يعرف العالم في القرن العشرين تطورا هائلا في مجال التكنولوجيا والتقنية، وقد نتج عن هذا التقدم العلمي والتقني انتشار لشبكة الأنترنت وظهور تأثيرات عديدة على طبيعة وعمل النظم الإدارية، والتي تراجعت معها أشكال الخدمة العامة التقليدية إلى نمط جديد يركز على البعد التكنولوجي والمعلوماتي في تقديم مختلف الخدمات العمومية، وجعلها قائمة على الإمكانات المتميزة للانترنت وشبكات الأعمال ألا وهو نمط الإدارة الإلكترونية، فالتحول نحو هذا النمط من الإدارة أصبح يمثل مفهوم يعبر عن السرعة والتفاعل الآني واختراق الحدود، ويتجلى ذلك في التغييرات التي طرأت على مفهوم الخدمة العمومية، ليؤسس إلى نهاية الإدارة العامة التقليدية، فنموذج الإدارة الإلكترونية وما يحمله من آثار إيجابية يعمل على توفير الكثير من فرص النجاح والوضوح والدقة في تقديم الخدمة وإنجاز المعاملات، حيث أصبح يمثل ثورة تحول مفاهيمي ونقلة نوعية في نموذج الخدمة العمومية. والجزائر كغيرها من الدول التي تسعى جاهدة بشتى الوسائل لمواكبة هذا التطور وإرساء مجتمع يعتمد على المعلومات وتكنولوجيا الاتصال من خلال عصرنة قطاعاتها العمومية في مختلف المجالات بالاعتماد على شبكة الإنترنت، والتحول التدريجي من الإدارة التقليدية نحو الإدارة الإلكترونية، ويعد قطاع التعليم العالي في الجزائر من بين أهم القطاعات التي سايرت هذا النهج الإلكتروني، وذلك بعدما كانت تعتمد على المعاملات التقليدية من خلال اكتظاظ الملفات والوثائق الورقية على الموظفين، وانتظار الطلبة في طوابير لاستخراج الوثائق بالإضافة إلى الروتين وغيرها من العوامل التي تقف حائلا دون تطور النظم الإدارية الحالية كمشاكل البيروقراطية وانعدام الشفافية، ومن أجل التقليل من هذه المشاكل سعت الحكومة الجزائرية لرسم استراتيجية لمواكبة حركة التقدم في المجال التكنولوجي من خلال تبني مخطط عمل متناسق وصارم بهدف تعزيز كفاءات والمؤسسات الجامعية للارتقاء إلى مستوى التحولات السريعة التي يشهدها العالم في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ولهذا فقد أطلقت وزارة التعليم العالي عدة منصات ومواقع تعمل على رقمنة خدماتها، وهي بذلك تخطو خطوة هامة في الدخول إلى مجال الإدارة الإلكترونية، باعتبارها كأحد أهم الاستراتيجيات المتبعة قصد تحسين الخدمة وتقريب الطالب أكثر من الإدارة وتبسيط الإجراءات الإدارية. فالتحول نحو الإدارة الإلكترونية يقتضي من المؤسسات إدارة وثائقها إلكترونيا، وهي عملية تنظيم وإدارة الوثائق الرقمية في مؤسسة مثل الجامعة، حيث تشمل الوثائق الإلكترونية أي سجلات أو وثائق تم إنشاؤها أو تخزينها أو معالجتها بشكل إلكتروني، وتلعب إدارة الوثائق الإلكترونية دورا مهما في تحسين الخدمة العامة بالجامعة من خلال تحقيق الكفاءة والتنظيم وتحسين الوصولية وتعزيز الأمان، كما توفر الكفاءة والوقت من خلال تسهيل عملية البحث والوصول إلى المعلومات المطلوبة بسرعة ودقة بدلا من البحث عن وثائق ورقية تقليدية، إذ تمكن إدارة الوثائق الإلكترونية الموظفين في الجامعة من الوصول إلى الوثائق الإلكترونية بنقرة واحدة، ما يوفر الوقت ويزيد الكفاءة في تنفيذ المهام، فيتيح هذا التنظيم الفعال للوثائق تحسين التعاون وتبادل المعرفة وتسهيل العملية التعليمية والبحثية. على الرغم من أن إدارة الوثائق الإلكترونية قد تعزز الكفاءة وتحسن الخدمة العامة في الجامعة، إلا أن التحول الكامل إلى الوثائق الإلكترونية قد يواجه تحديات في التبني والتكيف مع التقنية الجديدة، إذ يواجه الموظفون في الجامعة صعوبة في التكيف مع التغيير واعتماد نظام إدارة الوثائق الإلكترونية بدلا من الوثائق الورقية التقليدية، بالإضافة إلى وجود فئة من الموظفين قد يكونون متشبثين بالأساليب والعمليات التقليدية ويواجهون صعوبة في التعامل مع التكنولوجيا الجديدة، وهو ما يحتم على الجامعة القيام بتدريب وتوجيه الموظفين لفهم فوائد نظام إدارة الوثائق الإلكترونية وكيفية استخدامه بشكل فعال.