موقعها محصن جغرافيا حيث أنها محاطة بعدد من الوديان من جهة الشرق وادي قدرون (النار) والجهة الجنوبية وادي الربابة وزيد في تحصين المدينة بفضل السور المزدوج الذي كان يحيط المدينة في تلك الفترة . وكانت مدينة منيعة خاصة وان نبع جيحون يقع داخل أسوار المدينة ويمدها بما تحتاج من المياه. نظام الحكم في المدينة كان يعتمد على النظام الدول المدينية (أي كل مدينة دولة مستقلة بحد ذاتها) يعيش سكان المدينة داخل الأسوار و يحيط بالمدينة منطقة زراعية حيث زرع وادي الربابة ووادي الجوز وكان المحصول الأساسي الزيتون والحبوب . كما تظهر البقايا الأثرية مثل الياقوت والعقيق المستوردة من خارج فلسطين بالإضافة الى النحاس والإسفلت والأواني الفخارية غير المحلية مما يدل على وجود تجارة داخلية وأخرى خارجية مع الدول المجاورة[1] رغم معرفة الكنعانيين بالكتابة ألا انه لا توجد الكثير من الوثائق والكتابات التي تعود إلى ذلك العصر لتساعدنا في فهم طبيعة الحياة في تلك الفترة في القدس ألا انه من خلال الكتابات القليلة مثل تمثال اللعنات الذي وجد في مصر في القرن الثامن عشر قبل الميلاد ولوح رقم 277 الذي وجد ضمن كتابات تل العمارنة بالإضافة إلى البقايا الأثرية التي وجدت على السفح الشرقي لجبل الظهور (منطقة وادي حلوة اليوم) نستطيع تكوين صورة عن المدينة . كانت مدينة القدس يسودها النظام الدول المدينة أي أن المدينة دولة مستقلة بحد ذاتها لها حاكمها وجيشها وكانت تسمى مدينة اورسالم (أور معناها مدينة ، وأقدم حاكم معروف لمدينة القدس هو عبدو حيبا الذي ورد اسمه في كتابات تل العمارنة حيث كان يطلب النجدة من الفراعنة ضد قبائل العبيروا الذين كانوا يهاجمون المدينة ومعنى كلمة العبيرو هو قطاع الطرق والخارجين على القانون وليس العبرانيون كما يحاول بعض المؤرخين اليهود تضليل القراء. كانت المدينة مدينة متطورة بالنسبة إلى عصرها فهي تحتوي على بيوت مربعة مبنية من الحجر على نظام السلاسل بسبب الطبيعة الجغرافية للموقع قسمت البيوت إلى غرف احتوى بعضها على ( مراحيض كرسي ) واحتوت على أماكن للاستحمام وعثر في البيوت على العديد من الأختام التي تحمل الأسماء الكنعانية وعثر على نفقين ماء وأبراج تحصينية للإنفاق وسور مزدوج للمدينة وعلى قمة المدينة كان مبنى كبير يعتقد انه القلعة . في العام 701 ق. م تعرضت القدس إلى الغزو من قبل الأشوريون بقيادة سنحريب ألا أنهم فشلوا في احتلال المدينة حيث تفشى الطاعون بين جنود الأشوريون بالإضافة إلى حدوث تمرد في بلادهم الأمر الذي اضطرهم إلى الانسحاب. وتعرضت القدس إلى عدة حملات أخرى على يد نبوخذ نصر كان أخرها عام 587 ق. م حيث هدم أجزاء من المدينة وسبى الحكام كما كان يفعل في كل مدينة يقوم باحتلالها . ولم تحظ مدينة القدس بأي أهمية خلال هذه الفترة حتى عام 538 ق. وتبع هذه الفترة موجة من القلاقل والصراع السلطوي أكثر منه صراع عقائديا . في العام 333 ق. م وصل إلى البلاد الاسكندر المقدوني ودخل مدينة القدس بشكل سلمي . ألا أن هذه الحرية لم تستمر طويلا حيث توفي الاسكندر المقدوني وقسمت مملكته بين قواده الأربعة يهمنا منهم بطليموس وسلوقس الذين دار صراع طويل بينهم كانت فلسطين مسرحا لمعظم أحداثه . في البداية كانت القدس تابعة للبطالسة 315-198 ق. م خلال هذه الفترة القصيرة عاشت مدينة القدس بشكل هادئ وتم أعادة بناء الأسوار