مُهْطِعِينَ ) أي: مسرعين إلى إجابة الداعي حين يدعوهم إلى الحضور بين يدي الله للحساب لا امتناع لهم ولا محيص ولا ملجأ، ( مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ) أي: رافعيها قد غُلَّتْ أيديهم إلى الأذقان، فارتفعت لذلك رءوسهم، ( لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) أي: أفئدتهم فارغة من قلوبهم قد صعدت إلى الحناجر لكنها مملوءة من كل هم وغم وحزن وقلقيقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ) أي: صف لهم صفة تلك الحال وحذرهم من الأعمال الموجبة للعذاب الذي حين يأتي في شدائده وقلاقله، ( فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) بالكفر والتكذيب وأنواع المعاصي نادمين على ما فعلوا سائلين للرجعة في غير وقتها، ( رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) أي: ردَّنا إلى الدنيا فإنا قد أبصرنا، ( نُجِبْ دَعْوَتَكَ ) والله يدعو إلى دار السلام ( وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ) وهذا كله لأجل التخلص من العذاب وإلا فهم كذبة في هذا الوعد وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ولهذا يوبخون ويقال لهم: ( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ ) عن الدنيا وانتقال إلى الآخرة، فها قد تبين حنثكم في إقسامكم، ( وَ ) ليس عملكم قاصر في الدنيا من أجل الآيات البينات، بل ( سَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ) من أنواع العقوبات؟ وكيف أحل الله بهم العقوبات، حين كذبوا بالآيات البينات، وضربنا لكم الأمثال الواضحة التي لا تدع أدنى شك في القلب إلا أزالته، فلم تنفع فيكم تلك الآيات بل أعرضتم ودمتم على باطلكم حتى صار ما صار، ووصلتم إلى هذا اليوم الذي لا ينفع فيه اعتذار من اعتذر بباطل.  وَقَدْ مَكَرُوا ) أي: المكذبون للرسل ( مَكْرَهُمْ ) الذي وصلت إرادتهم وقدر لهم عليه، ( وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ) أي: هو محيط به علما وقدرة فإنه عاد مكرهم عليهم وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ  وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) أي: ولقد كان مكر الكفار المكذبين للرسل بالحق وبمن جاء به - من عظمه- لتزول الجبال الراسيات بسببه عن أماكنها، أي: مَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا لا يقادر قدره ولكن الله رد كيدهم في نحورهم. ويدخل في هذا كل من مكر من المخالفين للرسل لينصر باطلا أو يبطل حقا، والقصد أن مكرهم لم يغن عنهم شيئا، ولم يضروا الله شيئا وإنما ضروا أنفسهم. فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ يقول تعالى: ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ) بنجاتهم ونجاة أتباعهم وسعادتهم وإهلاك أعدائهم وخذلانهم في الدنيا وعقابهم في الآخرة، فهذا لا بد من وقوعه لأنه، وهذا أعلى ما يكون من الأخبار، وللعقول الصحيحة، وذلك في يوم القيامة، لا تبديل ذات، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتكون السماء كالمهل، من شدة أهوال ذلك اليوم ثم يطويها الله - تعالى- بيمينه.  وَبَرَزُوا ) أي: الخلائق من قبورهم إلى يوم بعثهم، ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء، ( لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) أي: المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله العظيمة، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه.  وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ ) أي: الذين وصفهم الإجرام وكثرة الذنوب، ( يَوْمَئِذٍ ) في ذلك اليوم ( مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ ) أي: يسلسل كل أهل عمل من المجرمين بسلاسل من نار فيقادون إلى العذاب في أذل صورة وأشنعها وأبشعها.  سَرَابِيلُهُمْ ) أي: ثيابهم ( مِنْ قَطِرَانٍ ) وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ونتن ريحها، ( وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ ) التي هي أشرف ما في أبدانهم ( النَّارُ ) أي: تحيط بها وتصلاها من كل جانب، وليس هذا ظلما من الله لهم وإنما هو جزاء لما قدموا وكسبوا، ولهذا قال تعالى: ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ) من خير وشر بالعدل والقسط الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه.  إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) كقوله تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ويحتمل أن معناه: سريع المحاسبة فيحاسب الخلق في ساعة واحدة، كما يرزقهم ويدبرهم بأنواع التدابير في لحظة واحدة لا يشغله شأن عن شأن وليس ذلك بعسير عليه. وجميع العلوم التي يحتاجها العباد.  وَلِيُنْذَرُوا بِهِ ) لما فيه من الترهيب من أعمال الشر وما أعد الله لأهلها من العقاب، ( وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) حيث صرف فيه من الأدلة والبراهين على ألوهيته ووحدانيته، ما صار ذلك حق اليقين،