فن المسرحية في الآداب الأوربية والأدب العربي الحديث إن الشعر القصصي هيأ لظهور الشعر المسرحي، وإنما اكتسبه من الآداب الأوربية على يد نخبة من المتأثرين بهذه الآداب والمتطلعين إلى التجديد من الشعراء. وأول من أدخل الفن المسرحي في البلاد العربية كان مارون نقاش، وكانت أولى المسرحيات التي قدمها للجمهور العربي في لبنان، مسرحية (البخيل) للكاتب الفرنسي موليير، إن فن المسرحية في الأدب العربي تأثر بالآداب الأوربية في أول الأمر، ولكنه سرعان ما انطلق بعد ذلك إلى مرحلة التأصيل، وجدير بالذكر أن المسرحيات الغنائية الأوربية قد تأثرت بالأدب العربي والآداب الشرقية، فالمسرحيات الغنائية الأوربية التي تسمي (علاء الدين والمصباح السحري) ومسرحية (معروف إسكا في القاهرة) ومسرحيات (شهر زاد) الغنائية مقتبسة من (ألف ليلة وليلة). والكلاسيكية في معناها اللغوي مشتقة من الكلمة اللاتينية كلاسيس Classis ومعناها الأصلي أسطول ثم أصبحت تفيد (وحدة دراسية) أي (فصلا مدرسيا) ومن هذا المعنى الأخير أخذت الكلمة Classicism أي الأدب المدرسي بمعنى أنه هو الأدب الذي أفلت من طوفان الزمن، أن أول من عرف إلى أن الجوقة ليس لها طابع مسرحي إلا بمقدار ارتباطها بالحدث كان هو أرسطو. تختلف المسرحية عن الملحمة والقصة بأنها تعتمد على الحوار، فإن الحوار هو الأداة الوحيدة فيها للتصوير. وقد انقسمت المسرحية إلى (الملهاة) الكوميديا، فقلدوا مسرحيات اليونانيين والرومانيين وجمعوا في المسرحية بين الحوار والغناء والرقص؛ ولكن هذا النوع من المسرحيات لم يدم طويلا، وينفصل فيها فن التمثيل القائم على الحوار عن الغناء. أن لفظ الكلاسيكية نفسه يستخدم أيضا للتعبير عن دراسة الآداب اللاتينية واليونانية (Classical Studies) وسبب استخدام اللفظ في المعنيين هو أن كتاب القرن السابع عشر كانوا يطمحون إلى أن يخلقوا أدبا جديدا يشبه الأدب اللاتيني واليوناني في جودته وفي موضوعه على السواء. والشعراء الذين ظهروا في القرن السابع عشر عندما أخذت تتضح وتستقر أصول الكلاسيكية - نراهم لا ينصرفون عن فن الملاحم فحسب، بل وعن فن الشعر الغنائي أيضا ليوفروا جهودهم على فن الشعر التمثيلي الذي برعوا فيه وخلدوا الكلاسيكية بفضله. فالكلاسيكية من الناحية الفنية تحرص على جودة الصياغة اللغوية وفصاحة التعبير في غير تكلف ولا زخرفة لفظية. ولما كانت الكلاسيكية تهدف إلى التعبير الفصيح الجيد عن المعاني الواضحة المحددة، فقد كان من الطبيعي أن يكون اعتمادها الأول على العقل الواعي المتزن، وبحكم كل هذه الخصائص كان من الطبيعي أن تتجه الكلاسيكية نحو الأدب الموضوعي. وهذا النوع من الأدب يتمثل خاصة في المسرحية أو القصة. ولقد ورث الكلاسيكيون عن الإغريق والرومان القدماء تقسيما دقيقا لفن المسرح احترموه وتقيدوا به، ففن المسرح ينقسم عندهم - كما كانت عند القدماء - إلى تراجيديا وكوميديا، ولكل منهما خصائصه المحددة التي لا ينبغى أن تتداخل أو أن يجمع بينهما في المسرحية الواحدة، فالتراجيديا مسرحية جادة نبيلة تثير الشفقة والخوف وتطهر بهما النفس البشرية، أما الكوميديا، ومحاولة إصلاحها. ومحاولة إصلاحها. ولكن هذا التقسيم الكلاسيكي انهار بتقدم الإنسانية ونمو ثقافتها وتغير أوضاعها الاجتماعية. ففي القرن الثامن عشر وهو قرن الفلسفة والوعي الاجتماعي الذي مهد السبيل للثورة الفرنسية الكبرى، رأينا الأدباء والفكرين ينكرون على الكلاسيكية أن تحصر الفن المسرحي في المأساة المفجعة والملهاة المقهقهة، ثم تدعي بعد ذلك أنها لا تتخذ من المسرح مرآة أو مجهرا للحياة. ويمكن القول بأن الناس لم يكونوا في حاجة إلى مآسي المسرح المفجعة، كما لم يكونوا على استعداد للقهقهة العالية، ولذلك اكتفوا بالدراما الدامعة وبالكوميدية الماريفودية. وفي القرن الثامن عشر أيضا أخذت الأوضاع الاجتماعية تتغير. وجاء فلاسفة القرن الثامن عشر وبخاصة (ديدرو) الذين قالوا إن مشاكل الإنسان لا تنبع كلها من طبيعته كإنسان، فلم تظهر إلا في القرن التاسع عشر مع ظهور الرومانسية. 