وقد شرح القرآن شيئاً من هذا التصور كما يقول تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَنَبَتَ عَلَيْنَا الْفِنَالَ لَوْلَا أَخَرْلَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ (١). ولذلك يعرف الناس قصصاً كثيرة لمقاتلين تمرغوا فوق ويعرف الناس بالمقابل أصحاء أشداء داهمهم الموت لماذا؟ لأن هذه الآجال محسومة قبل أن يخلق الناس، بل إن بعض الجهلة إذا ذكر له أن رجلاً من الناس مات في سبيل الله يقع في قلبه أن سلامته هو من هذا الموت الله ! وهذا نظير تفكير عبد الله بن أبي حين حكى الله تصرفه ومقالته : وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيْبَطِئَنَّ فَإِنْ أَصَبَتْكُم مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَى إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا ) . ولا يخطر بباله أن هذا الموضع الذي يمر به يحتمل أن يكون هو الذي كتب الله وفاته فيه بعد كذا وكذا من والمراد أن هذه اللحظة القادمة التي تنتظرني وتنتظرك لحظةً لا تقبل التأجيل ولا التقديم، قررها الجبار جل جلاله، كما قال تعالى: ﴿ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَخِرُونَ سَاعَةً ومن جملة التعلق بالأسباب المادية أن كثيراً من الساسة والأثرياء يتوهمون أنهم في قصورهم المشيدة أبعد عن مخاطر الموت من سكان الشقق والصفيح والأحياء العشوائية والقرآن يكشف هذا الشعور المزيف، حيث يقول تعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ ولذلك فإن فريقاً من الناس يكره فريضة (الجهاد) لأنه يظن أنها تقربه للموت! وينسى أن الموت قررت له ساعة فحتى لو سلمت من خطر معين، وسيأتي خطر لن تفر منه . «التحايد». وأما التحايد فهو أشبه بمحاولة التحاشي عن سهام الموت، وهو أن الإنسان يسير القدر المخبوء، حيث يقول تعالى: ﴿ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ أو مستشفى أو غيرها سنوات عديدة من عمره، عقلية بحتة، وما يمور فيها من الأحاسيس؛ أن بعض الناس يكره ذكر الموت، وأنه حين يذكره المشروعة في مدافعة الموت؛ يظن أنه سيؤجل يومه المكتوب، حين قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ تبكيتياً وافترض أن خطراً من الأخطار فحتى ما ستعيشه بعد ذلك سيظل فترة زمنية يقول تعالى: ﴿ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم من الناس من سيموت في هذا الشهر، النهاية المحتومة. ساعة مكتوبة قريبة منا سنغادر فيها هذه الحياة. السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، نحن نسير إليها الآن بالعد التناقصي . فإذا كان العام الماضي يفصلنا عنها ثلاث سنين، دقيقة من هذه اللحظة الحاسمة للانتقال للدار الآخرة جلسنا في منزله وقدم بعض الناس يعزون، ومكثت ليالي وصورته لا تفارق وأعيد تذكّر كل كلمة قالها حين كان في ضيافتي الأربعاء الذي سبق وفاته. أزيزاً في داخلي ما استطعت. والمعزون يقدمون عليهم، أطالع وجوه الناس، للعزاء، ويوسد لحده، في مكاني لا أعرف ماذا أصنع . ثم اتصلت ، المتهدج، وسألته : أبو عبد الكريم . فقاطعني، عبد الكريم يطلبك الحل. انتظرنا سويعةً، وكشف لنا وقبلت بين عينيه حياً وميتاً يا أبا عبد الكريم. ث جلسنا نتجاذب أطراف الحديث، فأثار صاحبي مسألة (صلاة الجماعة للمسافر)، وطلب مني كتباً عن هذا الموضوع . ثم استأذن صاحبي وغادر. وفي يوم الجمعة الذي يليه اتصلت فقالت لي : توفي، صمتُ ، وودعت الوالدة وأغلقت الهاتف، بشكل خاطئ، وثلاثين وأربعمائة وألف قدم إلى الرياض أحد أقاربي وكانت بيني وبينه مودة حميمية خاصة، الساعة ما رأيت مثله في سلامة القلب للناس،