الأدلة : أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول على مشروعية القضاء بعلم الحاكم في جميع الحقوق بالأدلة السابقة في المشروعية ، ولأن العلم الحاصل للقاضي في القصاص والأموال مساو للعلم الحاصل له بالحدود ، والأدلة لم تفصل بين الحقوق المالية والحدود (1) . واستدلوا على منع القضاء بعلم الحاكم في (٢) . ومن جهة أخرى فإن والقاضي نائب عن الله تعالى في استيفاء الحد فكان القاضي مدع وحاكم في آن واحد ، وهذه شبهة تسقط الحد . تحفة المحتاج : ١٠ من ١٤٨ ، معين الحكام : ص ١١٩ ، البحر الزخار . ۱۳۰ ، شرح الأزهار : 1 ص ٣٢٠ ، شرائع الاسلام : ٢ من ٢٠٧ ، ويقول في ( موجبات الأحكام : من (٢٥) : يحكم بعلمه إلا في الحدود والقصاص ، 1) البحر الزخار : ٥ من ١٣١ ٥٨٥ واختير الرنا، وتقاس بقية الحدود عليه أساس الحكم البينة ، وكان علمه ليس بينة في الرنا، ويعترض عليه أن الحديث الشريف لا يدل على وجود علم الرسول بالزنا ، بل الحديث صرح بعكس ذلك، وهذه الصفات مجرد قرائي ضعيفة لا تقوى على الثبات الزنا، لأنه يدرأ بالشبهات ، وضع العمل بالقرائن في الحديث الآخر من المرأة التي جاءت بالمواد على الوصف السكرية الحصول التلامي، ثالثة، وفي البخاري تعليقاً قال عمر العبد الرحمن بن عوف لو رأيت رجلاً على حدا قال أرى شهادك شهادة رجل من المسلمين، قال أميت، السهلي فيحكم بالإسلام، ولذا يستنى الإقرار بالحدود في مجلس الحكم ولو سراً 100، أما القصاص وعند القذف وحقوق العباد الأخرى فلا يحتاط في إسقاطها ، ولا تؤثر فيها الشبهة، ويتعلق بها من العام فلا تدخل في المنع ") رابعاً - المعقول أن الحدود من حقوق الله تعالى ولا مطالب لها ، وانظر الشخيص الشعر الحر من ١٠٠، صحيح البخاري مع محلية السدي و من ١١١ (1) من السماح ام عملية السماع من ١٩٢ الكني من DELL ٨٦ وتثور حوله التهم فيها ، لما ورد في الأثر : ورحم الله امرءاً جب الغبية عن نفسه. ويندب فيها الستر على عامة المسلمين ، القاضي وغيره ، وإذا كان غير القاضي لا يستطيع إقامة الحد ، قال الرخي : يجوز له أن يقيم الحد في القياس لأنه تيقن باكتسابه السبب الموجب للحد عليه وفي الاستحسان لا يقيم عليه الحد ، ولان الحدود التي هي من خالص حق الله تعالى يستوفيها الإمام على سبيل النيابة من غير أن يكون هناك خصم يطالب به من العباد ، فلو اكتفى بعلم نفسه في الإقامة ربما يتهمه بعض الناس. بالجور (۳) . وناقش الشيخ أحمد ابراهيم المتقدمين من الحنفية في دعوى الاحتياط في الحدود والمساواة بين القاضي والشخص العادي فقال : ( إن كان الاحتياط لأجل علمه هو فعلمه حاصل بيقين بالنسبة له فلا معنى لهذا الاحتياط، وإن كان التهمة في دعواه العلم فهذا كما يحصل في الحدود يحصل في غيرها ، والإلزام بالحقوق ، معين الحكام من ۱۱٩، حاشیه این عابدین :. ۳) السوط : ١٦ ص ١٠٤ (1) طرق الإنبات الشرعية : من ٢٢ ۵۸۷ المطلب الثالث المطفي موقف القانون من علم القاضي فمنح القاضي سلطة مطلقة في تقدير وسائل الإثبات ، ولكن القانون قدر النتائج السيئة التي تنتج عن السماح للقضاة بالحكم بعلمهم ، وما يترتب عليه من مقاسد ومظالم ، ونص على ذلك صراحة قانون البينات السوري في ( المادة . فلا يجوز للقاضي أن يبني قناعته على ما يكون قد اطلع عليه من وقائع خارج المحكمة وفي غير أطراف النزاع (۱) ، كما أجاز القانون للحاكم أن يحكم على من