وزاد عدد السكان في المدينة . تعاون اليهود الموجودين في القدس مع السلوقين ضد البطالسه حتى انتقلت القدس ليد السلوقين ليبدآ عهد جديد في المدينة, حيث حاول السلوقيون فرض الديانة اليونانية على جميع السكان بما فيهم اليهود حيث كان يهتمون بدمج الشرق مع الغرب وفرض الحضارة اليونانية على الشرق. انتهى عهد السلوقيين بالثورة المكابية ( الحشمونائية ) نسبة الى يهودا المكابي بن يوحنا قائد الثورة التي بدئت في منطقة السهل الساحلي عام 168 ق. كان نتاج الثورة أقامة دولة على ثلث فلسطين وسيطر على الثلثين الآخرين الأنباط. م بعد أن قضى على السلوقين في سوريا ونظرا لحقد السكان على المكابين الذين أجبروهم على اعتناق الديانة اليهودية خاصة الادوميون تعاون السكان مع القائد الروماني بومبي على السيطرة على فلسطين . ولم يحكمها الرومان خلال الفترة الأولى للحكم الروماني بشكل مباشر بل عن طريق حاكم موالي لروما. في سنة 63 ق. م كانت القدس عاصمة لدولة اليهودية ثلثا سكانها تقريبا من اليهود فقد كان فيها من الانابط والادوميون وغيرهم من الشعوب فيها وفيما حولها . لكن بعد بومبي اختلف الامر حيث سمح لكل ان يختار الديانة التي يريد وسمح للمنفين العودة الى بلادهم مما اعاد التوازن السكاني وقلل من نسبة اليهود بين سكان القدس. م عين يوليوس قيصر الأمير الادومي المهود بالقوة انتربياتر حاكم أداريا على البلاد كنوع من المكافأة على المساعدة التي قدمها للرومان . هيرودس استولى على حكم كل فلسطين بعد أن قام بتخلص من أخيه. وقد ساعده ماركوس انطونيوس صديقه في توطيد حكمه . وأقامت البرك في القدس التي لا يزال بعضها قائم ومنها بركة ماميلا بركة الثعابين ( جورة العناب) بركة السنونو وبركة حسدا وبركة الأجراس . بالإضافة إلى التحصينات العسكرية وأهمها بناء القلعة وأبراجها الثلاثة احدها قائم حتى اليوم وهو برج فصايل ( المعروف باسم برج داود ) وبنى قلعة الانطونيا ( موقع مدرسة العمرية ). مات هيرودس عام 4 ق. م قسم الرومان فلسطين بين ابناء هيرودس القدس كانت من نصيب هيرودس اغربيس (انتيباس) وفي عهده حدث الاحصاء المذكور بالانجيل خلال حكم ابن هيرودس الكبير هيرودس اغربيس عاش كل من سيدنا زكريا عليه السلام في القدس وسيدنا يحيى ويذكر ان هيرودس اغربيس قطع راس نبي الله يحيى عليه السلام . وقتل سيدنا زكريا بالقدس بنفس اليوم . في العام 30 م كانت الزيارة الأخيرة للسيد المسيح لمدينة القدس . وأمر حاكم المدينة بيلاطس البنطي بالقبض على السيد المسيح وحسب الاعتقاد المسيحي تم القبض عليه يوم الخميس ليلا ومحاكمته وصلبه يوم الجمعة حيث مات على الصليب بنفس اليوم وانزل عن الصليب و غسل وكفن ودفن قبل دخول السبت وقام من القبر ليجوب البلاد أربعين يوما وصعد إلى السماء من جبل الزيتون . ووصل مدينة القدس عام 70م حيث كان للمدينة في ذلك الوقت ثلاث أسوار، حطم الأول منها بشكل سريع بينما توقف زحف تيطوس عند السور الثاني لكن ليس لفترة الطويلة، حيث دخل إلى المدينة ودمرها بالكامل ولم يترك منها سوى الأبراج الثلاثة في غرب المدينة، امضى تيطس شهرا في القدس ودمر المدينة واعطى الاوامر بان تسوى المدينة كلها بالأرض بقيت المدينة مهدمة حتى عام 130م حين ظهر القيصر هدريانوس الذي سعى إلى توحيد الإمبراطورية الرومانية من حيث الاعتقاد و الأفكار وذلك من خلال البناء. فخرج برحلة استمرت 7 