ترتيب الوطن العربي خدمة لمصالحها: -1 أبدت بريطانيا في عام 1945 رغبتها في التمسك بموقعهها التقليدية، التي جعلت منها الدولة الوحيدة التي تهيمن على شؤون الشرق الأوسط، رغم هزيمة الألمان لها، ولكنها حاولت تقليص نفوذها في المشرق العربي. تحملت بريطانيا لوحدها كل المسؤوليات المرتبطة بالشرق الأوسط، و خرجت من الحرب و مركزها لا يزال قويا، و قاومت محاولات السوفيات للحصول على موطئ قدم في المنطقة، و عندما ضغطت روسيا عليها و على فرنسا، سعت إلى إنشاء قوات عسكرية لها في الشرق الأوسط، و إلى قبول الالتزامات والضمانات السياسية، و لإستمرار استنزاف ثروات الوطن العربي و المحافظة على مصالحها فيه، بعدما تمنحها الإستقلال، عقدت كل من فرنسا و بريطانيا عدة إتفاقيات مع بلدانه. مصر، ضف إلى ذلك معاهدات الصداقة مع المملكة العربية السعودية و اليمن، و نفوذها في الخليج العربي، كما كان لها قواعد عسكرية في الجنوب العربي، تمكنها من التحكم في المدخلين اللذان يتمتعان بأهمية إستراتيجية عالية، باعتبارها عاملا فعالا في ضمان إستقلال هذه البلدان عن السيطرة الأوروبية، و أنها كانت تابعة لبريطانيا. من هذا نلاحظ هذه الدول لم يكن لها استقلالية في القرارات، و كانت بريطانيا تتدخل في سياسة الدول العربية، و خلال تشكيل حكومات موالية لها ، إسقاط حكومات أخرى إذا ما وقفت في وجهها و هدفت مصالحها في الوطن العربي، و تظهر هذه الإستراتيجية جلية في العراق، بحيث قامت بريطانيا على إسقاط عدة حكومات عراقية، كونها لم ترض بربط بلادها بعجلة الإقتصاد البريطاني، إلى أن جاءت وزارة "صالح جبر" في1947-03-29، التي عقدت معاهدة بورتسموث مع بريطانيا في1948-01-15. و في الواقع أن هذه معاهدة حولت العراق إلى مستعمرة بريطانية في ثوب جديد. طبقت بريطانيا نفس السياسة مع سوريا، بحيث كانت تتدخل في شؤونها السياسية. إذا ما أحسست بالخطر على مصالحها فيها، وهذا ما فعلته مع "سعد الله الجابري" الذي أقالته من الوزارة بعدما اعترض على التدخل البريطاني في اقتصاديات البلاد، وتطور الخلاف بينه وبين البريطانيين في أواخر سنة 1946 حول إنشاء بنك يشترك في رؤسماله أحد البنوك الإنجليزية بنسبة الثلث، وعرقلة إنشاء شركة تجارية سورية - بريطانية لتصريف المحاصيل السورية في الخارج، وإسترداد البضائع البريطانية إلى سوريا. ولا سيما في أوساط العشائر، وساعدها في ذلك الضباط البريطانيون، الذين وقفوا إلى جانب الشعب السوري أثناء العدوان الفرنسي. استغلت بريطانيا قضية مقتل الشيخ طراد الملحم (نائب عشيرة الحسنة في البرلمان السوري). لتقوم بمساومة الحكومة السورية وإرغامها على التعاقد مع شركة إنجليزية، على أن تقوم هذه الشركة بدراسات واسعة المدى، لبحث وسائل تنمية ثروة البلاد، وهذا بعد تهديد بريطانيا الحكومة السورية بتأييد مشروع سوريا الكبرى، وتنفيذه على أرض الواقع، عن طريق تهييج العشائر التي ثارت أصلا من أجل تحقيقه. استمر البريطانيون في إنشاء شركات مختلطة من السوريين وضباط الجيش البريطاني الباقين في سوريا، وكان من بين هذه الشركات: شركة لتوريد الفنيين، فضلا عن شركات صناعية وتجارية أخرى. وكان الهدف البريطانيين من وراء كل هذا، هو السيطرة على الاقتصاد السوري، وتكوين صنف من السوريين يرتبط معها سياسيا. إتبعت بريطانيا وسيلة أخرى للسيطرة على المنطقة العربية، إذ قامت بفتح مكتب للمخابرات في منطقة "جونية" بلبنان، مهمته إثارة المتاعب للحكومة السورية، ومن أجل إيجاد المتعاونين معه، خاصة من أبناء العشائر السورية في منطقة الجزيرة، وقد أتى هذا المكتب المتعاونين معه حرية التحرك في الأراضي الأردنية والعراقية والسورية، وهذا يعني أن بريطانيا استعملت مؤلاء البدو لضرب أي حكومة ولكي تخدم مصالحها الاقتصادية. لم تمنح بريطانيا للأردن استقلالها الكامل، إذ استمرت في هيمنتها على شؤون الأردن الخارجية والداخلية أيضا. وحاولت خداع الشعب الليبي، وذلك بإقامة إمارة سنوسية - على غرار إمارة شرق الأردن - تسير في فلكها - إلا أن الليبيين أصروا على مطالبتهم بالاستقلال، أسوة بالحبشة التي منحت دول الحلفاء الاستقلال، مع أنها كانت تابعة للاستعمار الإيطالي. عملت فرنسا على ربط مستعمراتها بها إما اقتصاديا أو عسكريا أو حتى ثقافيا د. ت بعدما تمنحها الاستقلال، فمثلاً إرتبطت مع دول المغرب العربي بعلاقات اقتصادية لننهب ثرواتها الطبيعية، وخير مثال على ذلك اتفاقية ايفيان، التي ربطت الاقتصاد الجزائري بالإقتصاد الفرنسي بنسبة 80%، كما أعطت الإستقلال السياسي فقط لكل من تونس والمغرب الأقصى، وإرتبطت مع هذة الأخيرة بعلاقات تجارية وإقتصادية، لم ترض سوريا بالإرتباط بمعاهدات إقتصادية مع فرنسا، وبعد إستقلالها، ولهذا عملت هذة الأخيرة على الحفاظ على نفوذها الثقافي في هذة المرحلة، وتمثل ذلك من خلال إجراءات الرئيس الشيخكلي، القاضية بتعطيل المؤسسات البريطانية و الأمريكية الثقافية غير التابعة للمفوضيات، وكانت تهدف من وراء ذلك إلى أن لا يكون لأي دولة نفوذ ثقافي في سوريا أقوى من نفوذها، وحتى تضمن إحتلال عقول الشعب السوري لضمان ولائه لها، والمتمثلة في الضباط الجيش السوري الذين كونتهم على أن يكون ولانهم لها،