يحل بحرمة المحكمة وعمل الدكتور السنهوري منع القضاء بعلم القاضي فقال ، لأن علمه يكون دليلاً ، وهذا لا يجوز : (1) ، ويقول الدكتور مرقس : : فلا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه الشخصي ولا بما اشتهر شهرة عامة لانه يشترط أن يكون في وسع الخصم مراجعته وتفنيده ، مثل أن بيني عليه القاضي رأيه ، إنما ليس من قبيل قضاء القاضي بعلمه 1) أصول المحاكمات ، انطاكي : من ٤٥٧ ، المذكرة الإيضاحية القانون البينات السوري : من ١٢ ف ١١ . النظرية الإثبات المؤس ١ من ٢٥ (۲) الوسيط ، له : ٢ ص ٣٣، الدكتور عبد الباسط حميني ص ٣٤، رسالة الأثبات ، نشأت : ١ ص : له من ٣٢ أن يكون ما يحصله قد استفاه من خبرته بها لشئون العامة المفروض إلمام الكافة بها (1) . لما يثيره من الشبه والشكوك ، وما يترتب عليه من احتمال المفاسد والجور، واختلفا في حدوده وأوصافه ورأى القاضي أن المصلحة تقتضي أن يرى محل النزاع لكشف الحقيقة بنفسه ومعاينتها فهل يسري عليه الحكم السابق في علم القاضي ، وهل تعتبر معاينة محل النزاع قضاء بالعلم ؟ هذا ما مبحثه في الفصل التالي في موضوع المعاينة وبقي من الوسائل عدة طرق ، وبعضها يستخدمها عند فقد البينات الرئيسية فيلجأ إليها للنظر في القضية كاستصحاب الأصل ووضع اليد ، ورد الخصوم إلى الصلح وقسمة المتنازع فيه ، وهذه الطرق أدلة غير مقصودة ولا مباشرة فهي وسائل إدارية أكثر منها وسائل قضائية ، ولذلك فلا نتعرض لها إلا في مناطها في التعارض والترجيح في الفصل الخامس من الباب الثاني ، والاعتماد على أهل الخبرة وهما موضوع الفصل التالي إن شاء الله تعالى الفصل السابع في المعاينة والخبرة وفيه مبحثان المبحث الأول في المعاينة في أن يشاهد القاضي بنفسه أو بواسطة أمينه محل النزاع بين المتخاصمين المعرفة حقيقة الأمر فيه فالمعاينة تختلف عن علم الحاكم بأنها نتيجة مترتبة على رفع الدعوى في شي ، يحتاج إلى رؤية ومعاينة لبيان الحقيقة فيه وإدراك الواقع الملموس منه وهي أحد إجراءات الدعوى . وجزء من سير المحاكمة، وجعله مجلساً للقضاء، ليشرح كل منهما وجهة نظره وبذلك يستطيع القاضي تكوين قناعته، ويظهر أمامه الحق جلياً واضحاً ، ويحكم بناء على هذه المعاينة ، والعلم بمحل النزاع بالمعاينة أقوى من طريق الشهادة والكتابة فيه ، ويختلف عن القضاء بعلم القاضي الذي يكتبه المعاينة دليل مباشر ، باشره القاضي بنفسه بنفسه خارج مجلس الحكم، ويشكل إنفرادي، وقبل النظر في الدعوى ، وهو أن المعاينة تستند إلى رؤية أمور مادية لا مجال إلى إنكارها ، ولا تتغير أوصافها ويقوم بفحصه إذا أمكن إحضاره إلى مجلس القضاء ، وكالعلم في الخلف والإقرار ، وهذا ليس قضاء بعلمه ، وإنما هو قضاء بما ثبت عنده في مجلس القضاء ، كما إذا فحص البضاعة ووجدها تالفه أو فاسدة ، وكما إذا رأى البنت ووجد أن جسمها يتحمل الزواج مثلاً ، وتتحقق المعاينة أيضاً والحكم بها في مسائل الحسبة ، بحيث إذا رأى القاضي منكراً أو شاهد مخالفة للشرع أو أبصر غشا في السوق فإنه يعتمد على معايته ويحكم بموجبها والمعاينة وإن لم يعقد القفهاء لها باباً مع وسائل الإثبات ، والقاضي بالخيار إما أن يذهب بنفسه ، وإما أن يستحلف غيره ، ويبعث خليفة عنه للرؤية والمشاهدة ، فإذا كان المدعى به من المنقولات التي لا يمكن نقلها إلى مجلس القضاء الا بمؤونة وكلفة ، أما إذا كان المدعى به