ثورة بروكوبيوس ضد الإمبراطور فالنز ( دراسة تحليلية مفصلة لأحداثها الداخلية ) وقد زخر التاريخ بين طياته بالعديد من الثورات علي المستوي السياسي أو الاجتماعي أو العقائدي، ومحاولة تغييره أو طمسه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وغالبًا ما يدعم تلك الثورات طائفة من المناصرين الذين يخامرهم نفس الأمل ويلتقون حول نفس الهدف، تعد ثورة بروكوبيوس ضد الإمبراطور فالنز من أبرز وأشد القلاقل الداخلية التي جابهت ذلك الإمبراطور عام ٣٦٥ م ، بل ولازمته طوال فترة حكمه للإمبراطورية البيزنطية، وهى ثورة بروكوبيوس في القسطنطينية ٣٦٥ - ٣٦٦م وأثارها على مصر، تناولت تأثير تلك الثورة على الجانب الخارجي مركزاً دائرة الضوء على هذا الجانب وخاصة أثرها على الولايات الأخرى وخاصة ولاية مصر التابعة للدولة البيزنطية وقد تجمعت لها عدة عوامل كتبت لها ذلك التوفيق بداية، واستمالت تلك الصلة عددًا كبيرًا من أطياف المجتمع الإمبراطوري والتي ينشد ولاؤها دومًا أصحاب الدم الملكي. أن صلة بروكوبيوس بالإمبراطور جوليان قد استقطبت الكثير من العناصر العسكرية، بيد أنه وجد عامل آخر مهد النجاح أمام حركة بروكوبيوس تمثل في تدني شعبية فالنز بسبب ضآلة خبرته في إدارة تلك الإمبراطورية الشاسعة، وعلاقاته بالأباطرة السابقين لفالنز، فقد كانت الدافع القوي لتكوينه السياسي، وهيكلة صورته بسمات خاصة سنلمحها من خلال حركته التمردية ضد فالنز. كان فالنز (۱) ضابطًا في جيش الإمبراطورية، فعقب وقاة الإمبراطور اجتمعت كلمة قادة الكتائب على اختيار فالنتينيان الأول Valentinian I ( ) ( ٤ - ٣٥ م ) إمبراطورًا خلفًا لجوفيان، وفي السادس والعشرين من شهر فبراير ٣٦٤م (٥) يصير فالنتينيان إمبراطورًا للدولة الرومانية، ونظرًا لما كان يحيط مساحاتها الشاسعة من تهديدات تمس حدودها ارتأي فالنتينيان تنصيب أخيه فالنز كشريك له في إدارة الإمبراطورية وحكمها في الثامن والعشرين من مارس عام ٣٦٤م ولم يمر سوى شهر علي تسلمه الحكم، وذلك ليتسنى له إحكام السيطرة علي الإمبراطورية مترامية الأطراف (٦) ومن ثم قسمت الإمبراطورية بين الأخوين ليتولى فالنتينيان حكم أقاليمها الغربية، بينما يحكم فالنز الجانب الشرقي من الإمبراطورية ( ٣٦٤ - ٣٧٨م ) طيلة أربعة عشر عامًا (۷) ، ومن هنا بزغ نجمه السياسي ومهد له طريق الحكم. أنه علي أن السياسة القمعية والتعسفية التي انتهجها فالنز سببت له القلاقل والمتاعب الجمة، فلم يحظ بالاستقرار الذي ينشده كل من يجلس علي سدة الحكم ، فقد كان يبطش بكل من يشك في ولائه الشخصي في تلك البقعة التي تقع تحت سلطته، ويبدو أن الأمر يرجع في كثير إلي تكوين فالنز النفسي. بيد يبرز علي الساحة عامل آخر مَثْلَ معول هدم لحكم فالنز تمثل في والد زوجته ألبيادومنيكا Albiadomnica المدعو بترونيوس Petronius ) ، والذي