سنين أتى خلالها إلى مدينة القدس ، حاول اليهود خارج القدس القيام بثورة بقيادة باركوخبا ألا أن هذه الثورة فشلت فشلا ذريعا وعلى أثرها اصدر هدريانوس أمر تأكيد بطرد اليهود من القدس ومحيطها ومنعهم من السكن فيها . نص المرسوم الذي اصدره هدريانوس ” يحظر على جميع الأشخاص المختونين أن يدخلوا إلى منطقة ايليا كابتولينا لو يقيموا فيها وكل من يخالف هذا الحظر سيعاقب بالموت ” لكن الشعوب السامية جميعا تختن لذا كان هناك استثناءات من المرسوم وهو كان موجه فقط ضد اليهود. رغم محاولات إلغاء الديانات الأخرى إلى أن الديانة المسيحية أخذت تنتشر بين الناس وزاد بطش الرومان بمعتنقيها خاصة القيصر ديوكلطيانوس الذي لقب بصانع المرتير ( الشهيد ) لكثرة من قتل من المسيحيين الذين أصبح الناس يتعاملون معهم كقديسين . خاض قسطنطين العديد من الحروب داخل مملكته المقسمة وحروب مع الجرمانيين وقبائل الهندو أوروبية . أعلن الديانة المسيحية عام 326م ديانة رسمية في الإمبراطورية البعض يعزو ذلك إلى حلم راوده والبعض الأخر يعزو إلى كون أمه هيلانه قد اعتنقت الديانة المسيحية بينما يعزو البعض ذلك إلى حنكته السياسية وتماشيه مع أرادة الشعب. وصلت هيلانة إلى مدينة القدس عام 330 م وقامت ببناء كنيسة القيامة وكنيسة الصعود وتثبيت الإمكان التي لها علاقة بالسيد المسيح وتدافع المسيحيين من كل مكان للقدوم إلى المدينة . وتحولت مدينة القدس من مدينة صغيرة إلى مدينة عظيمة الأهمية مليئة بالرهبان والراهبات وكانت الصلوات العامة بالقدس تقام باللغة اليونانية وتترجم إلى الآرامية . كانت سياسة قسطنطين اتجاه اليهود هي نفس سياسة هدريانوس فلم يكن يسمح لهم بالعيش في القدس. انتخب عام 428 أسقف لمدينة القدس هو يوفنال الذي اراد ان يكون بطريرك وليس أسقفا وقد عرض طلبه على مجمع افيسوس ولكن المجمع رفضه وبعد ذلك في سنة 438م حضرت إلى القدس للحج الإمبراطورة افودوكيا التي كان من شانها أن تغدو خصما ليونفال طيلة ثلاثة عشر عاما لقد احبت افودوكيا القدس وعندما نشب خلاف بينها وبين أسرتها عام 444م وخصوصا مع أخت الإمبراطور بلخريا نفيت افودوكيا إلى القدس ونظرا لرتبتها فقد حكمت فلسطين . وفي سنة 451 انعقد مجمع دولي اخر للأساقفة دعت اليه بلخريا في خلقدونية وكان من منجزاته الصغيرة ان مطالبة يوفينال بان يصبح بطريركا تكللت بالنجاح وتم خيانة المذهب الذي تتبعه افودوكيا والذين يقولون بطبيعة واحدة للمسيح ردا على ذلك عينت افودوكيا أسقف في القدس هو ثيودوسيوس ولم يستطع يوفينال ان يدخل القدس . وإذا لم تدر ماذا تفعل فقد كتبت إلى أقدس رجل عرفته وهو القديس سيميون ستيليس الذي كان يعيش فوق عاموده قرب انطاكيا ، وضم مجمع الكنيسة مستشفيين يحتويان على مئة سرير للحجاج المرضى ومائة أخرى للسكان المحلين وهي أخر كنيسة تظهر على خريطة مادبا التي وضعت عام 575م . في عام 614 م انتصر الفرس على بيزنطة واحتلوا القدس ودمروا كل كنائس وقتل ما يقارب 10 ألف راهب وآلاف السكان (33877 قتيل ) وكلهم دفنوا في مقبرة مأمن الله وبيع العديد من السكان كعبيد واستولى الفرس على الصليب المقدس وأخذوه معهم إلى النينوى . وبعد سبع سنين وبخدعة عسكرية استطاع هرقل الانتصار على الفرس والوصول حتى عاصمتهم النينوى وعقد اتفاقية سلام نصت على عودة الحدود إلى مكانها وإعادة الأسرى والصليب المقدس فحمل هرقل الصليب وهو