إن انحراف الأحداث من المفاهيم القانونية المعاصرة، وما يقوم عليه من قواعد لمعاملة الأحداث بهدف إصلاحهم وتهذيبهم، لغوياً الحَدَث (بفتحتين) هو صغير السن أي شابُّ فإن ذكر السنُّ يقال (حديث) وغلمان (حُدْثانٌ) أي أحداث(2) . أما فقهياً فقد عرف الأحداث بأنهم (فئة عمرية تتميز بانتقاص الوعي والإرادة يحددها المشرِّع بين حدين)(3). وعرفت الحداثة بأنها مرحلة نمو وتطور حتى بلوغ الطفل مرحلة الرشد (4). أما قانونياً فإن الناحية العمرية تكون هي مناط التعريف وأساسه، أي إن تحديد فترة زمنية معينة يسري خلالها قانون الأحداث هي أساس التعريف ولا نعني بذلك انعدام المسؤولية كلية بل تقوم مسؤوليته لكن بصفة جزئية نظراً لعدم بلوغه سن الرشد الجزائي. الطفل بقولها إن: «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق عليه». القانونية ذات العلاقة، مساءلته عن جرم بطريقة تختلف عن طريقة مساءلة البالغ» (1). فإنه يُقصد بالحدث «كل ذكر أو أنثى لم يبلغ من العمر تمام السنة الثامنة عشر، والحدث المنحرف هو كل حدث أكمل السابعة من عمره ولم يبلغ تمام الثامنة عشر» (2). والانحراف هو الميل عن الحق والعدل والطريق المستقيم، وكل ميل عما هو مألوف يعتبر انحرافاً (3) . وعلى ذلك، أما الحدث المعرَّض للانحراف هو حدث لم يبلغ من العمر الثامنة عشر، ولم يرتكب جريمة يُعاقب عليها القانون، لكنه يمثل خطورة اجتماعية بالنظر إلى تواجده في حالة من الحالات التي تعرض للانحراف. وهذه الحالات نص عليها القانون على سبيل الحصر تعتبر مشكلة انحراف الأحداث ووقوعهم ضحايا للجرائم من أهم المشكلات الاجتماعية والقانونية في العالم المعاصر لتعلقها بالسلوك الإنساني في أقصى درجات تعقيده، وهو ما يشكل حجر عثرة في طريق جهود تشخيص الانحراف وعلاجه، وتعود أهمية المشكلة في شقها المتعلق بوقوع الأحداث ضحايا للجرائم إلى أنها تعبر عن خلل في نظام المجتمع من جهة ضعف التكفل بأبنائه وحمايتهم، وخلل في المنظومة القانونية والقضائية المعهود إليها حماية الأحداث إما على مستوى التشريع أو على مستوى التطبيق الواقعي(1) . يكون برعايتهم اجتماعياً، بالاهتمام بهم والمحافظة على تقديم وسائل التربية والتهذيب والتقويم، والبعد بالحدث عن سوء السلوك والاجرام، وذلك بمراقبتهم وتقرير الحقوق التي كفلها الإسلام للعناية بهم (2) . ويرى علماء الاجتماع أن الحدث المنحرف ضحية للبيئة التي ينشأ فيها، فقد يرجع انحرافهم إلى انخفاض مستوى المعيشة (3) . ونظروا إليه على إنه منذ ولادته يحتاج إلى طريق طويل خلال عملية شاقة بمقتضاها يتعلم كيف يعيش في المجتمع، ويتعامل مع أفراد ذلك المجتمع وهذه العملية يطلق عليها علماء الاجتماع اسم التنشئة الاجتماعية أو التطبع الاجتماعي، وهذه التنشئة تكسب الطفل المواقف والقيم والأساليب المتنوعة للسلوك وخلق المهارات من خلال التدرج في النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي. أما علماء النفس فقد اعتبروا الحدث إنساناً كامل الخلق والتكوين لما يمتلكه من قدرات عقلية وعاطفية وبدنية وحسية، وعلى ذلك، فقد عرف علماء الاجتماع والنفس الحدث بأنه: «الصغير منذ ولادته حتى يتم نضوجه الاجتماعي والنفسي وتتكامل لديه عناصر الرشد»، وهو يمر عبر ذلك بمراحل وعوامل بيولوجية واجتماعية ونفسية لها تأثيرها على سلوكه وغرائزه (3). وبذلك يكون علماء الاجتماع والنفس رافضين وبشدة تحديد سن معينة تبتدئ وتنتهي بها الحداثة حيث يتركون أمر ذلك التحديد للنضج الاجتماعي والنفسي ومدى تكامل عناصر الرشد لديه والمتمثلة بالإدراك التام ويعللون ذلك بأنه من النادر ان تتوافق مراحل نمو العمر الاجتماعي والنفسي مع العمر الزمني للحدث ويتفق علماء النفس وعلماء الاجتماع على أن الأحداث ينقسمون إلى مراحل زمنية يتميز كل منها بطابع محدد، يسودها من حيث النمو العضوي والنفسي والسلوكي والاجتماعي مع وجود فروق فردية ترجع لاختلاف الظروف خاصة التي يتعرضون لها أثناء مراحل النمو المختلفة، وعليه فإن الحداثة هي المرحلة الأولى في حياة الفرد والتي من خلالها تتشكل الشخصية ويحتاج أثنائها إلى حماية البالغين(2). إلا أنهم اختلفوا في تقسيم مراحل نمو