طلائع العصر العقلي تقع فى قلب العصر الماضي : عصر الشعر العاطفي ، فإلى جانب شعر أبن أبي ربيعة ومدرسته ، وجميل العذري ومدرسته، يقع شعر آخر من لون آخر يخالف في اتجاهاته وموضوعاته شعر مدرستي الغزل الكبريين، ولا يعتمد على نفسه اعتمادهما على نفسيهما . فهو يتكئ على القديم، ومصدر وحي : في الصورة ، وذلك هو شعر المدرسة العراقية . وقصصهما قد استحقا منا أن نصفهما بالشعر الرومانتيكي ( التجديدي العاطفي ) فإن شعر المدرسة العراقية يقف منهما في الجانب المقابل يمثل الشعر الكلامي ( التقليدي ) . وقد سبق أن قلت إن هذين اللونين من الشعر قد اشتقا من تقاليد الشعر الجاهلي . غير أن الشعر الحجازى لم يعتمد من هذا الشعر إلا على مجموعة بعينها : هي المعلقات، مما يؤكد الأخبار المتواترة عن وجود صورها معلقة على الكعبة في العصر الجاهلي . بل إنه لم يتجه من هذه المعلقات إلا إلى مقدماتها الغزلية ، فاستعار خطوطها وظلالها ليبنى عليهما فنه الضخم ، الذي نما على الأيام حتى استحال صرحا مشيدا جبارا، فيه كل ما يلزم الأثر الرائع من شرائط الحياة، والواضح البين جدا من اتجاهات الشعر الحجازي المستقلة ، ومن الواقع العادي الذي يكشف عنه تتبع هذا الشعر، أن الثروة الهائلة من الشعر الجاهلي التي وقعت للعراقيين، لأمور سنبينها فيما بعد، لم يقع مثلها ولا قريب منها للشعر الحجازي .