سماحة الشيخ محمّد صنقور ملاحظات حول مبدأ نزول الوحي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم أبي القاسم محمد وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ / خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ / اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ / الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ / عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾(1) صدق مولانا العلي العظيم. والمحور الثاني سنتناول فيه كيفية نزول الوحي، المحور الأول: متى بدأ نزول الوحي؟ الأيات التى تلوناها هي من سورة العلق، وقد أنزلها الله -عزَّ اسمه وتقدَّس- بواسطة الأمين جبرئيل، وأبناء العامة- في أنَّ نزول هذه الآيات المباركات هل يُمثِّل بداية المبعث النبوي، أو أنَّها لم تكن بداية المبعث النبوي وإنَّما كانت بداية نزول القرآن على قلب رسول الله (ص)، أما نحن الإمامية فنقول بأنَّ مبدأ المبعث النبوي وقع في شهر رجب، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾(5)، بدأ نزول الوحي والبعثة في رجب: وأَوَّل ما بُعث -كما أكدت الروايات من طرقنا، وكذلك من طرق العامة- كان يُوحى إليه، فكان يرى الرؤية الصادقة فتكون كفلق الصبح(6)، وبأنَّه المبعوث للأميِّين، كان بعدها لا يمرُّ على حجرٍ، نتيجة التأثر بثقافة الآخرين، فليس عندنا من روايةٍ نعتمدها تقول بأنَّ الإسراء والمعراج قد وقع في السابع والعشرين من شهر رجب. وهم كذلك لا يعوِّل الكثيرُ منهم على هذه الروايات، فلابد وأن يكون الاحتفال -بذلك اليوم، المحور الثاني: كيف بدأ الوحي؟ أولاً: كيفية نزول الوحي بحسب روايات العامة: الروايات المتصدية لبيان كيفيَّة نزول الوحي من طرق العامة كثيرة، روى عروة بن الزبير، عن السيدة عائشة: "أنَّه نزل جبرئيل بغار حراء على رسول الله (ص)، وكان حينها يتعبَّد في ذلك الموقع، وضمَّه ضمًّا شديدًا، وحتى كادت روحه أن تزهق، اقرأ باسم ربِّك الذي خلق -فتلا عليه الآيات-. وذهب إلى بيت السيدة خديجة مرهوباً، لا يدري ما نزل عليه وما حلَّ به! وقالت: أبشر فوالله لا يخزيك اللهُ أبدًا، وتصدق الحديث وتحمل الكلَّ وتُقري الضيف وتعين على نوائب الحقّ، أو روايات عديدة: ولألقيـنَّ نفسي من أعالي الجبال، وبعْث الاستقرار والسكون والثبات في قلبه. فذهبت به إلى ورقة بن نوفل -الذي كان يتنصَّر، وقال: إنَّ الذي يأتيك هو الناموس الأكبر الذي كان يأتي النبي موسى(11). والخوف! وتُؤكد الروايات الواردة من طرقهم بأنَّه لم يطمئن بذلك في أول الأمر، يريد أن يلقي بنفسه من أعاليها -كما تؤكِّد رواياتهم-، وكان كلَّما أراد أنْ يُلقي بنفسه تجلَّى له جبرئيل، من وسائل تطمين النبي بنبوَّته: ثمّ إنَّ النبي (ص) لم يطمئن انَّه رسولٌ من عند الله -كما هو مفاد رواياتهم-، وذلك هو ما دفع السيدة خديجة إلى أن تتوسَّل بوسائل أخرى؛ أنَّها بعثت إلى عددٍ من النصارى -بعضهم عبيد، وبعضهم رهبان- فطمئنوه! فكانت قد بعثت إلى نسطور، وهذه شخصيات -هم يذكرونها- بعضها وهمية، وبعضها لا يُمكن أن تتصل بهم السيدة خديجة! على كل حال، طلب منه بعضهم أن يكشف عن ظهره، حيلة ورقة ابن نوفل! ومن الوسائل التي اعتمدتْها السيدة خديجة -كما يروون- بطلبٍ من ورقة بن نوفل، فقالت ما هذا بشيطان و إنَّه الملَك؛ لأنَّ الملَك لا يجلس في موقع كشفت فيه المرأة عن شعرها، ضرورة إصلاح المناهج التعليمية ملاحظات حول روايات العامة: أ- إذا لم يكن مطمئنا من نبوَّة نفسه، وهي تشتمل على الكثير من الأخطاء! وأكثر ما اشتملت عليه هذه الروايات هو أنَّها أكَّدت ما كان يُروِّج له المستشرقون من أنَّ محمدًا (ص) لم يكن مطمئنًا بنبوَّة نفسه، وطمأنه بعض النصارى ممَّن لا يُعلم مبلغ علمهم وحقيقة دوافعهم. ب- يلزم أن يكون القرآن من عند غير الله! ومنشأ عدم الإطمئنان هو هذه الروايات الكثيرة، فإذا كان المُدَّعي غير مطمئن بدعواه، خطورة التشكيك في الوحي والقرآن: فكلُّ ما عندنا من تشريعات ومعتقدات إنَّما يرتكز الإيمان بعصمتها على أساس أنَّها صادرة عن الوحي الإلهي، فإذا تمَّ التشكيك في الوحي فأيُّ شيءٍ يبقى في الإسلام؟! فهُم بحسنِ نيَّةٍ، ج-هذه الروايات تخالف صريح القرآن والسنة! ثمَّ إنَّ هذه الروايات منافية لصريح القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾(15) والبصيرة هي الرؤية التامة المنتجة للقطع واليقين، وليس ثمَّة من تردُّد فيأنَّ ما يراه محمد (ص) ويسمعه هو وحيُّ الله تعالى الذي كان يُوحيه لأنبيائِه وما انتاب محمّداً (ص) في