كما امتد النشاط إلى القيام بعمليات نوعية كإطلاق النيران بكثافة على منزل الضابط السياسي في الضالع، وفي عام 1965م بلغ عدد القتلى الإنجليز في هذا العام بالضالع فقط (24) جنديا وضابطا وإصابة ما يزيد عن (113) منهم، وأصبح إلقاء القنابل على جنود الاحتلال مشهدا مألوفا لا تكاد منطقة جنوبية لا تعرفه، وكذلك الحال في زرع الألغام وانفجار العربات البريطانية المختلفة بحيث أن الإنجليز من شدة وضراوة المقاومة التي واجهوها اضطروا في 22/8/1966م إلى إصدار أمر بإغلاق الحدود بين دولة الجنوب ودولة المملكة المتوكلية اليمنية. بل إنها كانت تشمل جميع مناطق الجنوب بما فيها حضرموت ويافع وحريب والشعيب وبلاد العواذل ودثينة ولحج وغيرها. كذلك قوة للألغام وغيرها. إلا أن كل ذلك لم يوقف من تصعيد المقاومة لعملياتها، وتطوير أساليبها في المواجهة، وفي كل تلك العمليات كانت المقاومة تقدم الشهداء من خيرة أنبائها وبالمقابل تحصد المئات، بل الآلاف من قوات الاحتلال، وتحويل أعمارهم إلى محض زمن لترقب الموت على أرض غريبة، لا تجيد حتى الصلاة الكنائسية قبل إيداع الجثمان بين ثراها. وتعيد رص صفوف أبنائها وتتأمل فيما ستقوم به غداً لكسر شوكة الاحتلال وتطهير الأرض من دنسه. ففي يوم 10 ديسمبر 1963م ألقيت قنبلة في مطار عدن أودت بحياة (جورج هندرسن) مساعد المندوب السامي البريطاني، وجرح إلى جانبه (53) من كبار الموظفين الإنجليز والوزراء الاتحاديين بما فيهم المندوب السامي البريطاني نفسه السير (كنيدي ترافيسكس). ثم صار يحاول إقناع الوطنيين بالاشتراك في حكومة الاتحاد بعد أن كان يقطع الوعود على نفسه قبل الفوز في الانتخابات بأنه سيعدل من السياسة البريطانية بعدن. ومنذ تلك الزيارة ارتفعت وتيرة المقاومة، وفي 24/12/1964م قتلت ابنة قائد سلاح الطيران للشرق الأوسط بقنبلة رماها أحد المقاومين إلى منزل ضابط في (خور مكسر) وفي عيد رأس السنة الميلادية ثم قتل أول ضابط عدني يعمل بالمخابرات البريطانية هو (فضل خليل) بالرشاش وسط سوق مزدحم في (كريتر) وبلغت حصيلة شهري نوفمبر وديسمبر من العام 1964م في عدن بـ(36) بين قتيل وجريح. أمام في العام 1965م فقد ارتفعت الإصابات إلى (237) بين قتيل وجريح ناجمة عن (286) عملية قامت بها المقاومة. وركز رجال المقاومة في البداية على اغتيال رجال المخابرات البريطانية بالذات. فمن أصل (22) حادثة اغتيال تمت بنجاح في عام 1965م كانت (10) منها موجهة ضد ضباط مخابرات و إحداها في (الشيخ عثمان) تركت فوق جثة المقتول ملاحظة تقول: هذا العميل نفذت فيه الحكم الجبهة القومية. وعلى إثر ازدياد نشاط المقاومة لجأت الحكومة البريطانية في يونيو 1965م إلى إصدار قانون الطوارئ وحظرت بموجبه نشاط الجبهة القومية واعتبرتها حركة إرهابية. وهو الأمر الذي لم يردع المقاومة بل دفع الحركة العمالية والمؤسسات الوطنية الأخرى إلى إعلان الإضراب العام في 2 أكتوبر 1965م فرد الإنجليز على هذا بأمر الجيش