من المنقولات التي يمكن إحضارها بدون كلفة ولا مؤونة فإن القاضي يعاينها في مجلس القضاء ، ولا يعتبر ذلك حكماً بعلمه مثل معاينة العيب في المبيع ، وتلف البضاعة ، وغير ذلك ومثال القسم الأول : إذا حكم على الزوج بتهيئة البيت المناسب للزوجة ( البيت الشرعي أو بيت الطاعة ) ثم ادعت المرأة بأن البيت الذي أعده لسكناها غير صالح، فالقاضي يذهب بنفسه ليطلع على البيت ، ويحكم بعد معاينته بالمناسبة وعدمها ۱) دور الحكام في شرح غرور الأحكام ، مثلا خسرو : ٢ ص ٣٣٠ ، البحر الرائق : ٧ من ١٩٦ ، محمد جواد مغنية ( ص ۱۹۲ ، مجمع الأنهر : ٢ من ٢٠١ ، القوانين الفقهية ، ابن جزی ، ص ۳۰۰ ، الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد ٢٠ من ١٠ . ويؤيد ذلك قصة أبي سفيان ورجل من بني مخزوم عندما تحاكما إلى سيدنا عمر ، عن عروة وعن مجاهد أن رجلاً من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على أبي سفيان بن حرب أنه ظلمه حدا في موضع كذا وكذا من مكة ، فقال عمر : إني لأعلم الناس بذلك ، وربما لعبت أنا وأنت فيها ، ونحن غلمان ، فإذا قدمت مكة فائتني بأبي سفيان ، فقال له عمر : يا أبا سفيان ، انهض بنا إلى موضع كذا فنهض ، ونظر عمر ، خذ هذا الحجر من ههنا ، فإنك ما علمت قديم ظلم فاخذ أبو سفيان الحجر ووضعه فلو لم تكن المعاينة مشروعة ، لما ذهب سيدنا عمر إلى ذلك . وهذا إذا رأى ذلك في مصره الذي هو قاض فيه ، فأما إذا كان رأى ذلك قبل أن يتقلد الفضاء ثم استقضى فليس له أن يقضي بعلمه في ذلك عند أبي حنيفة ، لأن علمه بمعاينة السبب لا يختلف بما بعد أن يستقضى وقبله ، وهو أقوى من العلم الذي يحصل له بشهادة الشهود ، فإن معاينة السب تفيد علم اليقين ، وشهادة الشهود لا تفيده ذلك و (1) المعاينة في القانون : بحث القانون المعاينة كوسيلة في الإثبات، وأجاز للمحكمة حق اللجوء إلى المعاينة ها من نفسها أو يطلب الخصوم، لأنها تمكن المحكمة من معاينة محل النزاع بنفسها ، وتكون اعتقادها عن المدعى به لاستخلاص الحكم فيه ، وقد تكون المعاينة في بعض الأحوال الدليل القاطع الوحيد في الدعوى (۳) ونظمت لائحة المحاكم الشرعية مسائل المعاينة في المواد ( ۲۰۷ - ۲۱۰ ) بعنوان 1) المجرمر النقي : ١٠ ص ١٤٣ ، العمل : ٩ ص ٥٣ فإنها تكون مقصوفة لذاتها من اجل الاطلاع وحصول العلم والقضاء به. الدكتور رمزي سيف : من ٥٠٤ ٦ ٧ سنة ١٩٦٧ . الصلة : ص ١٦، قانون الإثبات بشرح والتعقيق عنبر : من ١٨٠ ٥٩٢ وكيف تنتقل المحكمة إلى محل النزاع أو تندب عنها أحد القضاة لمعاينته وكتابة محضر فيه . إما يجلب المتنازع فيه إلى المحكمة ، أو الانتقال إليه أو بندب أحد قضاتها لهذه الغابة أو إنابة المحكمة التي يقع المتنازع فيه بمنطقتها لتيسير الأمر عليها ، كما شرحت هذه المواد الإجراءات الخاصة للمحكمة في تقرير اللجوء إلى المعاينة ، وكيفية الندب إلى ذلك ، القضاء وفي بعض الحالات الفنية الدقيقة يصعب على القاضي معرفة الحقيقة فيستعين بأهل الفن والخبرة والتجربة فهل تعتبر معاينة أهل الخبرة مثل معاينة القاضي ؟ هذا ما سأبحته في تعريف الخبرة : المبحث الثاني في الخبرة الخبرة لغة : هي الاختبار ، وهو العلم بالشي ، والخبير العالم (1) . واصطلاحاً : هي الإخبار عن حقيقة الشيء المتنازع فيه يطلب من القاضي ، وغير المتنازع فيه ، والإخبار ظاهراً وحقيقة وقوله : ( عن حقيقة الشي . يخرج الإخبار عن الأمور بشكل ظاهري وقوله : المتنازع فيه ، مصلحة معينة : يخرج الإخبار عن حقيقة الشيء دون طلب من القاضي فإن الخبرة عامة تتقدم في جميع المجالات العلمية والعملية ، وأخبرته بكذا بمعنى، والاستخبار السؤال عن الخير، وخبرت الأمر علمه، وخبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته، والخابر المختبر المحبر ، ورجل خابر وخبير : عالم بالخبر ، الجوهري : ٢ ص ١٤٢ ، تاج العروس ، المصباح المنير : ١ ص ٢٢٢) DELL مشروعية الخبرة : نلاحظ في الفصول السابقة أن الفقهاء ذكروا كثيراً من الأحكام التي يجب الرجوع فيها إلى أصحاب الاختصاص والخبرة في مختلف فروع الفقه ، فإذا اختلف شخصان في نسب ثالث رجعوا إلى قول القائف ، وعند الاختلاف في عيب المبيع يرجع إلى أهل الخبرة في تحديد العيب ، ونقبل قول الأطباء في الجنون والعته في دعوى الحجر عليهما ، وهكذا في معظم أبواب الفقه فإن الأمور الفنية والخاصة التي لا يستطيع القاضي معرفة حقيقتها بناء على اطلاعه وثقافته الخاصة ، لأن أحوال الكون لا يمكن الإنسان أن يلم بها ، ويعرفون خباياه ، ويطلعون على تفصيلاته، وأعراض الحيوان ، وصفات الأشياء ، وأراد القاضي الوصول إلى حقيقة فيها فإنه يستعين بأهل الخبرة وأصحاب التجربة في ذلك ، ويأخذ برأيهم ، ويكون رأي الخبير هو الوسيلة في الإثبات ، في النسب والعيب والصحة والمرض والجروح والضرر وغيرها، كما أن أعمال الخبير تكون هي المستند في الدعوى . الآية . فالخبرة والعمل بمقتضى ما يراء الخبراء مشروع باتفاق الفقهاء وهم - وإن لم يعقدوا لها باباً مستقلاً - ففروعهم في أبواب الفقه المختلفة تدل صراحة على مشروعيتها واعتبارها في الإثبات والحكم بموجبها. ولتوضيح ذلك تذكر بعض الفروع المتفرقة في أبواب الفقه . 1) اختلف المفسرون في تأويل هذه الآية ، والمعنى متقارب ، وقال ابن كثير : أي أهل العلم من الامم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف ، ( ج ) ص ١٧٤ ) ، والراجح أن المقصود أهل العلم في كل فن من الفنون كما قال ابن عباس ، وإنما خصص المفسرون هنا أهل العلم بأهل الكتاب ، والرسل السابقين، والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب . ٥٩٥ 1 - الرد بالعيب : ولم يسبق للمشتري رؤيته ، وكان العيب يؤثر في رضاء المشتري، فأراد المشتري رده ، فأنكر البائع العيب ورفض رد المبيع، فيجب على القاضي الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص للنظر في العيب الخفي، وتحديد فيما إذا كان قديما فيحكم القاضي للمشتري برد المبيع، أم كان حديثا فترد الدعوى ويثبت البيع، ويكفي في الخبرة الواحد والاثنان أولى للاحتياط، وقال ابن فرحون ونجيز شهادة أهل المعرفة في اختلاف المتبايعين في صفة المبيع (٢) . ٢ - عيوب الزواج : إذا تزوج شخص بامرأة بكر على مهر معين وتبين أنها تيب، وطلب من القاضي التفريق والحكم على المرأة للتغرير به، فتعرض على القابلة أو الطبيب البيان حقيقة الأمر، والفصل فيه بناء على نتيجة الفحص، وكذلك الحال إذا ادعى الزوج القرن والرتق وغيرهما في الزوجة (۳)، وكذا إذا طلبت المرأة التفريق لوجود علية في الزوج كالعنة فإن القاضي يؤجل الزوج سنة كاملة لتمكينه من الاتصال بزوجته، خلال فصول السنة المختلفة، فإذا أصرت الزوجة على دعواها بعد ذلك، تزال بكرا فرق القاضي بينهما (٥) فإن قالوا لا