درس كارل ياسبرس (1883-1969) الطب وعلم النفس قبل تحوله للفلسفة. يُعدّ كتابه "الفلسفة" (1932) أساسيًا، حيث يركز على الوجود الإنساني والحريّة. تعرض مساره التعليمي لمحنةٍ بسبب النازية، لكنه درّس لاحقًا في بازل، وصاحب جنّه آرنت. اهتم بمشاكل عصره، مُبرزًا ذلك في مؤلفاتٍ مثل "الخطيئة الألمانية" و"القنبلة النووية ومصير الإنسانية". رأى أن الفلسفة تُظهر ماهيتها عبر فكرها السياسي. يُؤكد ياسبرس على أولوية الفلسفة لأن المعرفة العلمية الجزئية لا تُظهر وحدة الوجود الإنساني، فالحقيقة الفلسفية تؤثر بعمق أكبر في الإنسان. تهدف الفلسفة للتفكير في معنى الوجود مع الحفاظ على العقل والحوار. تبحث الفلسفة الوجودية لديه في دلالة العادي وما يخفيه. يُشدد على أهمية الحوار مع الآخر، فالإنسان لا يكون إلاّ مع آخر، ولا نكون أحرارًا إلاّ بحرية الآخر. يصف ياسبرس الوجود بنبرة مأساوية، كحريّة ملتزمة في وضعية محددة تتطلب تأويلًا يعطي معنى للحالة. يُعتبر مفهوم "الوضعيات الحدية" أساسيًا؛ فالوجود لا يكون إلاّ في وضعيات حدية (الموت، المعاناة، الخطيئة، التواصل)، مُكشفًا عن ثنائية التناهي واللامتناهي. يُعرّف التعالي بالانفتاح على نظام آخر، والمحايثة بعدم علاقة مع نظام آخر، مشيرًا إلى أن الوجود الإنساني محايث، مفتوح على التعالي الذي يجب حله.