وقد حدثت هذه الهجرة نتيجة للصراع الدائر بين عُمان الطامحة للاستقلال الذاتي من جهة والدولة الأموية في دمشق الراغبة بإخضاع جميع الأقاليم المحيطة سلطة الدولة من جهة أخرى. إن ارتحال هذين الأميرَين إلى ساحل أفريقيا وما تبعه من هجرة لأنصارهما، وقد أكد أحد الباحثين على أن التجار العُمانيين ومنذ القرن العاشر للميلاد، وقد ساعدت الهجرات العُمانية إلى أفريقيا على ازدهار المدن الساحلية وأصبحت هناك مدن متناثرة على طول الساحل الأفريقي كمقديشو، كل هذه المدن تجمع بين السكان الأفارقة إضافة إلى العرب الوافدين القادمين بديانتهم ودعاتهم، سواء من الساحل العُماني أم غير ذلك من سواحل البلدان المجاورة كما هو عليه الحال لسكان اليمن وحضرموت. كما يشير ابن بطوطة الرحالة المشهور إلى رحلة بحرية حملته من جزيرة كلوة إلى ظفار، ونعود للمؤرخ المسعودي الذي ركب هذا الخطَّ البحري بنفسه من جزيرة مدغشقر إلى عُمان عام 304هـ(6) حيث تحدث عن وجود ربابنة عُمانيين. وقد اتخذ بعضها خيار الهجرة إما لدوافع سياسية أو لدوافع تجارية، وقد أشارت كتب التاريخ إلى هجرة لقبيلة عُمانية أخرى هي قبيلة النباهنة في أوائل القرن السابع الهجري إذ أقامت تلك القبيلة سلطنة إسلامية لها في «بات» ظلت موجودة حتى عام 1861م(11). ويبدو أن قبيلة النباهنة في «بات» في أرخبيل «لامو» (كينيا حاليا) قد جاءت متزامنة مع حكم هذه الأسرة لعُمان خلال الفترة من عام 500هـ وحتى قيام الدولة اليعاربة أي عام 1024هـ. إن هذا النزوح والاندماج العربي قد تكرر في أكثر من مدينة على طول الساحل الأفريقي كما هو الحال عليه في ممباسا حيث استوطنتها عائلات من قبيلة المناذرة العُمانية وكذلك قبيلة المزاريع حيث تسلسلت الريادة والحاكمية في بعض هذه الأسر إلى عدد من السلاطين والزعماء، إن الحدث البارز في العلاقات العُمانية الأفريقية قد تُوِّج بأمرين بارزين يجدر الإشارة إليهما، أولا: مساندة العُمانييـن لإخوانــهم الأفارقة في إنهاء الوجود البرتغالي: وذلك أنَّ الساحل الأفريقي قد تعرض لاحتلال برتغالي تام كما جرى لعُمان والسواحل العربية والإسلامية الأخرى حيث قاوم العُمانيون هذا العدوان على أراضيهم مدة قاربت المائة والخمسين عاما. وتُعَدُّ الفترة من عام 1498م وحتى عام 1730م فترة الصراع بين البرتغاليين من جانب، وذلك منذ لحظة وصول «فاسكو دي جاما» إلى «مُمْبَاسَا» عام 1498م(14). وقد كلف تحرير ممباسا العُمانيين جهدا كبيرا حتى يمكن القول: إنه من الإنجازات البارزة التي تسجل لتاريخ الدولة اليعربية(16). هَذَا هُوَ الفَتْحُ العَظِيمُ الأَزْهَرُ . فَالحَمْدُ للهِ الذِي نَصَرَ الوَرَى . عَدْلٌ أَبِيٌّ يَعْرُبِيٌّ خَاشِعٌ لِلـ . بَعَثَ الجُيُوشَ إِلَى النَّصَارَى غَازِيًا . ولقد صور ملك «مُمباسا» الذي شهد تدمير مدينته على يد البرتغاليين صورة معاناة شعبه في رسالة موجهة إلى جاره ملك ماليندي قائلا إن الغازي «لم يكتف بقتل الرجال وحرقهم، وعليه فإن الفتح العُماني للساحل الأفريقي يعد بحق بمثابة الرحمة التي أنقذت الساكنين من نير الطغيان الذي عصف بهم فترة من الزمن. ثانيا: نشوء السلطنة العُمانية في زنجبار على الساحل الأفريقي: واتسع مدى الاتصال البحري تجاريا واجتماعيا بين الجانبين حتى اقتضت الحاجة نشوء دولة عُمانية على الساحل الأفريقي كانت مركزا للإشعاع الحضاري والإسلامي والعربي واستمر لعصور طويلة. ويعد حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي 1804_1856م تحولا بارزا في سماء العلاقات العُمانية الأفريقية، كما امتدت سلطة السيد سعيد إلى جميع الجزر الأفريقية الشرقية وكان نفوذه يمتد شمالا وجنوبا حتى قبل: إنه إذا ضرب السيد سعيد طبله في زنجبار، هذا النفوذ في