بعيداً عن جو الخلاف بين جاهلٍ أحمق ينكر عذاب القبر وبين آخر يفند آدلة العذاب من الكتاب والسنة، أحببت أن أتحدث عن ظاهرة الرعب والخوف التي أصابت الكثير من الناس من خلال سماعهم لخطبٍ ومواعظ عن عذاب القبر، كانت عنوانين رنانة عند الكثير من الخطباء، فاجتمعت كلمات العذاب وآدلته مع صوت خشن يرتفع رنينه وصداه بين كلمات الخطبة ومطباتها، ولا أنكر أن هناك من الخطباء من هو صاحب حكمة يصنع من كلامه بشارةً ونذارة، ولكن فئةٌ أخرى ما زالت تستخدم أسلوب التخويف والترهيب دون استثناء مما جعل الكثير من الناس يتساءل بعض الأسئلة ومنها: أولاً نقول كما قال حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن القبر أول منازل الآخرة)) ولكن ذلك لا يعني أنها منازل خلودٍ للعذاب والعياذ بالله. لماذا لا يحدثنا شيوخنا عن نعيم القبر؟ لماذا لا يحدثونا عن جميل اللقاء بربنا في أول منازل الآخرة والتي أعد الله فيها لعباده الصالحين رؤية طيبة وروضةً من الجنان؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((القبر إما روضةٌ من رياض الجنة أو حفرةً من حفر النار)) فلماذا لا تسمع عن تلك الروضة الخضراء الطيبة وما فيها من نعيم؟ لماذا لا يقولون لنا بأننا حين نموت وننتقل لدارٍ آخرى سوف نكون بين يدي أرحم الراحمين؟ بين يدي الله عز وجل خالقنا من هو أرحم بالمرء من أمه التي ولدته. كما قال النبي صل الله عليه وسلم حين رأى دابةً تبعد حافرها عن إبنها حتى لا تؤذيه. فقال للصحابة إن ربّنا أرحم بنا من الأم على إبنها. وفي قصة أخرى قال لهم: أترون هذه الام ملقيةً طفلها في النار؟ قالوا: لا يارسول الله، قال: فإن الله ارحم بكم من هذه الأم بوليدها. فخاف الناس أشد خوف فأصبح عند البعض وسواساً قهرياً من الخوف. لماذا يكرّهونا بالموت ويخوفوننا منه؟ حتى صرنا نحس بأن ربنا سوف يعذبنا عذاباً لا يخطر على عقل بشر؟ فصار بعض الناس يظن أن القبر هو مسكنٌ فقط للأقرعين منكر ونكير ولم يعرف الناس أن هذا العبد ربما يكون من الذين يحسنون الإجابة بفضل قوة الإيمان فيكون قبره مورداً منيراً فيقول ربنا جل جلاله: صَدَقَ عَبْدي! فَأفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّة وأطْعِمُوهُ مِنَ الجَنَّة وافْتَحُوا لَهُ بابًا إلى الجَنَّة فَيَأتِيه من رَوْحِها ورَيْحَانِها وينْظُرُ إلى مقعده من الجَنَّة. فيبدأ يلحّ على ربّنا: ربِّ أقِمْ الساعة، ربِّ أقِمْ السَّاعَة! حتى يطمئن ويذهب إلى جنته. ماذا لا نقول بإن الله سوف يرحم؟ وهذا فضل الله ونعمة الله التي تعودنا لطفها منه سبحانه وتعالى. لماذا لا يحدثوننا عن أحوال الصالحين في قبورهم؟ حتى نسعى لنكون منهم بأن أرواحهم منعمة طوافةً بين الأرواح، لهذا نحن مطالبون بالدعاء . هناك مسلم عاصٍ ولكنه ليس كافراً بالله، قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس أن تصيبه. ربنا قال لنا ما يريده منّا وما لا يريده، فالخيار بين أيدينا ورغم تقصيرنا نعرف أن ربنا ربٌ رحيمٌ بنا،