موت أُمٍّ ومعناها التكملة الإلهية لصغارها وزوجها ونفسها. أي: زيادة في سروره ونقصًا من آلامه. ••• ‎ومشيتُ من البيت الذي ألبسَتْه الميتةُ معنى القبر، ‎لَعَمْرِي، فعقدتْ عقدتها أن تتخذ لها بيتًا في ذلك المكان الطيب لتقيم فيه … يا لها حكمة من التدبير! تزعم الريحُ الإقامة على حين كل وجودها هو لحظة مرورها، ••• ‎همَد الحيُّ وانطفأتْ عيناه، وأصبح ينظر بعينٍ من عمله إمَّا مبصرة أو كالعمياء، وما أعجب أن يجلس أهل المأتم في المأتم ليضحكوا ويلعبوا! لا تزيدون فيه ولا تُنقِصون. ‎يا أسفا! لن يقول الميت للحي شيئًا! ومن يدري؟ لعلنا ونحن نَلْحَد للموتى وننزلهم في قبورهم، ‎ورجعنا مع الصديق إلى بيته، ودنيا من خلق أولادها! جاء إلينا كما يجيء الفَزَعُ لقلوب مطمئِنَّة؛ إذ كان في عينيه الباكيتين معنى فَقْدِ الأم! ‎وطغتْ عليه الدموع فتناول منديلَه ومسحها بيده الصغيرة، وجلس مستسلِما تترجِم هيئتُه معانيَ هذه الكلمة: «رفقًا بي!» ‎ثم تطير من عينيه نظرات في الهواء، كأنما يحس أن أمه حوله في الجو ولكنه لا يراها! ‎ولا يصدق أنها ماتت! فإن صوتها حيٌّ في أذنيه لا يزال يسمعه من أمس! لأنه صار وحده في المكان كما هو وحده في الزمان! فلماذا أنا هنا؟!» ‎ثم تغرغرت٤ عيناه فيخرج منديله ويمسح دمعه بيده الصغيرة، نهض يحمل رجولته التي بدأت منذ الساعة! إذ يأتي الغد ومعك أمُّك!