تعريف علم المناهج وبيان صلته بالبحث العلمي عند علماء المسلمين.أ- تعريف العلم لغة واصطلاحا: العلم في اللّغة من "علم" يعلم علما، وعلم الشّيء أي أدركه وعرفه على حقيقته بعد أن كان جاهلا به. فالعلم إذن ارتفاع الجهل ومعرفة الشّيء المعلوم على حقيقته . فتعني دراسة موضوع معيّن بمنهج محدّد ،ب- تعريف المنهج لغة واصطلاحا:يمثّل مصطلح "المنهج" مادّة رئيسيّة لموضوع بحثنا، لذلك سنحاول بحثه بحثا علميّا معمّقا، وهو ما يستدعي مساءلة المعاجم والمصادر والمراجع ، التي تتصل بمجال علم المناهج والبحث العلمي.المنهج في اللّغة مصدر من "نهج" ينهج نهجا، إذن فالمنهج لغة يعني الطّريق او السّبيل الواضحة المعتمدة والمتّبعة لبلوغ هدف معيّن[1] . قال ابن منظور:" نهج: طريق: نهج: بيّن واضح،والجمع نهجات ونهج ونهوج"[2].وحول صلة دلالة المنهج بالطّريق يضيف صاحب اللّسان: "وطرق نهجة، وفي التّنزيل قال الله تعالى: (لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)،وتأتي مادّة "نهج" أيضا في صيغة الفعل الرّباعي "أنهج" . قال ابن منظور: "وأنهج الطّريق: وضح واستبان ، وصار نهجا واضحا بيّنا. وفي حديث العبّاس: لم يمت رسول الله صلّى الله عليه-وآله-وسلّم، ونهج الأمر وأنهج ، أنّ المنهج في اللّغة يعني الطّريق والمسلك أو السّبيل الواضحة البيّنة المتّبعة من قبل سالكها أو الساّئر فيها نحو الغاية المنشودة سلفا. قال عبد اللّطيف محمّد العبد: "أمّا المنهج فهو في اللّغة: الطّريق الواضح في أمر ما من علم أو عمل"[5] . هذا في ما يتعلّق بالدّلالة اللّغويّة للمنهج ، فماذا عن دلالته في الاصطلاح العلمي؟ثانيا: دلالة المنهج في الاصطلاح العلمي/ علم مناهج البحث العلمي.أصبح المنهج موضوعا خاصّا بعلم المناهج، يدرس ويبحث كما تدرس وتبحث مواضيع ومسائل العلوم الأخرى، شأنه شأن سائر الاختصاصات العلميّة القديمة والجديثة أو المستحدثة. لذلك أصبح المنهج علما يعرّف ويدرس ويبحث ، بل ويختصّ فيه الدّارسون والباحثون في الجامعات والمؤسّسات العلميّة المتخصّصة. يقول عليّ إدريس: "كلّ بحث، سواء في العلوم الإنسانيّة أو الاجتماعيّة أو غيرها، يجب أن يشمل مناهج تحليليّة دقيقة، لمعالجة مشاكل ومظاهر مشابهة"[6]. وهو ما يعني أنّ المنهج في البحث العلمي يتمثّل في طرق أو تقنيات أو آليّات أو قواعد ومسالك مقنّنة وواضحة ومحدّدة سلفا أومتّفقا عليها غالبا بين علماء الاختصاص، يجب اتّباعها لتحقيق أهداف البحث وفق ما يتطلّبه مجاله العلمي المخصوص. هذا ما يدعمه تعريف منهج البحث العلمي، الذي يقدّمه عناية قائلا: "يمكننا تعريف منهج البحث العلمي بأنّه: الطّريق أو الأسلوب الذي يسلكه الباحث العلمي في تقصّيه للحقائق العلميّة في أيّ فرع من فروع المعرفة، وفي أيّ ميدان من ميادين العلوم النّظريّة والعلميّة. وبتعبير آخر: فإنّ منهج البحث العلمي يعرف بأنّه: سبيل تقصّي الحقائق العلميّة، ذلك أنّ البحث العلمي يتميّز باعتماد طرق واضحة وأساليب وقوانين وقواعد محدّدة ومرتّبة تضمن سلامة الطّريق للباحث، ولا تخرج عمله عن النّظام والدّقّة والعلميّة. هذا ما يؤكّده تعريف جون ديوي لمنهج البحث العلمي قائلا: "ومناهج البحث العلمي هي الدّراسة الفكريّة الواعية، تبعا لاختلاف موضوعات هذه العلوم"[8].