عاري القدمين وعاد به إلى القدس ثم نقله إلى القسطينطينة وقام بإعادة بناء كنيسة القيامة وكنيسة الصعود لكنه لم يعيد بناء باقي الكنائس ولم يسعفه الوقت لذلك حيث أن الجيوش الإسلامية بدئت في الوصول إلى بلاد الشام عام 636م العصر الاموي كان العصر الذهبي لمدينة القدس لما اولها الخلفاء الاموين من اهتمام منذ عهد معاوية بن ابي سفيان واخذ بيعته فيها كما فعل من بعده كل من عبد الملك بن مروان وسليمان بن عبد الملك . استمر في العهد العباسي الاهتمام بالقدس باعتبارها مدينة اسلامية مقدسة وزارها كل من الخليفة ابو جعفر المنصور والخليفة المهدي وقام كل من الاثنين باعادة بناء الجامع القبلي(الاقصى) في المسجد الاقصى حيث تعرض للهدم نتيجة للزلازل التي ضربت المدينة اما الخليفة المامون فاجرى ترميمات على قبة الصخرة ووضع اسمه كباني للقبة الصخرة( ونسي العمال تغير تاريخ البناء ) وامر الخليفة المقتدر بصنع ابواب لقبة الصخرة . حكمت فلسطين خلال ضعف الخلافة العباسية من الطولونيون 807م ثم تبعهم الاخشيديون 940 م حيث حرص الامراء الاخشيديون على ان يدفنوا داخل مدينة القدس . وصل الفاطميون(مذهبهم شيعي ) الى القدس بالمرة الاولى عام 969-1070م والثانية 1098-1099م وبينهم حكم الاتراك السلاجقة (مذهبهم سني شافعي ) وقد كانت فترة اضطراب وعدم استقرار نظرا لصراعهم على بلاد الشام مع العباسيين والقرامطة والسلاجقة . ورغم اختلافهم المذهبي مع اهل بلاد الشام الا ان ذلك لم يمنعهم من الاهتمام بمباني المسجد الاقصى (الجامع القبلي وقبة الصخرة ) بعد الزلازل التي ضربتهم. حيث قام الظاهر عام1022م اعادة بناء الجامع القبلي وحذف أربعة اروقة من كل جانب اما الواجهة الشمالية من نفس المبنى جددها المستنصر عام 1099م كما انشاء بالمدينة خلال العصر الفاطمي البيمارستان ودار العلم والتي كانت بموقع كنيسة سانت حنا . في اوائل حزيران عام 1099م وصلت قوات الفرنجة الى اسوار مدينة القدس وبداوا حصارها الذي انتهى بعد اربعين يوما بسيطرة على المدينة التي كانت تعج بعشرات الاف من السكان الذين لجاء اغلبهم اليها هربا من جيوش الفرنجة وتبع ذلك مذبحة للرجال والنساء والاطفال والتجاء البعض الى المسجد الاقصى للنجاة من الذبح الا ان ذلك لم يشفع لهم ولم ينجوا من الذبح الا الحامية الفاطمية التي فرت من المدينة ومن استطاع الهروب ومن اسر بعد المذبحة استخدم بتنظيف الجثث . افرغت المدينة من كل سكانها المسلمين ولم يسمح للنصارى الفارين بالعودة الى المدينة وجرى خلال حكم الفرنجة تغير للسكان كم ذكر ) حيث ذبح اوو طرد السكان الاصليون وسكن الفرنجة واستقدموا مسيحيون من الاردن للسكن معهم في المدينة وتغير عمراني حيث غيرت مباني اسلامية مثل قبة الصخرة اصبحت معبد الرب والمسجد القبلي (الاقصى)الى سكن لرهبان( فرسان الدودارية ) ودار العلم الى كنيسة سانت حنا لكن الاخيرة هدمت واعيد بنائها . وبنيت عدة كنائس جديدة في المدينة واعيد بناء كنيسة القيامة واصلحت اسوار المدينة. بينما بنى اخوه العادل الكاس داخل المسجد الاقصى اما ابن العادل الملك المعظم فبنى عدة مباني داخل القدس والمسجد الاقصى وجدد بعض ابواب وقناطر المسجد وشهدت تلك الفترة انشاء العديد من المدارس والمباني الصوفية كما اعيد بناء البيمارستان وبعد ان امر صلاح الدين بترميم الاسوار قام ابن اخيه المعظم عيس بهدم تحصينات المدينة.