هو فن آخر يرجع إلى هذا الكلام في العبارتين ترى أنهما يؤديان غرضا واحدا وإذا كان هذا هكذا، نحو أن يقول بدل " أسد " : " ليث " وبدل " بعد " : " نأى " ومكان " قرب " : " دنا " . أم ذلك ما لا يذهب إليه عاقل ولا يقوله من به طرق؟ كيف؟ ولو كان ذلك معارضة لكان الناس لا يفصلون بين الترجمة والمعارضة . ولكان كل من فسر كلاما معارضا له . وأن يكون الواضع نفسه في هذه المنزلة معارضا على وجه من الوجوه، وإلى ما يدل عليه بالألفاظ، لأنه إذا لم يكن في القسمة إلا المعاني والألفاظ وكان لا يعقل تعارض في الألفاظ المجردة، لم يبق إلا أن تكون المعارضة معارضة من جهة ترجع إلى معاني الكلام المعقولة، دون ألفاظه المسموعة . وإذا عادت المعارضة إلى جهة المعنى، وكان الكلام يعارض من حيث هو فصيح وبليغ ومتخير اللفظ، حصل من ذلك أن " الفصاحة " و " البلاغة و " تخير اللفظ " عبارة عن خصائص ووجوه تكون [ ص: 260 ] معاني الكلام عليها، حتى تتجاوز حد العلم بالشيء مجملا إلى العلم به مفصلا وحتى لا يقنعك إلا النظر في زواياه والتغلغل في مكامنه، وإنا لنراهم يقيسون الكلام في معنى المعارضة على الأعمال الصناعية كنسج الديباج وصوغ الشنف والسوار وأنواع ما يصاغ، وكل ما هو صنعة وعمل يد، فيجيء آخر ويعمل ديباجا آخر مثله في نقشه وهيئته وجملة صفته حتى لا يفصل الرائي بينهما ولا يقع لمن لم يعرف القصة ولم يخبر الحال إلا أنهما صنعة رجل واحد، وخارجان من تحت يد واحدة . وهكذا الحكم في سائر المصنوعات كالسوار يصوغه هذا،