لكنّنا لا نجد اتّفاقا حول تعريف المنهج ، رغم الاتّفاق حول كونه مجموعة آليّات وقواعد منظّمة ومتداخلة توصل الباحث إلى هدفه وغايته[9]، لذلك قال عليّ إدريس: "ليس هناك اتّفاق بين المؤلّفين في مفهوم المنهج، ومع هذا فقد أستعمل المنهج ليميّز الأساليب المختلفة في مستويات متعدّدة بالنّسبة إلى ما يوحيه من النّاحية الفلسفيّة، ولتأثيره على قد تكون عمليّة من البحث، نجد تعريفا أكثر إجرائيّة وعلميّة في تعريف منهج البحث العلمي، باعتباره آليّة للبحث تتجاوز مجرّد اتّباع طريقة ما في البحث، لتشمل أيضا طبيعة المفاهيم والمصطلحات ، التي يعتمدها الباحث أو الدّارس أو المؤلّف. يقول إبراهيم محمود في هذا المجال: "إنّ البحث في منهج ما، هو البحث في المفردات المعتمدة لديه، وجملة أو منظومة الأفكار التي"تساق" لتوضيح إشكال ما، نتبيّن أنّ علم مناهج البحث العلمي يجعل من المنهج علما مستقلاّ قائما بذاته، يتناول بالدّرس المعمّق الدّلالات الحقيقيّة للمنهج ، وأنواع المناهج وطرق استخداماتها وفق مجال البحث وميدان العلم المدروس[12]، أداة وتقنيّات محدّدة تساعد الباحث على تحقيق هدفه العلمي، وتحفظه من الوقوع في الخطإ أو إهمال ضروريّات بحثه. هذا ما يؤكّده العبد بقوله: ".وليس المنهج سوى خطوات منظّمة يتبعها الباحث في معالجة الموضوعات ، إلى أن يصل إلى نتيجة معيّنة. وبهذا يكون في مأمن من أن يحسب صوابا ما هو خطأ أو العكس"[13]. لتحقيق هذه الأهداف واكتمال واكتسابه صفة العلميّة، اشترط علماء المناهج شروطا تضمن ذلك وتبت مدى أهمّيّة البحث.أ- تعريف البحث العلمي لغة واصطلاحا:يعني البحث في اللّغة التّقصّي والتّفتيش. أمّا اصطلاحا فهو" إثبات النسبة الإيجابيّة أو السّلبيّة بين الشّيئين بطريق الاستدلال.فهو مجموعة الطّرق الموصلة إلى الحقيقة[14]، التيتتطلّب منهجا واضحا ودقيقا، الأمر الذي تضمنه شروط البحث العلمي، فكيف ذلك إذن؟ب- مظاهر شروط البحث العلمي وأهمّيّتها:يشترط علماء مناهج البحث العلمي شروطا علميّة وموضوعيّة وذاتيّة يجب توفّرها في الباحث ، حتّى يوصف بحثه أو عمله وتمشّيّاته بالعلميّة والموضوعيّة، وهو ما يمكن إجماله في الشّروط التّالية:1- الإيمان بقيمة العلم: أي تقدير قيمة العمل العلمي، والشّعور بأهمّيّته والمسؤوليّة تجاهه.إذ الفاقد لهذا الشّرط لا يمكنه احترام العلم وأصحابه وتمشّيّاته ونتائجه.2- استبعاد الصّدفة: أي الإيمان بالسّببيّة والهدفيّة في تركيب العناصر والأشياء. إذ لا يستطيع العقل الإنساني العمل إلاّ في مجال مقنّن ومنظّم.