لقد كان العربي باطما في كتابه الرحيل والألم، سبّاقا في هذا النوع من الكتابة، "كتابة الألم" وقد كان شجاعا في تناول موضوع السرطان الذي كان يعبر مرضا فتاكا بضحاياه في ذلك الوقت، وقد كانت سيرة العربي باطما وما تناولته من موضوع الضعف الإنساني، مفتاحا لأدباء وفنانون مغاربة عانوا من مرض السرطان نفسه، وكتبوا عنه بحجم المرارة نفسها، الروائيين محمد زفزاف و محمد خيرالدين و محمد شكري وغيرهم، والطاهر بن جلون في الإستئصال. وبعد انتهاء السيرة الأولى "الرحيل" تبدأ السيرة الثانية "الألم" بتصوير صراع العربي باطما ضد مرض السرطان، بعد أن استشارة طبية صدفة عن الشعور ببعض الآلام في الجسم، فنبهه أحد الأطباء أثناء تصوير لقطاته بإحدى المستشفيات بالدار البيضاء أنه مصاب بالسرطان. كتب العربي باطما سيرة "الألم" في ظرف وجيز لا يتعدى سبعة أيام، ليصور خطورة مرض السرطان وينقل للعالم معاناة الفقراء في مستشفيات الدولة والعيادات الخاصة، حيث المعاملة لاإنسانية، وذلك باستنزاف أموال الفقراء بطريقة أنانية غير آبهين بالقيم الإنسانية والقسم والضمير المهني. وقد تعرض الكاتب مثل الكثير من المرضى لابتزازات لاتعد ولا تحصى من قبل الأطباء والممرضين والمشعوذين. إنه يرصد في هذه السيرة صراعا سيزيفيا بكل عنف ودرامية مع مرض السرطان، مستغفرا الله تائبا متضرعا إليه، عسى أن يلقاه في مثواه الأخير مؤمنا مرحوما. إن سيرة" الألم" هي سيرة مأساوية وتراجيدية تقوم على وصف المعاناة والصراع الإنساني ضد مرض الموت المخيف آنذاك (السرطان)، إنه تعبير عن موقف وسغحاس إنساني عن طريق الكتابة والفن والصبر والنسيان، والإقبال على الحياة وإدانة الواقع وتعريته والثورة على تناقضاته الطبقية والاجتماعية والسخرية من قيمه وأعرافه، والاستهزاء من الأطباء والممرضين الذين لايقومون بمهمتهم الإنسانية، كإحباط المعلمين في ميدان التعليم، فقد شوّهوا مهنا شريفة بطمعهم وجشعهم الجنوني للمادة على القيم الإنسانية المثلى.