هيكل القصيدة في العصر الجاهلي. ذكرنا قبل أنّ القصيدة الجاهلية مرت بمراحل متعاقبة قبل أن تأخذ صورتها الكاملة في المعلقات، وأنّ أوّل صور النظم - كما يرى أكثر الدارسين - مقطعات الرجز، وأن العرب اكتشفوا بعد ذلك أوزاناً أجمل من وزن الرجز وأغنى أصواتاً وإيقاعاً، ثم تحولت المقطعات إلى مطوّلات، يحافظ فيها الشاعر على وزن واحد وقافية واحدة وروي ، واحد، أو تحريكه بحركة واحدة . ووضعوا لها أصولاً، استمدوها من النموذجات الجيدة في الشعر الجاهلي، وسفهوا الخارجين على هذه الأصول. أول هذه الأصول الاهتمام بالمطلع ، بعيد التأثير في النفس، قادراً على اجتذاب الأسماع، بريئاً من التكلف في الصياغة، والركاكة في التركيب فيه جدة وابتكار. والمطلع - في رأي ابن رشيق - مفتاح القصيدة، وهو لا يفتح باباً واحداً فحسب، ويدخل معه القارئ والسامع، بل يفتح أبواب القلوب التي تدخل منها معاني القصيدة وصورها ومشاعرها نفوس السامعين. أوله مفتاحه ، فإنّه أوّل ما يقرع السمع، وبه يستدل على ماعنده من أول وهلة ثم يسوق مثلاً يمثل جودةالابتداء، » أو وربّما هجم الشاعر على غرضه بلا مقدمة، أحمد زكي اختفاء المقدمات في كثير من شعر الهذليين، أو ضمورها . ويحاول الدارسون المحدثون أن يفسروا عناية الشاعر الجاهلي بمقدمته، يخلو فيه الشاعر إلى نفسه، وقسم عام يخرج فيه الشاعر من الذات إلى الواقع طويل تطغى فيه قضايا القبيلة على ذات الشاعر. وربما كان زهد الهذليين في المقدمات نابعاً. أو من فقدان الماضي لأنّه لم يكن لهم أبداً عهد قديم يذكرونه. وفي قوله تعميم وقطع لايسيغهما النقد الموضوعي . من غزل أرق من غزل عمر بن أبي ربيعة كرائية أبي صخر الهذلي التي مطلعها لليلى بذات البين دار» أو رثاء أصدق من رثاء الخنساء لأخويها كرثاء أبي ذؤيب لبنيه بالعينية المشهورة «أمن المنون وريبها تتوجع». ادعاء لا يؤيده دليل ـ فإنّ فيهم غرائز وملكات ومنازع إنسانية تجعلهم يحسون ما يحشه فيحبون ويكرهون ويفرحون ويحزنون ويقفون قانتين أمام الموت القاهر، والطلل الدارس .