النظامي بقمع المظاهرات، كما أنشأ الإنجليز لواء خاص بعدن يسمى بلواء (أيدن بريجيد) وتم تقسيم عدن إلى أربع مناطق أمنية إضافة إلى إجراءات أخرى كثيرة تستهدف الحد من نشاط المقاومة. وفي 22 فبراير 1966م اضطرت بريطانيا إلى أن تعلن في ورقة الدفاع البيضاء بأنها (ستسحب قواتها من قاعدة عدن عام 1968م) لكن ذلك زاد من نشاط الثوار وتكثفت العمليات العسكرية خاصة بعد أن ثبت لهم أن نية بريطانيا كانت في إعطاء الاستقلال في عام 1968م لحكومة الاتحاد بعد أن تقوم بدعمها بالأسلحة وتوفر لها الحماية الجوية من على مسافة قريبة منها. مما تسبب في الركود النسبي بأنشطة المقاومة لكن الأمر لم يستمر طويلاً، إذ عادت الجبهة القومية للعمل مستقلة بذاتها عقب انعقاد المؤتمر العام الثالث لها في (خمر) بتاريخ 29 نوفمبر 1966م وتم انتخاب سالم ربيع علي مسئولاً عن جناحها العسكري. ومثل ذلك تحولا حاسما في مسار الكفاح المسلح والحركة الوطنية. فقد تضاعفت العمليات العسكرية التي تستهدف قوات الاحتلال إلى ستة أضعاف عما كانت عليه في العام السابق، إذ بلغت في عام 1967م حتى شهر أكتوبر منه فقط (2908) حادثة تسببت في (1248) إصابة بين قتيل وجريح بحسب وثائق قوات الاحتلال نفسها. وأصبحت الإضرابات العامة الطويلة من مميزات هذا العام أيضاً. وأقدموا على تجريد البوليس المدني من صلاحياته في حفظ الأمن ليجعلوها بيد القوات البريطانية، وأعلن منع التجول بعد قيام الجبهة القومية بتنظيم إضراب عام في 19 يناير (يوم الاحتلال البريطاني لعدن) وتساقط عدد من الشهداء من جراء الالتحام مع القوات البريطانية وفي 28 فبراير قام أحد الفدائيين بتفجير لغما في منزل الضابط السياسي (انتوني انجليدو) في شكل لعبة أثناء حفلة عشاء تم فيها قتل امرأتين وجرح (11) آخرين، وبعد أسبوع حدثت عملية مماثلة. اضطرت لعمل مراكز مراقبة فوق قمم ومنحدرات جبل (شمسان) ذات نواظير وأجهزة لا سلكي لتحذر من خلالها قواتها. وفي الأول من مايو 1967م بدأت السلطات البريطانية بتسفير عوائلها من عدن بحيث يقدر عدد الذين غادروا خلال أسبوعين (8000) شخص، وفي 19 يونيو أعلن وزير خارجية بريطانيا عن سياسة حكومته القاضية بتحديد تاريخ الاستقلال ووعد بتقوية الجيش الاتحادي ودعمه جوياً بعد الاستقلال من حاملات طائرات بريطانية. و (معسكر شامبيون) و (معسكر البوليس المسلح) هاجم فيها الثوار المعسكرات وأطلقوا السجناء وأحرقوا المكاتب الاتحادية واحتلوا مبنى السكرتارية العامة ونهبوا الأسلحة والذخائر من معسكر النصر وتمركزوا فوق البنايات، كما أطلقوا النيران على التجمعات البريطانية، لكنهم ما لبثوا الانسحاب منها بعد حصار قوات الاحتلال للمدينة، لكن بعد سبتبمر توقفت هجمات الثوار في (عدن الصغرى) و (الشعب) و (الشيخ عثمان) بعد أن اضطرت قوات الاحتلال الانسحاب منها نهائياً وتسليمها لقوات جيش الاتحاد. وكانت القوات البريطانية قد أكملت انسحابها من الأرياف في يوليو تقريباً،