لحظةٍ من لحظاتِ مبعثه الشريف شكٌّ بل ولا احتمال في أنَّ ما يأتيه ليس وحيًا، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾(17)، وقال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾(18)، الروايات اشتملت على مضامين غير عقلائية، - ما معنى أن يعامله جبرئيل بقسوة؟! وهذه القسوة برجلٍ يُراد له أن يكون نبياً؟! لا نرى مُبرِّراً معقولاً لأن يُفعل برسول الله(ص) هذا الفعل، - لماذا لم يُعلِمه أن نبيّ؟! بل اقتصر على أمره بالقراءة ثمّ قرأ عليه بعد جهدٍ جهيد الآيات من سورة العلق. - ما معنى أن يجيبه النبي (ص) بـ "ما أنا بقاريء"؟! ويُجيبه النبيُّ (ص) بما أنا بقارئ؟ فالروايات لم تقل أنَّ جبرئيل كانت بيده صحيفة وقال للنبي (ص) اقرأها، فما معنى أن يُجيب النبي (ص) بقوله: ما أنا بقارئ؟! كان من المفترض أن يسأله ماذا أقرأ: فمحمد (ص) عربي، ولكنَّه هل كان لا يُجيد أن يتكلم؟! فكان من المناسب أن يسأل النبيُّ جبرئيلَ، ولم تُشر أيُّ روايةٍ من رواياتهم إلى أنّ بيد جبرئيل صحيفة، - لماذا يُرعَب النبي الأكرم (ص)، ثم ما هو منشأ اختلاف طريقة نزول الوحي على النبي (ص) عن سائر الأنبياء؟! فالوحي عندما ينزل على الأنبياء، فإنَّ أول ما يبدأ بالنزول على نبيّ يُريه برهانًا واضحًا؛ ثمّ يُعلِّمه ثم يبعثه إلى قومه، نموذج كيفية نزول الوحي على موسى (ع) ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى/ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى﴾(19) -أول كلمة ماذا كانت؟- ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ﴾(20)، الآن فاستمع لما يوحى: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾(22) وما هو المطلوب؟ قال تعالى: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى﴾(23)، ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى / قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى / فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾(26)، فهكذا فعل عندما جاء لمريم هدَّأها وطمئنها(28)، وعندما جاء لإبراهيم: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾(29)، أو أصابه مسّ! ثم متى أخبره جبرئيل بأنَّه نبي؟ لم يخبره إلا عندما أراد أن يُلقي بنفسه من أعالي الجبال، - ومما يزيد الطين بلَّة! بل أنَّهم كانوا يقولون -في رواياتٍ كثيرة- بأنّ النبي (ص) كان له شيطان حتى بعدما بُعث واطمئن، هذه الرواية أخذها المستشرقون، وقالوا: لعلّ الذي يأتي محمداً (ص) كان الأبيض، ويقولون أيضاً أنَّه كان يجري منه مجرى الدم في العروق -كان الشيطان يجري من محمد (ص) مجرى الدم في العروق!-، حيث يروون أنَّ النبي كان يقول (ص): "والذي نفسي بيده -يُخاطب عمر- ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلا سلك فجَّاً غير فجِّك"(32)، لو وقفنا على مثل هذه المفارقة الغريبة سنُدرك منشأ ودوافع مثل هذه الروايات التي نالت من شخص رسول الله (ص)، قلنا إنّ هذه الروايات وظَّفها أعداء الإسلام، من أجل التشكيك في الركن الركين للإسلام وهو الوحي؛ فهذا معناه تقويض بُنى الإسلام؛ فعندئذٍ لن تسلم لنا قضية من القضايا الإسلامية. ثانياً: كيفية نزول الوحي بحسب روايات أهل البيت (ع): نختم الحديث ببيان كيفيَّة نزول الوحي على رسول الله (ص) في نظرنا -نحن الإمامية-: - أهل البيت أدرى بالذي فيه ولقد كان عليُّ بن أبي طالب (ع) مع رسول الله (ص) ملازمًا له في غار حراء، -لا رعب ولا مباغته وهنا تؤكِّد الروايات المباركات الواردة عن أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام) بأنَّ جبرئيل جاءه وبكل سلاسة، - يعلم بأنه رسول الله قبل نزول القرآن فكان لرسول الله (ص) أمارات وعلامات ومقدمات طمأنته، وكان يرى الرؤية فتكون كفلق الصبح . - كان رسول الله (ص) يترقَّب نزول جبرائيل - رسول الله (ص) على أتم الاستعداد لتحمل المسئولية وكان يقول: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أنْ أترك هذا الأمر ما تركتُه أو أقتل"(36) فقد كان ثابت الجنان واثق الخطى تزول الجبال ولايزول عن أمر الله، زرارة بن أعين يسأل الإمام الصادق (ع) فيقول: "كيف لم يَخَف رسول الله (ص) فيما يأتيه -طبعا، أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟ فقال (ع): "إنَّ الله إذا اتخذ عبدًا رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، وسُئل الإمام الصادق (ع): "كيف عَلِمَت الرُّسل أنها رُسُل؟ قال (ع): "كُشِفَ عنهم الغطاء"(38). وأنَّه لا يأتيه الباطل من بين يديه،