الحدث، فنرى أن قسماً منهم يتخذ من الغريزة الجنسية معياراً للتقسيم، وأن آخرين يتخذون من أحلام اليقظة التي تنتاب الفرد معياراً للتقسيم (3) . ولقد اهتم علماء النفس والاجتماع بمفهوم الحدث للتعرف على الجوانب النفسية المختلفة التي تحيط بالإنسان خلال هذه المرحلة العمرية، التي يحتاج فيها الحدث إلى رعاية خاصة واهتمام كبير حتى يساهم في المستقبل بشكل فعال في جوانب الحياة المختلفة. هو وحده المفهوم القانوني الموسع الذي ينصرف مدلوله إلى كل شخص من الجنسين لم يبلغ السن التي يحددها القانون الجنائي للرُشد إذا أتُهم بمخالفة أحكام هذا القانون أو كان مجنياً عليه في جريمة أو تواجد في حالات وظروف خاصة من شأنها أن تهدد أمنه أو خلقه أو صحته ومستقبله بالخطر أو يحتمل معها أن ينحرف إلى طريق الإجرام مما يجعله جديراً بالحماية التي ترصدها نصوص هذا القانون للأحداث المنحرفين والمجني عليهم والمعرَّضين للانحراف على حد سواء، فإن هناك من التشريعات من ينقص عن ذلك أو يزيد على اختلاف تأثرها بالعوامل سالفة الذكر (1). غير أن مسألة تحديد المقصود بالحدث الجاني لها أهمية بالغة من جهة أن هذا الأخير هو المستهدف خصيصا بأحكام المعاملة الجنائية وعلى أساسه يتحدد نوع المعاملة عقوبة أو تدبيراً والمحكمة المختصة بتوقيعها والإجراءات التي تتخذ أمامها، ويتحدد على العموم مجال سريان النظام الجنائي للأحداث أو أية سلطة أخرى مختصة بسبب ارتكابه جريمة جنائية ليتلقى رعاية من شأنها أن تيسر إعادة تكيفه الاجتماعي»(1). وعرفت المادة رقم (1) من قانون الأحداث الكويتي رقم 111 لسنة 2015 «1 - الحدث: كل شخص لم يجاوز الثامنة عشرة من عمره. 2 - الحدث المنحرف: كل من أكمل السنة السابعة من عمره ولم يجاوز الثامنة عشرة وارتكب فعلا يعاقب عليه القانون. . ولابد لاعتبار الحدث منحرفاً أن يتوافر ثلاثة عناصر ألا وهي: العنصر الثالث: ثبوت الانحراف أمام محكمة جزائية مختصة بحكم نهائي(2). لقد لقي الأحداث المعرَّضون للانحراف معاملة جنائية خاصة بهدفى حمايتهم من أوضاع الخطورة الاجتماعية التي قد يكونون عليها والتي غالباً ما تشكّل مقدمة لانحرافهم وإجرامهم، إلخ، مع ضعف مناعته ضد هذه العوامل وعجزه عن مقاومة آثارها السلبية، وأساس فكرة التعرُّض للانحراف هو أن الحدث لم يرتكب فعلاً يعاقب عليه القانون، وإنما وجد هو نفسه في ظروف تنذر بالخطر يتهدد الحدث ذاته في حياته ومستقبله، ولعل أهم تعريف للتعرض للانحراف ما أورده معهد دراسات علم الإجرام في لندن في أحد تقاريره الصادرة في سنة 1955م، إذا لم يتدارك أمره في الوقت المناسب باتخاذ أساليب وقائية»(1). فهو لا يُعد جريمة من الوجهة القانونية، وهذه الحالات حددها البند رقم 3 من المادة رقم (1) من قانون الأحداث رقم 111 لسنة 2015 حيث نص على أن: (3- الحدث المعرّض للانحراف: كل حدث يوجد في إحدى الحالات الآتية: أ- إذا خالط المنحرفين أو المشتبه بهم أو الذين اشتهر عنهم سوء السيرة أو انضم لجماعات إرهابية أو متطرفة. د- إذا وجد متسولاً، ه - إذا وجد بدون عائل. ز- التشبه بالجنس الآخر واعتناق أفكار ومعتقدات متطرفة كعبدة الشيطان والتطرف الديني. ومما لا شك فيه أن التعرُّض للانحراف يمثل خطورة اجتماعية للحدث، وهو ما يعني أنه لا يجوز للقاضي أن يستخلص الخطورة الاجتماعية والتي هي مناط الانحراف من أي سلوك آخر خلاف ما ورد ذكره بنص البند رقم 3 من المادة رقم (1) من قانون الأحداث رقم 111 لسنة 2015 والمعدل بالقانون رقم 1 لسنة 2017. وقد استحدث المشرِّع الكويتي في الفقرة (د) المقصود بالتسول بقوله: «ويُعد من أعمال التسول عرض سلع أو خدمات تافهة أو استجداء الإحسان والصدقة بأي وسيلة كانت مما لا يصلح موردًا جديًّا للعيش»، ويُفهم هذا الحكم من استعمال المشرِّع لعبارة «إذا وجد متسولاً » فإضافة لفظ وُجد يعني استبعاد شرط الاعتياد. فإن المشرّع قرر اتخاذ تدابير محددة نص عليها في المادة رقم (7) من قانون الأحداث رقم 111 لسنة 2015 وهي كالتالي: « 1 - تسليمه لمتولي رعايته، فإذا لم تتوافر فيه الصلاحية للقيام بتربيته، إيداعه في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية للأحداث.