تطور علم أصول الفقه، منذ الاعتماد على رسالة الشافعي كمحور أساسي، شهد خلافات بين مؤيدين ومعارضين. لكن القرن الرابع الهجري مثّل نقلة نوعية، مع بروز أعلام كالباقلاني والإسفراييني وابن فورك وعبد الجبار، وساهم الزركشي في رصد هذا التطور. القرن الخامس الهجري شهد تدوين مصادر أساسية كـ"البرهان" و"المستصفى" و"العمد"، مع ازدياد التأليف واختلافات حول قضايا كحجية الاستحسان، ما حفّز النقد الأصولي، وظهرت فيه مؤلفات في أصول الفقه المقارن، متأثرة بالمنطق والفلسفة. يُعدّ هذا العصر ذروة ازدهار علم الأصول. بعد مؤلفات القاضيين الباقلاني وعبد الجبار، حدثت "ثورة منهجية" مع الجويني والغزالي اللذين أعادا ترتيب أبواب أصول الفقه، مزجين إياه بالقضايا الكلامية، ورسّخا طابعه التجريدي كمنهج كلي. في القرن السادس، اتجه العلماء نحو شرح وتعليقات على المدونات الأصولية بدلاً من الابتكار، ظهرت المتون والشروح والحواشي والتقريرات، مع التركيز على الجوانب اللفظية. أما القرنان السابع والثامن، فشهدا محاولات جريئة لمعالجة الأزمات الفكرية والسياسية والاجتماعية، مع التركيز على الكليات والمقاصد الشرعية، كما في اجتهادات ابن تيمية وابن القيم والعز بن عبد السلام والسبكي والشاطبي الذي قدم "الموافقات" بمشروع علمي جعل نظرية المقاصد روحاً سارية في المصطلحات الأصولية. انتهى عهد الابتكار مع القرن الثامن، فلم يشهد علم أصول الفقه تجدداً جذرياً بعدها، واقتصر التطور على الشرح والتلخيص والتعليق، كما في مؤلفات السيوطي والشوكاني، دون ربط بالواقع المعاش.