- الدّهشة الخيّرة/الاندهاش أو الاندشاه العلمي الإيجابي/المنتج: ذلك أنّ العلم وليد الدّهشة والحيرة، والبحث والسّؤال والتّساؤل باستمرار.4- الإكثار من جمع الظّواهر: يعني مراكمة الأحداث والظّواهر لتبيّن طبيعة العلاقة بينها ، ثمّ استثمارها في التحليل والاستنتاج أثناء البحث وفي نهايته.5- النّزاهة والصّبر: للبحث العلمي خصوصيّاته ، ممّا يستدعي التّفّع عن المزالق والأخطاء ، مع ضرورة التّحلّي بالصّبر لتحدّي الصّعاب الذّاتيّة والموضوعيّة، واجتناب المخادعة والمغالطة والتّزييف للحقائق وتشويهها، أو تغييبها وإلغائها وإقصائها. معنويّا ومادّيّا، مع ضرورة الإصداع بالحقيقة دون الخوف من النتائج.7- إنكار الذّات: وهو ما يعني التّفاني في خدمة الحقيقة العلميّة والتّضحية من أجلها، ومن ثمّ القدرة على مغالبة الذّات وشهواتها وأطماعها: الوجدانيّة والنّفسيّة والاجتماعيّة والمادّيّة وغيرها.8- النّقد العادل والعلمي البنّاء: أي تجاوز مجرّد النّقد للنّقد، أو مجرّد الانتقاد أو الهدم للسّائد، إلى إعادة البناء على أسس سليمة ودقيقة ويقينيّة، وكشف الثغرات والنّقائص، مع الإشادة بما بناه السّابقون وكشفه للاّحقين، والبحث عن إمكانيّات جديدة للعلم والمعرفة والإضافة النّوعيّة والطّرافة.9- الخيال العلمي: التّحلّي بالقدرة على تصوّر الوضعيّات والظّواهر العلميّة، والإبحار في عالم العلم والمعرفة دون توقّف.فلا يقف الباحث أو الدّارس عند ظاهر الأشياء، بل يتجاوزه إلى الماوراء واكتشاف الباطن والخفيّ ، والذي ألغي وأقصي وغيّب وحرّف وهمّش بطرق واعية مقنّنة أو لاشعوريّة وعفويّة. مع الفضول المعرفيّ. فلا يكون الباحث سجين اختصاصه العلمي الدّقيق منغلقا على ذاته. وهذا ما يحيلنا إلى ضرورة الانفتاح على المجالات العلميّة الأخرى الممكنة والمساعدة للباحث على تحقيق أهدافه، الأمر الذي يحيلنا بدوره إلى تعدّد المناهج وتنوّعها بتعدّد المجالات وتنوّعها أيضا. فما هي إذن أنواع مناهج البحث العلمي؟توطئة:تتعدّد مناهج البحث العلمي عموما بتعدّد الميادين العلميّة. ممّا يجعله مميّزا عن غيره من العلوم موضوعا ومنهجا. والمنهج الاستردادي، على انّه يمكن أن يضاف إليها منهجان آخران مكمّلان لما تقدّم، والمنهج الجدليّ. فما هي مظاهر ذلك إذن؟1-المنهج الاستدلالي/الاستنباطي:هو المنهج الذي ينطلق من مبادئ (معطيات) ثابتة إلى نتائج تتضمّنها. وبعبارة أخرى هو: تفكيك القضيّة إلى أجزائها[15]. ويعرّف بدوي المنهج الاستدلالي فيقول: "وهو منهج يبدأ من قضايا مبدئيّة مسلّم بها إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضّرورة، أو بواسطة الحساب"[16]. لهذا يرتبط هذا المنهج أساسا بالمسائل النّظريّة والرّياضيّة. ويعرف هذا المنهج أيضا بالمنهج القياسي[17]، لذلك يستعمل هذا المنهج في علم الرّضيّات خاصّة، كما يستعمل أيضا في علمي أصول الدّين وأصول الفقه في الثّقافة الإسلاميّة، الذي يتأسّس على منطلقات نصّيّةثابتة، كاستنباط الحكم الشّرعي في مسألة عارضة استنادا إلى النّصّ الثّابت. وهو منهج