يَحكي عليُّ بنُ أبي طالب رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا قام إلى الصَّلاةِ المكتوبةِ أو النَّافلة، قال: وجَّهتُ وجهي، بمعنى أخلَصْتُ عِبادتي للهِ، أي: ابتدَأ خَلْقَهما مِن غيرِ مثالٍ سبَق، "حنيفًا" والحنيفُ عند العربِ مَن كان على دِينِ إبراهيمَ عليه السَّلام، والمُشرِكُ يُطلَقُ على كلِّ كافرٍ؛ إنَّ صلاتي "ونُسُكي": النُّسُكُ هو العبادةُ، والنَّسيكةُ كلُّ ما يُتقرَّبُ به إلى الله تعالى، وتطلَقُ على الذَّبيحةِ الَّتي يُتقرَّبُ بها لله تعالى، أي: هو خالقُهما ومُقدِّرُهما، وقيل: طاعاتُ الحياةِ والخيراتُ المضافةُ إلى المماتِ كالوصيَّة والتَّدبيرِ، أو ما أنا عليه مِن العبادةِ في حياتي وما أموتُ عليه خالصةً لوجهِ الله، أي: بالتَّوحيدِ الكاملِ الشَّاملِ للإخلاصِ قولًا واعتقادًا، أي: المالكُ الحقيقيُّ لجميعِ المخلوقاتِ، أي: معترفٌ بأنَّك مالكي ومُدبِّري، وحُكمُك نافذٌ فيَّ، واهدِني لأحسنِ الأخلاقِ، أي: أرشِدْني لأكمَلِها وأفضلِها، ووفِّقْني للتَّخلُّقِ بها، أي: أُقيمُ على طاعتِك وامتثالِ أمرِك إقامةً متكرِّرةً، أي: مُساعدةً لأمرِك بعد مساعدةٍ، ومتابعةً لدِينِك بعد متابعةٍ، معناه: الإقرارُ بأنَّ كلَّ خيرٍ واصلٍ إلى العبادِ ومَرْجُوٍّ وصولُه، أي: لا يُنسَبُ الشَّرُّ إليك، أى: تَوْفِيقي بك والتِجائي وانتمائي إليك، هذا ثناءٌ على اللهِ عزَّ وجلَّ بأمرينِ: أحدهما التَّبارُكُ، فاللهُ سبحانه وتعالى عَلِيٌّ بذاتِه، أي: لك ذلَلْتُ وانقَدْتُ، أو لك أخلَصْتُ وَجْهي، أي: خضَع وتواضَع لك سَمْعي وبصَري، خصَّهما مِن بين الحواسِّ؛ لأنَّ أكثرَ الآفاتِ بهما، وهو عَصَبُه الَّتِي تَتَّصِل بِها المَفَاصِلُ والعِظَامُ وتَشُدُّها، فإذا رفَع رأسَه مِن الرُّكوعِ قال بعد قولِه: سمِع اللهُ لِمَن حَمِده: اللَّهمَّ ربَّنا لك الحمدُ مِلْءَ السَّمواتِ، ومِلْءَ ما شِئْتَ من شيءٍ بعدُ، أي: ومِلْءَ غيرِ السَّمواتِ والأرضِ ممَّا شِئْتَ، وإذا سجَد قال: اللَّهمَّ لك سجَدْتُ وبك آمَنْتُ، أي: خضَع له وذلَّ وانقاد، تبارَك اللهُ أحسنُ الخالقينَ، أي: المُصوِّرين والمُقدِّرين، أي: بعد فراغِه مِن ركوعِه وسجودِه، مِن آخرِ ما يقولُ بين التَّشهُّد والتَّسليم: اللَّهمَّ اغفِرْ لي ما قدَّمتُ، وفيه: الإرشادُ إلى الأدبِ في الثَّناءِ على اللهِ تعالى ومدحِه، بأن يُضافَ إليه محاسنُ الأمورِ دون مساوئِها على جهةِ الأدبِ. إنَّه لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنت» فيه: اعترافٌ بالتَّقصيرِ، كما قال آدمُ وحوَّاءُ عليهما السَّلام: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].