الشرق الأفريقي أدى بدوره إلى قيام دولة إسلامية عربية لها تاريخها وتراثها فطبعت الساحل الأفريقي بطابعها الإسلامي- العربي المتميز وهو ما سهل انتشار الإسلام كدين جديد بين السكان المحليين، كما أوفد السيد سعيد سفيره أحمد بن نعُمان الكعبي إلى أمريكا سنة 1840م ليصل إلى نيويورك على السفينة سلطانة(25). وكانت الدروس تلقى في أروقة المساجد على يد نخبة من الرجال الأفذاذ الذين بلغوا أعلى المستويات الدينية(27). العُمانيـون ونشر الإسـلام والثقافـة العربية: ليس خافيا على أحد الأثر الذي أحدثه العُمانيون بنشر الإسلام على الساحل الأفريقي وكيف كان ذلك بفعل الاستيطان السكاني واندماج العُمانيين مع السكان الأصليين فكان أن نقلوا ثقافتهم ولغتهم، ولم يكن أمر نشر الإسلام ليمر دون تضحيات ومصاعب تصدى لها هؤلاء الوافدون، لكن الإصرار والعزيمة كانا من عوامل النجاح فأمكن للإسلام أن يرفع رايته، ولكن الإنجاز كان أعظم إذ تسنى لنور الإسلام أن يضيء سناه هذا الجزء الهام من القارة الأفريقية. كما أثار ذلك دهشة «فاسكو دي جاما» عندما وفد على هذا الساحل الأفريقي عام 904هـ فوجد أهلها قد تطبعوا بطابع العرب من العُمانيين في عاداتهم ولباسهم، ولعلنا نتعرض إلى دورهم في نشر الإسلام من ناحيتين: الناحية الأولى من دور الدعـاة العُمانـيين في نشر الإسلام: وندلل على ذلك بالقصة التي يوردها الكاتب جراي عن الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري التاجر العُماني الذي وصل من زنجبار إلى بلاط الملك (سنا) بمملكة يوغندا عام 1260هـ/1843م، وذلك وسط دهشة المشاهدين مخاطبا ومعاتبا له قائلا: «مولاي إنَّ هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات الله ــــ سبحانه وتعالى ــــ الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة». وقد أخبرني غير واحد من العُمانيين القادمين من شرق أفريقيا ـــــ الذين نشأ عدد من العاملين الأفارقة الوثنيين في مزارع آبائهم ـــــ عن دور العُمانيين في نشر الإسلام بين هؤلاء المزارعين من خلال تعليمهم مبادئ الدين الإسلامي وكذلك تسميتهم وتنشئتهم وتزويجهم على أسس الإسلام وتعاليمه. ومن الأسماء التي ترددت في وثائق الكنيسة أسماء عُمانيين قاوموا هذا النشاط كمثل الشيخ سليمان بن زاهر الجابري، الناحية الثانية من دور العلماء العُمانيين في نشر الإسلام: وتعد زنجبار بعد قيام الدولة البوسعيدية قصبة العلم التي هوت إليها أفئدة العلماء، وقد تنوعت الأسباب والدوافع التي حدت ببعض العلماء للهجرة نحو الساحل الأفريقي، تِلكَ المعَاهِدُ مَا عَهْدِي بِهَا انْتَقَلَتْ . نَزَحْتُ عَنْهُمْ بِحُكْــــمٍ لاَ أُغَــالِبُهُ . ومدهم بالعون والمؤازرة والاعتماد عليهم في ترسيخ قدم الدولة وبسط نفوذها شجع على الهجرة والاستيطان على الساحل الأفريقي، نذكر من بينهم العلامة المشهور الشيخ ناصر بن أبي نبهان الذي انتقل بصحبة السلطان سعيد بن سلطان إلى شرق أفريقيا، إلا أنه استقر بعُمان وتوفي فيها عام 1263هـ ولا يزال قبره معروفا هناك(36). وكذلك كتابه المسمى «لطائِفُ الـمِنَن في أحكَامِ السُّنَن» وقد بوب فيه الشيخ «الجامع الصغير» للإمام جلال الدين السيوطي. وللشيخ أيضا كتاب في الطب سمَّاه: «السرُّ الجلي في ذكر أسباب النبات السواحلي» حيث شرح فيه فوائد النبات والأشجار الموجودة بالساحل الأفريقي، وله كتب أخرى كمثل "نور التوحيد" وكذلك كتاب "الرد على النصراني الكندي" الذي رد فيه على أحد النصارى في عهد الخليفة المأمون. العالم الشاعر أبو مسلم بن ناصر سالم بن عديم البهلاني الذي له عدة مؤلفات مشهورة مثل «نثار الجوهر» وهو كتاب في الفقه، وكتاب «النور المحمدي» و«الكنوز الصمدية في المفاخر المحمدية»،