مثل القبضة الموجهة نحو رعايا الإمبراطورية، دمیم الشكل والمظهر، مما كان له بالغ الأثر في مكونه السلوكي فاتسمت تصرفاته بطابع العنف، مضافا إليها غرامات التأخير وتعويضاتها التي قد تصل إلي أربعة أضعاف أصل الدين (۹) . فكراهية الشعب البترونيوس استتبعت بغضهم لفالنز باعتبار أن بترونيوس مخلبه الموجه نحوهم، بل وتدمير سياسته، فالنز. على أن العوامل السابقة لم تكن وحدها المتسببة في شقوط شعبية فالنز ونجاح ثورة بروكوبيوس في البداية، فقد انضم إليها عامل آخر هو اعتقاده القوي في أعمال الكهانة، وإيمانه الشديد بقدرات إحدى الكاهنات في قرءاة الطالع واستقراء الغيب، وأن هذا الشخص سيقوم بثورة ضده ويحكم الإمبراطورية بدلا عنه. فقام فالنز بإعدام العديد من الشخصيات التي يبدأ اسمهم بهذا الحرف (۱۱) فأضيف لسياسته القمعية هوس بالشعوذة، يرحم مطلقًا أثناء غضبه وكانت مقولته الشهيرة " من يرفع الغضب سريعًا يمكنه أن يضع العدالة جانبًا " (١٢). ويرجع ولعل السبب الرئيسي لتفلت الأمور من يد فالنز عدم امتلاكه للميزان المعنوي الذي يقيس به كل سياسي قراراته قبل خروجها لحيز التنفيذ هذا الميزان الدقيق الذي يعد المرجع الأساسي لحساب كل كبيرة وصغيرة من الأوضاع السياسية ومعرفة تأثير قراراته علي المدي القريب والبعيد وعلي مجمل الاتجاهات (۱۳). وتعرضه - فضلًا عن القلاقل الداخلية - لمشاكل خارجية من جانب الفرس الذي نقضوا هدنتهم مع الإمبراطور جوفيان في يونيو عام ٣٦٣م (١٤) ، وقاموا بالتوغل إلي بعض أقاليم الإمبراطورية واستولوا علي نصيبين، ثانيهما التقدم لصد الزحف الفارسي وإيقافه (١٥). أما عن بروكوبيوس (١٦) الذي قاد حركة التمرد ضد فالنز، ثم أسندت إليه مهمة ترتيب الكونتات (۱۸) وتوزيع اختصاصاتها، ويكون مصدر إزعاج نظرًا لطموح بروكوبيوس لارتقاء أعلى المناصب (۱۹). لتأمين جناح جيش الإمبراطور، بالإضافة إلى الانقضاض على الجيش الفارسي من الخلف متى سنحت الفرصة لذلك، وقد نجح بروكوبيوس في إتمام المهمة الموكلة إليه على أكمل وجه مدافعا عن منطقة ما بين النهرين، وهنا استقبلهم بحفاوة بالغة نظرًا لنجاحهم الكبير فيما أوكل إليهم من مهام (۲۲) فلما بوغت الجميع بمقتل الإمبراطور أثناء تلك الحملة، أسند إعلان هذا النبأ الخطير لكل من بروكوبيوس والتربيون ميمورديوس Memoridus اللذين أعلنا هذا الخبر في الليريكوم Illyricum (۲۳) وبلاد الغال Gaul وهنا تم إعلان جوفيان إمبراطورًا للدولة (٢٤). وذلك في أواخر عام ٣٦٣م (٢٦) . بروز دور بروكوبيوس وبداية الثورة :- فقد كان الطابع قطاعات الجيش بديلاً عنه، نحو التمرد (۲۸). وتمثلت فيما يلي: تمثل الدافع الأول في صلة القرابة التي كانت منعقدة بينه وبين الإمبراطور جوليان من جهة الأم، متفوقًا على خصمه، وجعله يستشعر أن دماءه أكثر ملكية من فالنز (۳۰). أما الدافع الثاني فقد وجد