إلیھم مھماتھم. فكان على الفرقة الأولى أن تنقل الأدوية واللوازم الطبیة بأي وسیلة، ولا ب ّد من العمل على تخزينھا لأننا سنحتاجھا قريباً. ثم وصلت الأنباء التي جعلت والدي يتج ّمد في مكانه. وھم بالكاد يستطیعون التقاط أنفاسھم: سموك، بدا وكأن العالم قد توقّف عن الدوران. وعلى مدى 13 عاماً، وعند ھبوب العاصفة حدث انفجار قو ّي في أسفلھا تبعه حري ٌق ضخم. قال الجنود إن الكثیرين ُقتلوا جرّاء ما حدث، كانت قوارب النجاة تنقلب وسط البحر لأن حمولتھا أكثر من طاقتھا. وما زالت الریاح تعبث بتلك القوارب وتطیح بھا يمن ًة جمعنا أبناء ع ّمي وعدداً كبیراً من سكان دبي في بیتنا. جمیع أفراد الأسرة بلا استثناء مع قوارب النجاة لإنقاذ من يمكن إنقاذھم. أنقذنا قرابة 500 شخص في تلك اللیلة التي بدا لي أنھا لن تنتھي. استمر ھذا الوضع المربك لبضعة أيام لم يعرف والدي فیھا طعم النوم وتم تحويل المباني الفارغة إلى بیوت بديلة وملاجئ. ما زل ُت أذكر بكثی ٍر من الألم مشھ َد النساء اللواتي تر ّملن بسبب العاصفة وھن يتدافعن عبر أبوابنا المفتوحة، ولم يكن لوالدي ووالدتي إلا أن يق ّدما ك ّل ما لديھما لأجلھن. وتعلم ُت بعدھا أن نكون مستعدين دائماً لأي طارئ. إلا أنھا أظھرت أنبل ما في أھل دبي، من تعاو ٍن وتعاض ٍد ووقف ٍة واحدة وقت الشدة. إلا أنني تعلّم ُت كیف يدي ُر القائد أزم ًة مفاجئة. أن أبي بدأ بنا نحن أبناءه وأبناء ع ّمي لإرسالنا لإنقاذ الغرقى في البحر الھائج قبل أن يرسل أحداً من عموم الناس. إن الأزمات تظھ ُر معادن الرجال.