1ـ جلستْ على سجادتها النّاعمة أمامَ الموقد تَنْكُتُ النّارَ بالملقطِ الحديديّ، مُصوبةً على الجمراتِ الملتمعة بين يديها نظراتُها عميقة وصورةُ اللهب الأحمر منعكسٌ في عيونها المشتاقة. وأمين وزوجتُه لم يصلا بعد. 3ـ تُرى لماذا تأخر؟ بيروت لا تبعدُ أكثرَ من ساعة في السيارةِ التي تنهبُ الأرض نهبًا، هل انقلبتِ السيارة؟! أو تكونُ امرأته أرغمتهُ على قضاءِ ليلة العيدِ في المدينة المليئةِ بالنشاط! المدينةُ لا تنامُ أبدًا إنّها مليئةٌ بالضجيجِ والحركة ليستْ مثلَ قريتنا الهادئة، وربما قالتْ له زوجته: "القريةُ! الجبلُ! هل تريدُ أن نضيعَ هذا العيد إكرامًا لأمكَ؟" هل أصغى إليها واقتنعَ بكلامِهَا ولم يرحم أمّه؟ إنّه يؤكدُ في رسالته التي قرأتْها لها بنتُ جارتها ثلاثَ مراتٍ أنّه سيجيء وهو مشتاق إليها، فتناولتها وفتحتها وطفقتْ تجيلُ فيها نظراتها ــ وقد أمسكتها مقلوبةً ــ فتقفُ عيناها على السطور والكلمات والحروف المقلوبة وقفاتٍ معذبٍة بَلْهاء، هذا شأنُ أولاد هذا الزمن! هذا شأنُ المتزوجين في هذا العصر المتمدن نَسوا أمهاتِهم، كانتِ الأم تفكرُ في هذه الأمور وهي متوجهةٌ إلى غرفتها لتنام، ثمّ قعدتْ في فراشها ساندةً ظهرها على مقدمة سريها لا تريدُ أن تصدقَ أنّه لن يأتي، وألمُ الوَحدة وبردُ الغربة في هذا البيتِ الصامت يقولُ لها: نامي أيتُها الأمّ المسكينة فولدكِ لن يأتي! وما إن كادتْ تلقي رأسها على الوسادة حتى سمعتْ هديرَ سيارةٍ على الطريق حُبستْ أنفاسُها، هكذا كانَ أبوه يأتي من قبلِهِ.