زعم قوي بأن جوليان قد قام بترشيح بروكوبيوس ليخلفه على عرش الإمبراطورية قبيل حملته على بلاد فارس في الوقت الذي اصطف فيه بروكوبيوس علي حدود بلاد ما بين فارس قد ضعفت أو أصابني مكروه أو أدركني الموت، إمبراطورًا (۳۱). وقد أكد بعض الشهود أن الإمبراطور جوليان قد سمي اسم بركوبيوس وهو في النزع الأخير كذلك أنه لم يقتصر أمر سماع تلك الوصية علي بروكوبيوس بل وجد شهود عيان آخرون قد استمعوا إلى ما أوصى به جوليان. تمثل الدافع الثالث في أن بروكوبيوس حين توجه بصحبة سيباستيانوس من خلال أديابين Adiabene (۳۳) لتأمين بلاد ما بين النهرين، وقبل اتخاذه الطريق المغاير لتحرك الإمبراطور، لكن ما يعنينا من الأمر كون جوليان قد منح هي أن " ثورة بروكوبيوس " قد قامت بالفعل. إلا أن ما يدعو للدهشة والعجب أن تلك الثورة لم توجه ضد جوفيان الذي تولي سدة الحكم عقب موت جوليان، رأى في نفسه أنه أحق وأولى منه بالوصول إلي العرش بناءًا علي وصية جوليان كما سبق وادعى مما يجرنا نحو تساؤل آخر هو لِمَ لَمْ يبادر بروكوبيوس بالإطاحة بجوفيان ليحل مكانه علي وللإجابة عن هذا التساؤل لابد من استقراء الأحداث التي سبقت ثورة بروكوبيوس، فبمجرد ومعربًا له مما يوضح عدم وجود أدنى إشارة أو ظهور نية من قبل بروكوبيوس للتطلع لعرش ورئيس أمناء السر، والذي ارتأى المحيطون فما كان من الإمبراطور جوفيان إلا أن أمر بالقبض عليه، ثم ألقى فوقه كومة من الحجارة حتي لقى بيد أننا لا نستطيع أن نجزم بأن التخوف من بطش جوفيان هو السبب الحقيقي وراء عزوف جوفيان بين جنوده، بل هم من رفعوه ليرتقي سدة هذا العرش، فلو تبادر لذهن بروكوبيوس القيام بثورة ويبدو أن الوضع كان منقلبًا بالنسبة لبروكوبيوس آنذاك، فهو الذي كان متخوفا من أن ينقلب عليه جوفيان إذا ما تبادر لعلمه ما كان من رغبة الإمبراطور الراحل جوليان في تولية بروكوبيوس عرش ومن ثم طلب من جوفيان إعفاءه من قسمه العسكري، مع السماح مقررًا الإقامة بممتلكاته الخاصة في وتم إرسال من يلقى القبض عليه، فل تجارية (٤٥). وقد تم إدراك هذا الأمر من لسان ستراتجيوس ذاته عندما أجريت التحقيقات مع المتواطئين بالتنظيم السري الذي أنشأه وكان علي استعداد للوثوب دفعة واحدة لدى رؤية أي شخص يريد الانقضاض عليه " (٤٨). الملائمة للانقضاض والثورة حين يتسنى له ذلك. وحين ارتأى بروكوبيوس أن الظروف قد سنحت توجه نحو القسطنطينية ليفجر ثورته ضد خاصة مع وجود فالنز على لمآس كثيرة ومؤلمة فلو كتب عليه الموت جراء ثورته فسيكون أكثر رحمة مما تعرض له من آلام (٤). ثم مثل هذا الدافع المبرر الأقوي لتمرده، إضافة لتولي فالنز عرش الإمبراطورية الشرقية. كان فالنز مشغولاً بتأمين الحدود، وفي نفس الوقت كان القوط يعدون وما أن نما لعلمه ذلك الخبر ، وأمر بتعزيزات كافية لسلاح الفرسان والمشاة لتدعيم الدفاعات عن الحدود الدانوبية (٥٢). وفيلق ووفقًا للعرف السائد فإنهم سيتوقفون لمدة يومين بالقسطنطينية أثناء تحركهم إلي وجهتهم المعلومة، وهنا قرر بروكوبيوس استغلال تلك الفرصة في إغواء بعض القادة ممن يثق في عدم انشقاقهم عليه وليقتصر على تلك الفئة القليلة فقط، فقد كان باعتقاده أنه من الآمن " الاعتماد على أمانة القلة أفضل، آنذاك الاعتماد على قلة من الضباط من ذوي الثقة فحسب. 00) وأمام تلك المكافات فكان لابد من استكمال الأمر بمقابلة هؤلاء، وعند لقاء بروكوبيوس بهم تم التأكيد على ما قطع من وعود إلا أن الأمر كان مغايرا حين التقي بالجنود المرتزقة ، فعلى الرغم من تعامله معهم باحترام كبير إلا أن البعض منهم قاموا باحتجازه (۸) حتى يتحققوا تمامًا من تلك المكاسب التي سيحصلون عليها حيال انضمامهم لحركته (٥٩) ، فقد كان العنصر المادي هو المحرك الأساسي والمعيار الأكثر أهمية في التحكم في توجهاتهم. وبعد اطمئنانه بأن خيوط اللعبة السياسية بين قبضته إذ به يعلن نفسه إمبراطورًا للدولة الرومانية الشرقية، يذهب بقوله: " (٦٢)، فقد كان يرتدي حذاءًا بنفسجيًا بقدميه حاملًا في يده اليمنى قطعة صغيرة من القماش الأرجواني إضافة إلي حمله لرمح (۱۳)، فبدا أمام الحضور بصورة ممثل من الدرجة الثانية يقوم بتجسيد مشهد درامي وقد ظهر فجأة علي المسرح (٦٤) ، وقد دخل حزن عميق إلي نفوس الجنود حين تم رشقهم بالحجارة من أسطح المنازل التي أحاطت بمسيرتهم (٦٦). وجد بعض من عامة الناس الذين لم يظهروا أي امتعاض أو نفور من تأييد ثورة بروكوبيوس، بل وجدوا فيه أملهم المنشود الذي سيخلصهم من بترونيوس – حمي فالنز – تلك الشخصية البغيضة على قلوبهم، فقاموا بتأييد هذه الثورة، ونظرًا لانعدام شعبية فالنز بين جموع المواطنين، وهو أوجنيوس (٦٨) فاستقطبه لتزويده بما يلزمه من أموال تعينه على تقديم الرشاوي لحراس البلاط التي تتألف من جحافل عسكرية وعبيد مسلحين لتدعيم قبضة بروكوبيوس في القسطنطينية (٦٩). Eugnius وفي تلك اللحظة يصعد بروكوبيوس إلى البلاط الإمبراطوري ويخطب في الناس خطبة قصيرة بصوت هادئ منكسر ، متحدثًا فيها عن علاقته بالعائلة الإمبراطورية، وبأنه لقرابته بها أحق بالعرش من فالنز. وقوبلت خطبته بداية بتصفيق باهت من قبل شيعته التي تمت رشوتها وشراء ولائهم، أما عن الطبقة ذات الأحوال المضطربة فقد قابلت خطبته بعاصفة من التصفيق الحار وقد رحبوا به وتقبلوه إمبراطورًا عليهم ثم توجه بروكوبيوس في خطوة لاحقة إلى مجلس السناتو الذي خلا من وجود أي نفر من النبلاء، وما لبثوا أن انضموا جميعًا لحزب بروكوبيوس سواء عن طيب خاطر أو عن طريق شراء ولاءهم بالمال، إلا أن فريق منهم سئم الوضع مفضلا الفرار والانضمام لمعسكر فالنز (۷۱). ومن تعاقب تلك الأحداث كان صفرنيوس Sahronius(۲) ، الذي كان يشغل منصب سكرتير الإمبراطور فالنز فقد توجه نحو معسكره لينبأه بكل الأحداث. Vo) أراد بروكوبيوس تدعيم مركزه بأسرع وقت، ففي الوقت الذي كان فالنز يمضي قدمًا بأقصى سرعة ليصل القسطنطينية لجأ بروكوبيوس لحيلة بارعة بواسطة مبعوثيه حين تظاهر بعضهم بمجيئه من بلاد الشرق والبعض الآخر تظاهر بقدومه من بلاد الغال لإيهام أتباع فالنز باتساع نفوذ ثورة بروكوبيوس (۷۷)، وتشتعل الخطة أكثر حين أشاع هؤلاء النفر أن الإمبراطور فالنتينيان قد توفى، وبذلك تسقط شرعية فالنز المعين من قبله ، ومن ثم أصبح الطريق ممهدًا أمام بروكوبيوس لاعتلاء العرش دون منازع (۷۸). ولعل الهدف من هذه الحيلة تمثل في نزع رداء شرعية الحكم عن فالنز الذي اكتسبها في الأساس من تنصيب فالنتينيان له فبموته تسقط تلك الشرعية الممنوحة له حيث كان فالنز يحكم نيابة عنه، وفي تلك الحالة لن يوجد ممانع لتولي بروكوبيوس زمام الأمور والرضوخ للأمر الواقع. مع إقصاء كل من تولاها فترة حكم فالنز، كما تم إيداع قيصريوس Cassarius حاكم القسطنطينية السجن أيضًا، كما أصبح يوفراسيوس Euphrasius سيدًا للمناصب (كبير) المسئولين الإداريين، الكفاءة مما أحدث كثيرًا من التجاوزات، فنجد الوساطات تلعب لعبتها في تعيين الأشخاص بالمناصب الهامة مثل تعيين أراكسوس Araxius بناء علي توصية من صهره أجيلو، للظفر ببعض الوظائف (۸۲) ، مما يؤثر بشدة علي أداء الوظائف بتلك الحكومة الناشئة، كما يؤثر بالسلب علي الرعية التي تجد من يصلون إلى مناصب خطيرة لمجرد طموحات هوجاء، بل وقد يصل الأمر بالحكم عليهم بالنفي أو الموت (۸۳). أراد بروكوبيوس التأكيد على شرعيته في الحكم، فقام في مرحلة مبكرة بصك بعض العملات وقد ابتغي بروكوبيوس تحقيق التفوق العسكري على فالنز، وقد كان بروكوبيوس على دراية كبيرة بالقوة الفعالة في قوات فالنز والتي كان يقودها يوليوس Julius في تراقيا، فأخذ يدبر لخدعة فعالة يتم بها استدراج يوليوس إلي القسطنطينية مع فرقته العسكرية، وابتلع يوليوس الطعم وتوجه لنحو القسطنطينية ليتم احتجازه وكافة فرقته، وكانت الخطوة التالية هي إنشاء جيش منظم وقوة عسكرية كافية، على أن هذه الخطوة قد تمت له في يسر حيث استطاع تجميع فئات من الفرسان والمشاة كانت تمر عبر تراقيا، واعدين إياه بالدفاع عنه بكل ولاء واستماتة، وبذلك أقروا ببروكوبيوس وسعي بروكوبيوس وراء كل وسيلة تدعم شرعيته فظهر أمام حشود الجماهير حاملًا الطفلة " بما يوحي بكونه الأجدر بعرش الإمبراطورية، وكونه الوريث الشرعي لسلالة قسطنطين العظيم (۸۹) ، حيث يمت بصلة قرابة للإمبراطور جوليان المرتد، موضحًا أن كل من فالنتينيان وفالنز لا يستحقان أن يصيرا أباطرة حيث لا ينتميان بأي صلة لسلالة قنسطنطين الملكية، وأراد بروكوبيوس في سبيل ترسيخ شرعيته إرسال بعض من مبعوثيه إلي الليريكوم، أغبياء متهورين " ومكشوفة أثارت حفيظة رجال فالنز، فلابد لمن يكون مبعوثًا في مهمة مثل تلك أن يمتلك مقومات شخصية تتسم بالحصافة والحيطة وحسن التعامل مع الحدث، لكن هؤلاء النفر سيطر عليهم شعور التباهي والأهمية لذواتهم فأخذوا في توزيع العملات الذهبية في زهو زائف دون مراعاة الاحتياطات الاحترازية في مثل تلك المواقف حتي لا يثيروا حفيظة القائمين علي المدينة، فقام أيكيوتيوس بقطع كل طرق الممرات التي تصل بين الشرق والغرب (14)، وثانيًا عن طريق سوتشي Succi (٩٦) ، أما الثالثة من خلال مقدونيا في المنطقة المعروفة باسم أكونتسيما contisma (۹) ، المواجهة بين بروكوبيوس وفالنز : لم يكن فقدان فالنز لعرش الإمبراطورية بالأمر الهين أو ما يمكن أن يمر مرور الكرام دون رد فعل، فاستعاد رابطة جأشه، إلا أن تقدمه كان مشوبًا بكثير من مشاعر القلق واليأس، حتى أنه فكر في لحظة من اللحظات في التخلص من عبء هذا الأمر والتخلي عن كرسي العرش، نرى في مشاعر الإحباط واليأس التي سيطرت على فالنز تعود في الأساس إلي جملة الضربات التي وجهها إليه خصمه علي المستوي العسكري من هجومه الخاطف علي القسطنطينية، وعلى المستوي السياسي في استقطابه للقادة وللرجال ذوي الكفاءات واستغلاله لمنصبه وصداقاته السابقة، واتكائه على سند من نبل أرستقراطي يجذب إليه جموع العامة، بل وكاد أن يلقي الأمر برمته ويرفع راية الاستسلام لولا حرص أتباعه على أنفسهم من قبله فهم من سيطاح برؤسهم إذا ما تم الأمر لبروكوبيوس فاستماتوا لرده إلى صوابه. بادر من فوره بالتحرك مصطحبًا فيلق ديفيتنسيس Divitenses يخالطه المجموعة التي استقطبها من جيش فالنز وضمها إلي صفوفه، فاتجه نحو ماجديوس Mygdus (۱) ، اندفع بروكوبيوس من بين الصفوف وأشار بذراعيه إلى أحد قادة جيش فالنز الذي يدعى فيتاليانوس، فإذ ببروكوبيوس يمد ذراعه لتحيته، كلا الجيشين ينظر في ذهول لهذا الأمر (۱۰۱) . وفي رأينا أن ما فعله بروكوبيوس إنما من قبل المناورة، فالحرب خدعة، وهو الأمر الي يأمله بروكوبيوس. بذل بركوبيوس أقصي قوته لإغواء قادة الفيالق التي تتصدر الجبهة كي تحول ولائها نحوه ، هل هذه نهاية الإخلاص للجيوش الرومانية، والأيمان التي تقسم تحت التزمات الدين ؟ هل قرر الرجال البواسل استخدام سيوفهم ضد الغرباء ؟ وأن بانونيا المتدهورة يجب أن تقوض ، (۱۰۲) وتزعج كل شئ ، وبالتالي يتمتع بقوة سيادية لم يغامر بتصويرها لنفسه في صلاته، اتبع بالأحري سباق أمرائك النبلاء الذين هم الآن في السلاح، وليس مع وجهة نظر الاستيلاء على ما ينتمي إليها، وقد تم الترويج من خلال هذا الخطاب الذي يوصف بالاسترضائي أو المحفز لأولئك النفر الذين أتوا بنية القتال فما لبث أن ظهر أثر مردوده باندفاع أعداد غفيرة من جيش فالنز نحو جيش بروكوبيوس منضمين إليه من تلقاء أنفسهم، ورافقوه إلى معسكره (۱۰۳). بل ويقودهم في غمار المعارك، كما استنكر أن تصير بانونيا مقرًا لحكم فالنز،