5. تطور المسرح الكلاسيكي اليوناني إلى الرومانتيكي الإنجليزي ووضع له نظاماً خاصاً، وأخيراً استقلت المسرحية (الخلقية) عن مسرحية المعجزة حينما استطاع الناس أن يقرءوا التوراة بأنفسهم، ولم يعودوا في حاجة إلى تمثيل قصصها لهم. وكانت المسرحية الخلقية درساً في الأخلاق يعطى على أيدي ممثلين قولا وعملا، واستمرت المسرحية الخلقية حتى أوائل القرن السابع عشر. كان يمثل في حفلات الطبقات العليا ومآدبها ليملئوا به الفراغ بين مرحلتين من مراحل الحفل لتسلية الحاضرين وإدخال المسرة على قلوبهم وكان يسمى (رواية الفترة). وهي مسرحية قصيرة مليئة بأسباب المرح. وأنشى أول مسرح حقيقي مستقل بذاته عام 1576م على مقربة من لندن، ونهض المسرح الإنجليزي بعد ذلك نهضته العظيمة على يد شكسبير (1564-1616م). وقد أثر شكسبير في المسرح الأوربي، وأحيانا بأسلوبه، أي أنه كان يكتب بالشعر كما هو معروف، أ‌. التي كتبها خليل اليازجي سنة 1870م، وبؤسه ونعيمه، ولكن هذه المسرحية كانت ضعيفة في لغتها، وفي تكوينها الفني. حتى ظهرت مسرحيات أحمد شوقي فكانت فاتحة عصر جديد في هذا المجال، مثل: (مصرع كليوباترا) التي كتبها سنة 1927م أو 1929م، الذي اطلع عليه خلال رحلته التعليمية إلى فرنسا، والحبكة الفنية، ورغم قول بعض النقاد بأن أحمد شوقي كتب شعراً مسرحياً ، ولم يكتب مسرحاً شعرياً. وهذا أمر لا غضاضة فيه، يقول يسري عبد الغني لم يعرف في الأدب العربي القديم شيء من المسرحيات أو فن التمثيل، لكنها لا تعتمد على فن التمثيل. وأثمرت ثمارها، 7. فن المسرح في الأدب المصري الحديث إنه من الثابت أن فن التمثيل وفن الأدب المسرحي قد أخذه العرب عن أوربا بعد النهضة العربية التي ابتدأت في القرن الماضي. وكان رائد هذا الفن في العالم العربي هو (مارون النقاش). (8) وابتدأ تمثيله باللغة العربية الدارجة، وكانت أولى المسرحيات التي قدمها لجمهوره العربي في بيروت هي رواية "البخيل" المعربة عن موليير. فلما قدم الاسكندرية قدماها لمسرح النقاش، ثم ترجم مسرحية "شارلمان" وقد أعجب بها المصريون كثيرا ثم اشترك مع سليم النقاش في تأليف المسرحيات وتمثيلها. ومن الذين عنوا بالمسرح والترجمة له محمد عثمان جلال وكان ينقل من الفرنسية ويضفي على مسرحياته روحاً مصرية خالصة. وكان بحق يسمى أبا المسرحيات الوطنية في العصر الحديث. وحين ألف فرح أنطون روايته (مصر الجديدة ومصر القديمة) ومثلها جورج أبيض في سنة 1913م، وقد أنشأت الحكومة المصرية ما سمي بالفرقة القومية، وأثمرت ثمارها، وبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت في عالم المسرح العربي المدرسة الجديدة التي عنيت بالتأليف المسرحي، وتناولت في المسرحيات معالجة المشكلات الاجتماعية علاجاً واقعياً، ومن رواد هذه المدرسة: محمد تيمور في أعماله (عبد الستار أفندي) و(عصفور في القفص) و(الهاوية)، وقدم المسرحية العربية المكتملة في بنائها وموضوعها وحوارها وشخصياتها، ولا يمكن لأي باحث أن ينكر الجهود الإبداعية التي قام بها لفيف من كتاب المسرح العربي في العصر الراهن، مما أدى إلى تنوع المسرح العربي في اتجاهاته وفي بنائه الفني، وقد مر الفن المسرحي بمراحل سبقت نضوجه واستواءه، وكان اقتحام شوقي لهذا الفن الغربي وتأليفه فيه فتحاً جديداً وعملاً خطيراً لا من حيث إنه أدخل هذا الفن لأول مرة في العربية فحسب، بل أيضاً لأنه كان يقاوم تيار اللغة العامية الذي طغى على المسرح المصري، ولم يعرف الأدب العربي القديم فن المسرحية ولا فن التمثيل كما هو في العصر الحديث، ولا ترجمة شيء من مسرحياتهم،