الفلسفة أيضا القائم على القضايا النطقيّة(القضيّة = الموضوع + المحمول)، باعتبارها بديهيّات ومسلّمات تربط بينها علاقات منطقيّة ، تنتج عنها قواعد أو قوانين قابلة للإثبات والتّقنين والتّعميم،2- المنهج الاستقرائي/التّجريبي:يعرف هذا المنهج أيضا بمنهج الاستقراء التّجريبي، و"هو منهج يبدأ فيه من جزئيّات أو مبادئ غير يقينيّة إلى قضايا عامّة وبالاستعانة بالملاحظة والتّجربة لضمان صحّة الاستنتاج"[18]. نلاحظ أنّ هذا المنهج يقوم على أسس ثابتة وهي: الملاحظة+التّجربة+الاستنتاج، ومن ثمّ التقنين أو التّقعيد والتّعميم، لأنّ منطلقات هذا المنهج ليست يقينيّة أو بديهيّة، خلافا للمنهج الاستدلالي. لذلك يبدأ الباحث ، المستعمل للمنهج الاستقرائي التّجريبي، بملاحظة الأحداث والظّواهر، فيجري عليها التّجارب ويكرّرها، التي يجب البحث عنها، وينتهي بالتّحقّق من نتائج بحثه وتجاربه، إمّا بإثبات صحّة تلك الفروض أو بطلانها،هكذا، فإذا كان منهج الاستدلال/الاسنباط يعتمد على قضايا ومسلّمات وبديهيّات قائمة ليخرج منها بنتائج، فإنّ منهج الاستقراء يعتمد جمع الأدلّة التي تساعد على إصدار تعميمات محتملة الصّدق[20]، وتكون التّجربة هي الدّليل على صدقها أو عدمه، ومن ثمّ يأتي الاستنتاج والتّعميم والتّقنين بعد الملاحظة.أ- المنهج الاستقرائي التّام: أي حصر جميع الحالات الجزئيّة، التي تقع في إطار ظاهرة أو فئة معيّنة"[21]. وهذا يعني أنّ المنهج الاستقرائي-التّجريبي- التّام يتميّز بالعموميّة والشّموليّة، فهو لا يترك جزئيّة من الجزئيّات التي تتّصل بالظّاهرة موضوع البحث والدّراسة. فتستخدم الملاحظة والتّجربة للكشف عمّا يوجد بين جميع تلك الجزئيّات والأشياء من أوجه شبه أو خلاف، لتأتي في ما بعد مرحلة الاختراع أو الكشف، ثمّ تأتي مرحلة البرهان ، وفيها يحاول الباحث التّحقّق من صدق وجهة نظره، بأن يبرهن على أنّ العلاقة التي اهتدى إليها بعد ملاحظة ظواهر موضوع بحثه،هكذا، نتبيّن مدى أهمّيّة المنهج الاستقرائي التجريبي التّام، باعتباره محاولة لفهم الظّواهر الطّبيعيّة وغيرها فهما علميّا، بواسطة ربط الظّواهر ببعضهابعضا، وشرح ما يربط بينها من علاقات مطّردة أو قوانين وسنن. وهو ما يتيح للباحث إمكانيّة التّنبّؤ بعودة الظّواهر، متى تحقّقت الشّروط التي أدّت إلى وجودها في ظروف مشابهة. وهو ما يجعل ذلك التّنبّؤ إمكانا للمعرفة دون معاودة الملاحظة والتجربة[23]. هذا في ما يتعلّق بالمنهج الاستقرائي التّجريبي التّام،ب- المنهج الاستقرائي النّاقص: أوبعض نماذج، والتي تدخل تحت الدّراسة. وهذا غالبا ما يخضع لقواعد إحصائيّة"[24]. بهذا يكون الاستقراء التّجريبي النّاقص أكثر أهمّيّة ودقّة علميّا وعمليّا. وهو ما جعل العلوم تنحو إلى مزيد التّفرّع والتخصّص، وفي التّاريخ المعاصر خاصّة. وفي هذا المنهج يترك الإنسان الحرّيّة التّامّة لعقله، ليخترع ما لا تستطيع الظّواهر الكشف عنه.هكذا، يكون الاستقراء النّاقص مجموعة من الأساليب والطّرق العمليّة والعقليّة، التي يستخدمها الباحث في الانتقال من عدد محدود من الحالات الخاصّة، إلى قانون أو قاعدة أو قضيّة عامّة، يمكن التّحقّق من صدقها، تطبيقا على عدد لا حصر له من الحالات الخاصّة الأخرى، التي تشترك مع الأولى في خواصّها أو صفاتها النّوعيّة[26]. من هنا نتبيّن مدى أهمّيّة المنهج الاستقرائي النّاقص أيضا مقارنة مع المنهج الاستقرائي التّام، أعمّ من المقدّمات، ومن هنا كان الاستقراء النّاقص منتجا علميّا وعمليّا. ولا يتمّ الانتقال من التّجارب إلى القانون ، إلاّ بفضل عمليّة عقليّة هي التّعميم، وهي أساس العلم الصّحيح وروح المنهج التّجريبي. فلو عجز الإنسان عن التّعميم لاستحال وجود علم حقيقيّ، وإلاّ كان مجرّد ملاحظات أو تجارب مكدّسة متفرّقة.وإنّ التّعميم هو أوّل درجة في عمليّة الاستقراء النّاقص، وهو بالتّالي الذي يعلي من درجته فوق الاستقراء التّام"[27]. خاصّة أنّ التّعميم لا يلجأ إليه الباحث إلاّ بعد تنويع التّجارب وتعدّدها لأنّ هدف البحث وغائيّته الكبرى إدراك الحقيقة،إضافة إلى ما تقدّم، وثانيهما الاستقراء النّقص العلمي. الذي يلجأ إليه الإنسان في حياته العاديّة، لكن هذا النّوع لا أهمّيّة علميّة كبرى له، لأنّه يؤدّي إلى نتائج مشكوك في صحّتها، وقد برهنت التّجارب على فساد هذا النّوع من التّعميم. مثال ذلك تكوين فكرة سريعة عن خلق شخص ما، فهو امتداد للنّاقص، ثمّ التّعميم، إلى قضيّة عامّة للتّأكّد من صدقها[30]. هذا ما يجعل الاستقراء العلمي يقوم على أسس علميّة رئيسيّة واضحة، تتمثّل في اعتماد الملاحظة + التّجربة + بعض الأساليب التي يعجز العامّي عن استخدامها. وهو الكشف عن القوانين العلميّة، التي تتيح للباحث العلمي التّنبّؤ بعودة الظّواهر، ويساعده أيضا على تطبيق هذه القوانين تطبيقا علميّا[31].3- المنهج الاستردادي-التّاريخي:و المنهج الذي يستند فيه الباحث" إلى استرداد الماضي تبعا لما تركه من آثار أيّا كان نوعها. إذن، يقوم هذا المنهج الاستردادي على استرداد الأحداث والظّواهر، أي استعادتها واستحضارها لبحثها ودراستها، بهدف معرفة ما حدث في إطاره وظروفه وشروطه وملابساته التّاريخيّة،وإذا كان التّاريخ هو ما يحدث للإنسان وكلّ ما يهمّه ويتّصل به، فهو إذن يهدف إلى معرفة الماضي بالنّسبة إلى البشر: أفرادا وجماعات. أمّا ماضي الأشياء فلا يهمّه إلاّ بقدر اتّصاله بماضي البشر[33]. لفهمهما، بل يمكن البدء من اللّحظة التّاريخيّة الرّاهنة التي نعيش،4- المنهج الوصفي: وهو مكمّل للمنهج الاستردادي التّاريخي، الذي يصف الظّواهر في تطوّرها الماضي حتّى يصل بها إلى الوقت الحاضر"[35]. مع مثال محمّد أركون. كما يخضع هذا المنهج إلى عوامل ذاتيّة وموضوعيّة، تجعل الباحث يصف الظّواهر بطريقة انتقائيّة واختياريّة حسب أغراض دراسته وما يخدم مصالحه الحضاريّة والثّقافيّة والذّاتيّة وغيرها،يكمّل هذا المنهج المناهج السّابقة، ويتميّز المنهج الجدليّ بتحديد منهج التّناظر والتّحاور بين الجماعات العلميّة، أو في المناقشات العلميّة على اختلافها[36]. وقد تتداخل المناهج المتعدّدة بين المتجادلين وفق مجال البحث وطبيعة تمشّيّاته.III- مظاهر مساهمة علماء المسلمين في مناهج البحث العلمي: قديما وحديثا، في تأسيس مناهج البحث العلمي وتأصيلها وتطبيقها وتطويرها، وتداخلها مع المناهج التّكميليّة عامّة.1- نماذج من مساهمة علماء المسلمين في المنهج الاستدلالي- الاستنباطي:أ‌- علم الرّياضيّات: برز في هذا المجال العلمي العديد من العلماء المسلمين منهم:3هـ). عاش في عصر الخليفة العبّاسي المأمون، وكان أمين دار الكتب في عهده . برع في علم الجبر وألّف فيه. بل يعتبره المؤرّخون أوّل من استنبط علم الجبر[37]. كتاب الزّيج الثّاني.-كتاب الجبر والمقابلة[39].420هـ). كتاب الفخري[40].252هـ). منأشهر مؤلّفاته:- كتاب استعمال الحساب الهندي. كتاب : رسالة في المدخل المرثماطيقي[41]. كتاب: حساب الوصايا. كتاب التّخت في الحساب الهندي[42]. الثّلاثين مسألة الغريبة[43].سابعا: محمّد بن موسى بن شاكر وأخوه أحمد: برعا في علم الهندسة، فألّف الأوّل كتاب الشكل الهندسي، والثّاني كتاب الشكل المدوّر والمستطيل[4ثامنا: الثّباتي: عبد الله محمّد بن جابر بن سنان، برعا في علم المثلّثات، وألّف الثّاني كتاب: في المثلّثات[45].تاسعا: النّسوي: أبو الحسن علي بن أحمد، برعا في علم اللّغرثمات، فألّف الأوّل كتاب: المقنع في الحساب الهندي، وألّف الثّاني كتاب: تحفة العدد لذوي الرّشد والشّدد، وكتاب: تحفة الأعداد في الحساب[46].443هـ). جمع بين علمي الجبر والفلك، وهذه خاصّيّة تميّز بها العلماء المسلمين عن غيرهم لأنّ المفهوم التّوحيدي للعالم في تصوّرهم يوحّد الفكر والمعارف والعلوم والسّلوك والاعتقاد والأخلاق. من أبرز مؤلّفات البيروني: الآثار الباقية عن الفروق الخالية، وهو يعدّ تقويما يبحث في أعياد الأمم[47]. وضمّنه آراءه في علم المعادن والأحجار الكريمة، وقد ذكرناه هنا نكرّر ذكره لاحقا[48].ب‌- علم أصول الدّين والمنطق الأرسططاليسي: تداخل المنهج الاستدلالي-الاستنباطي مع المنهج الجدلي:ردّ على المنطق الأرسطي، المستصفى(المقدّمة).595هـ). وأعجب بالمنطق الأرسطي، فردّ على الغزالي في كتابه: تهافت التّهافت. وألّف كتاب" فصل المقال في ما بين الحكمة والشّريعة من الاتّصال" ليثبت مدى تكامل الدّين والفلسفة، خلافا لما ذهب إليه الغزالي وغيره.728هـ). ألّف في الرّد على المناطقة والمخالفين له في المسائل الدّينيّة. الرّدّ على المنطقيّين، اقتضاء الصّراط المستقيم[49]. ألّف فيميادين علميّة كثيرة، كعلم الكلام: منهاج اليقين في أصول الدّين، نظم البراهين في أصول الدّين، نهج المسترشدين في أصول الدّين. وفي علم الحديث ألّف: استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار، جامع الأخبار، النهج الوضّاح في الأحاديث الصّحاح، منهاج الصّلاح في اختصار المصباح. آداب البحث، ونهج العرفان في علم الميزان. وألّف في أصول الفقه والحكمة والفلسفة والنحو والعربيّة[50]. وألّف في علم الرّجال: خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرّجال، كشف المقال في معرفة الرّجال[51]. وقد وقعت بينه وابن تيميّة مجادلات كثيرة في مسائل خلافيّة في العقيدة والإمامة وغيرها[52]. والأدب. من مؤلّفاته: صون المنطق والكلام عن فنّي المنطق والكلام، الدرّ المنثور، الجامع الكبير والصّغير، الأزهار المتناثرة وغيرها.أ‌- علم الطّب:850هـ).- كتاب الحاوي. كتاب الحصى في الكلى والمثانة. كتاب الطّب الملوكي[53].978هـ). كتاب الأدوية القلبيّة[54].427هـ). وهو أشهر جرّاحي العرب والمسلمين والعالم في العصور المتوسّطة، ويذكر إسمه إلى اليوم في ميدان طبّ الجراحة[55].686هـ). من أشهر مؤلّفاته: كتاب الغذاء.ب‌- علم الصّيدلة:- كتاب مجرّبات في الطّلب. كتاب المغيث[57].7هـ).ج- علم الأحياء:برع عديد العلماء المسلمين في هذا الميدان منهم:646هت). ومن أهمّ مؤلّفاته:- كتاب الجامع في الأدوية المفردة. كتاب المغني في الأدوية المفردة[59].561هـ). من أشهر مؤلّفاته: كتاب في الأدوية المنفردة في علم النّبات[60].281هـ). من أشهر مؤلّفاته: كتاب الوفاء في الحيوانات والطّيور والأسماك[61].255هـ). جمع بين علم البيان والأدب وعلم الحيوان. من أشهر مؤلّفاته: كتاب الحيوان[62].682هـ). من أشهر مؤلّفاته: كتاب: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات. والحشرات[63]. هذه نماذج حول أهمّ مساهمات علماء المشلمين في العلوم التّجريبيّة ومناهجها، نماذج من مساهمة علماء المسلمين في المنهج الاستردادي- التّاريخي:أ‌- علوم الحديث ومصطلحه:أمام تداخل الصّحيح والموضوع والمختلق والمكذوب في الأحاديث النّبويّة، وعلم الدّراية، وهي علوم إسلاميّة خالصة تندرج ضمن المنهج الاستردادي لعلم التّاريخ.أوّلا: ابن الصّلاح: بيّن في ألّفه مواقفه العقائدية والعلميّة، بالغا، حافظا إن حدّث من حفظه، ضابطا لكتابه إن حدّث من كتابه. وإن كان يحدّث بالمعنى أشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني"[65]. من أهمّ مؤلّفاته: فتاوى ابن الصّلاح في التّفسير والحديث والأصول والعقائد[66].ثانيا: عبد الرّحمان بن أبي حاتم الرّازي: أهمّمؤلّفاته: الجرح والتّعديل. من مؤلّفاته: الجامع الصّغير،رابعا: محمّد بن حبّان أبو حاتم البستي: من مؤلّفاته: الثّقات.ب‌- علم التّاريخ:يرتبط علم التّاريخ منهجا وموضوعا بعلوم الحديث ومصطلحه، من حيث طرق التّحقيق والتّدقيق والوصف والأحكام التّي ينتهي إليها الباحث التّاريخي. كما عرفوا طرق التّحليل والتّركيب التّاريخيّة، وفحص الوثائق، ومنهج المقارنة والتّقسيم والتّصنيف، كما أنّ دراسة طرق التّحقيق التّاريخي عند كثيرين من علماء الطّبقات، وبخاصّة التّاج السبكي وابن خلدون والسّحاوي[67].وّلا: عبد الرّحمان بن خلدون: من أهمّ مؤلّفاته: المقدّمة.