يرجع تأسيس المذهب الإباضي إلى التابعي جابر بن زيد الأزدي، محدث وفقيه وإمام في التفسير والحديث، وتلميذ ابن عباس وعائشة. رغم شيوع نسبة المذهب إلى عبد الله بن إباض، وهي نسبة عرضية تعود لأسباب كلامية وسياسية، إلا أن الإباضية في بداياتهم استخدموا تسميات أخرى كـ"جماعة المسلمين" أو "أهل الدعوة"، ولم يتبنوا تسمية "الإباضية" إلا في أواخر القرن الثالث الهجري. يُعتبر جابر بن زيد الإمام الأول، مولودًا بين 18-22 هجريًا في عُمان، ثم انتقل للبصرة طلبًا للعلم، وتتلمذ على أيدي صحابة كبار أمثال عائشة، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله. اشتهر جابر بجدّه في طلب العلم، وحجه سنويًا. عاصر الحسن البصري وعمرو بن دينار، وكان صديقًا للحسن. شهدت أقوال كبار العلماء، كعمرو بن دينار، وإياس بن معاوية، وابن عباس، وابن عمر، و قتادة، وأبي نعيم الأصبهاني، على مكانته العلمية العالية وزهده. ذكره ابن القيم ضمن كبار فقهاء البصرة. أجمع علماء الحديث على عدالته وضبطه، وروى عنه البخاري ومسلم وغيرهم، وقد أشار السيوطي وابن حجر وابن تيمية لمكانته. رغم محاولات بعض المؤرخين إنكار علاقته بالإباضية استنادًا لروايات ضعيفة، إلا أن الدكتور عوض خليفات أثبت في كتابه "نشأة الحركة الإباضية" علاقته الوثيقة بالحركة ودوره الكبير في تنظيمها وتطورها. عاصر جابر الفتن بين الصحابة ودعا مبكرًا للقضاء على بدعة الملك الأموي والتمسك بالشورى. ارتبط بعلاقة وثيقة بأبي بلال مرداس، وانضم لجماعة القعدة التي دعا فيها بالحكمة والموعظة. تجنب جابر الاحتكاك مع السلطة الأموية، إلا أنه سُجن ونُفي لعُمان بسبب بطش الحجاج. وجه جهوده لدعوة الناس، رجالًا ونساءً، كآل المهلب، وكتب رسائل لمختلف أصحابه وتلاميذه، ومراسلة لعلماء كالزهري، وهب بن منبه، وأبي حازم. صلى الجمعة خلف زياد بن أبيه وولده والحجاج. انتشر علم جابر عبر تلاميذه، وكتب في النكاح والصلاة، و جمعه تلميذه الربيع بن حبيب. ألف كتابًا ضخمًا في الحديث والفقه (ديوان جابر) ضاع مع مكتبة بغداد التي أحرقها التتار، ثم ضاعت نسخة أخرى في ليبيا. كان جابر قنوعًا، عفيفًا، متواضعًا، زاهدًا، وتوفي سنة 93هـ، وخلفه أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة.