بدت الرؤية مُصيبَةً. لمسها، تُطالبه بالتحرك، لأنواقُ تُرَمجِرُ، يتحرك، هو يعرفُ أبوظبي حيدًا ، يعرف شوارعها ، لكن هناك تعديلات كثيرة الآن، السيارات أشباح أمامه، لا شيء يبدو مُحدَّد الملامح، لا بأسَ سَيَسْتَمِرُّ في التقدم إلى الأمام حتى الإشارة الحمراء التالية،هو سائق ماهر ، يُمكن أن يقود مُغْمَضَ العينين كما يقول المثل، يتصوِّرُ أنَّهم لا يمتلكون سوى الأقوال المأثورة، و يضحك بينه وبين نفسه هارا رأسه في أسف على حال بلدِهِ، تمنى لو كان لديهم أقوال مأثورة أقل وحُسْنُ إدارة أكثر «لكن هل هُوَ حَقًّا حُسْنُ إدارة؟» ربما هو نَقْصُ المال؟ ربما هي الأطماع الخارجية؟ ربما هي الأطماع يتساءل وهو : الداخلية ؟ جَيْدًا لَنْ . ، وهو يستمع إلى " الراديو، كُلُّ الحواس الخَمْسِ نِعْمَةُ، يا الله كم هذا كريم أن نمتلك هذه الحواس الصغيرة مجرد تجويفين في الرأس من الأمام، وتسمع أنغامه وأخباره، وتكون بسبب هذه التجاويف أشخاصا أكثر قربًا من العالم، وأكثر التصاقا بالآخر الذي يُشبهنا فلا تشعر بالوحدة فعلا كما قالَ المَثَلُ: « الصِّحَّةُ تُساوي أَلْفَ هِيَةِ أُخرى» الشُّعُورُ بِالوَحدَةِ مِثْلُ الشُّعُورِ بالضَّلال، أحد يُفكر بينه وبين نفسه. الأسقف اللامعة، حتى مجرد تنفسِ الواحد ينتج صوتا تتردد أصداؤُهُ في كُلِّ الأركان، وكان المركز مكتظا بكل أشكال البشر، ففكر في التوقف لبعض الوقت، مدينة العجائب، يعني قَالَ النَفْسِهِ مِنْ غير المعقول أن أحيا ثلاثين عاما في هذا البلد دون أن أرى سوى إسفلت وناس كثيرون، ليس مجرَّدَ تَجَمهُرٍ ، تحول قليلا، كانت الرؤية جيّدةً، المكانُ مُبهر، لا أدري مع ذلك من أين يأتي كُلُّ هذا اللمَعَانِ، أَتُراهَا أَرْضَيَاتِ مُذهبَةً؟» تساءل بينَهُ وبينَ نَفْسِهِ « يا لي مِنْ أَحمق! حتمًا هِيَ فَقط شِدَّةُ النَّظافَةِ وَجَودَةُ المواد المستخدمة.كيف كانَ يُحدِّثُ نَفْسَهُ طوال الوقت؛ ليشعر بالألفة، ليقاوم ذاك الشعور الغريب الذي اجتاحه حال وطئت قدماه عتبة المركز، بأنه غير مرئي بأنه غير موجود. يكره هذا الشُّعور ؛ ، ويَشْعُرُ بِأَنَّهُ مُهم هو بينهم حكيم ووقور، ورأيه لهُ ثِقَلٌ ووَزْنُ ومعيار ، هنا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ. أراد فقط التغلب عليه ، تجاوزه، لا يجب أنْ يَهْزِمَ أَيُّ مكان - مهما يَكُن بَرَاقًا وصاحبا - رجلًا عجوزًا عَرَفَ الدُّنيا والنَّاسَ المعرفةُ آمَنُ دومًا، حين تكون «عارفًا» يكونُ مُرَحَبًا من بك في أي مكان، فلا داعي للتصرف، أَوْ قَرَوي جاهل لا يعرفُ مِنْ أي طريق يتجه ، كيف يستخدم دورات المياه الحديثة. حقائب، تساءَلَ : هَلْ حقا يحتاجُ النَّاسُ كُلَّ هذه البضائع ؟ ماذا يعني أن يكون لديك ملابس، وأحذية وحقائب، وساعات ومجوهرات كثيرة؟ كل هذه أشياء لتزيين الجسد، قال زميله السائق في وقت سابق، كانوا يتحدَّثونَ عَنِ الأثرياء وكيف يُنفِقُونَ أموالهم، في الواقع كانوا يتحدَّثونَ عَنْ زميل لهم بُتِرَتْ قَدَمُهُ في حادث، و يتشاورون كيف يُمكنُ أَنْ يَجْمَعُوا له المال ليشتري قَدَمًا اصطناعيةً ثُمَّ تَطرَّقوا للأثرياء، ولو أنهم يتسقطون أخبار الفقراء لِيَفُكُوا أَزْمَاتِهِمُ الطَّارِيَّةَ هُمْ لَمْ يَتَحدَّثوا عَنْ رَغبتِهِمْ في أَنْ يكونوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ أثرياء. بَدَتْ مُجرَّدُ هذهِ الأُمنية غير منطقية في النهاية يجب أن يقوم أَحَدٌ بِدور العامل والسائق، هم لا يعتبرون أنفسهم فقراء. ربما تتمزق الأحذية أحيانًا، لكن هذا طبيعي، عمومًا يستطيعون تغيير الحذاء المهترئ، قد تأتي حاجة ملحةٌ أكثرَ لِصَرْفِ المال فيها مِثْلُ توفير مبلغ القدم الاصطناعية لزميلهم المسكين سيسير الكثير منهم بأحذية مُمَزَّقَةٍ ، يعلمون تَبِعاتِ قرارِهِمْ ذاك. كانتِ المَطاعِمُ مُصطَفَةً في تنوع كبير ، اتجه لأقربها إليه ، طلب إليه الإعادة، كان صدى الضوضاء يُشعِرُهُ بالصَّمَم، أعاد طلبه ، وهو لا يُجيد الانجليزية، يُكرِّرُ سُؤالَهُ عَنْ طلبهِ، وقَفَ مَكَانَهُ ، دومًا تَصَوَّرَ أَنَّ لُعْتَهُ العربية جيدة، وَأَنَّ سَمْعَهُ جِيْدٌ. وَأَنَّ النَّاسَ يحترمونه في ذلك المكان بَدَتْ كُلُّ تلك الحقائق موضعا للشك . شَعَرَ كَأَنَّهُ يعودُ إلى الوطن، أحبها مِثْلَ وَطنِهِ، مِثلَ أُمِّهِ.تدور برأسه كُلُّ هذه الأفكار وهُوَ يقود ببطء في خط مستقيم، يحمد الله، لم تكن سُرعة كافية، تفتح الإشارة، يُصْطَرُّ للتَّحرُّكِ قبلَ أَنْ يَلتَهِمَهُ غول الشارع العاضب. صوت ارتطام مفاجي وقوي، وَلَمْ يَعرِفْ مَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذلك.يَجِدُ نَفْسَهُ محصورًا تحت أسياخ السيارة، يَشْعُرُ ببَلَل دافي يحيط به، يسمعُ أصوات النَّاسِ «هذا السائقُ المُتَهَوِّرُ هُوَ مَنْ تَسبَّبَ بِالحَادِثِ طَوَالَ الطَّرِيقِ يسير مثل سلحفاة ثم فجأة يدوس على البنزين)»، نَعَم بالأمْسِ تسبَّبَ سائق (تاكسي) بدَهْسِ طفلة، لا يُجيدون التَّعَامَلَ مَعَ الجُمهور»، يَسْمَعُ صوتَ صفارة الإسعاف، يد تمتد إليه لانتشاله ، إنها نظارتُهُ،