الكراهية هي أكثر العوامل الموحدة شمولا ووضوحا. تجتذب الكراهية الشخص من نفسه، وتحرره من الشعور بالغيرة والرغبة في الإنجاز. هكذا يصبح الشخص جزاء لا هوية له يتحرق بالرغبة إلى الالتحام بالأجزاء التي تشبهه؛ ليكون جمهورا شديد الاشتعال. يرى هاين أن ما لايمكن تحقيقه بالحب على الطريقة المسيحية يمكن تحقيقه بالكراهية الجماعية). تستطيع الحركة الجماهيرة أن تبدأ وتنتشر دون أن تؤمن بالله، ولكنها لاتستطيع أن تفعل ذلك دون الإيمان بالشيطان، ويمكن عادة أن نقيس قوة الحركة الجماهيرية بمدى نجاحها في إيجاد شيطانها وتجسيده، عندما سُئل هتلر عما إذا كان من الضروري إبادة اليهود قال: "كلا. لو زال اليهود لكان علينا أن نخترعهم. من الضروري أن يكون هناك عدو ملموس لا مجرد عدو مفترض" ). إن براعة الشخص الذي يعرف كيف يبدأ حركة جماهيرية ويطلقها، تتجلى في معرفة كيف يختار العدو الملائم بقدر ما تتجلى في قدرته على اختيار العقيدة الملائمة ووضع برامج لتنفيذها). تستطيع الكراهية الجماعية أن توحد العناصر المتنافرة. بل إن الكراهية يمكن أن توجد رابطا مشتركا مع عدو على نحو ينخر قواه ويضعف مقاومته. لقد استطاع هتلر أن يستغل كراهية اليهود لا لكي يوحد ألمانيا فحسب، بل ليضعف مقاومة دول تكره اليهود مثل بولندا ورومانيا. كما استطاع أن يستخدم كراهية الشيوعية بالطريقة نفسها). يقول هتلر: إن عبقرية الزعيم تتجلى في التركيز على عدو واحد على نحو (يجعل حتى الخصوم المتنافرين دخل هذا العدو يظهرون كما لو كانوا كتلة واحدة). يتمتع شيطان الحركة الجماهيرية بحضور دائم وقوي لا حدود له. وهكذا يصبح أي فشل داخل الحركة من فعل الشيطان، وأي نجاح تحقق فمن الشيطان ومخططاته. ويبدو أن الشيطان المثالي لابد أن يكون أجنبيا. ومن هنا فإنه لا بد لكي تكتمل الصورة من منح الشيطان المحلي أصولا أجنبية. كان بوسع هتلر بسهولة أن يدفع اليهود الألمان بوصمة الأجانب. وقد ركزت الحركة الروسية الثورية على الأصول الأجنبية للاستقراطية الروسية). لهذا نجد الشيعة في البحرين ركزوا في عداوتهم على من يسمونهم "متجنسين" وصبوا جام غضبهم عليهم. رغم أن العديد من قيادات الشيعة هم في الأساس مجنسون حديثا!! وهذا من ضمن صناعة الكره التي يتقنونها. من أين تأتي هذه الكراهية غير المنطقية ولماذا تتحول إلى عامل توحيد؟ إنها تعبير عن محاولة يائسة من جانبنا لإخفاء شعورنا بالنقص، أو بأي عيوب أخرى تنبع من داخلنا. هنا إلى كراهية للآخرين، كثيرا ما يحدث عندما يظلمنا شخص أن تتحول كراهيتنا إلى شخص آخر، أو جماعة أخرى لا علاقة لها بالأمر، فقد انتقم الألمان الذين شعروا بالظلم الذي أوقعته عليهم معاهدة فرساي بإبادة اليهود؛ وعمد الزولو الذين كان البوير يضطهدونهم في جنوب إفريقيا إلى ذبح الهندوس؛ ولجأ رعاع البيض الذين يحتقرهم الأرستقراطيون البيض في جنوب الولايات المتحدة إلى شنق السود). ص:151 يضيف الدكتور القصيبي مثال الإسرائليين الذين صبوا جام غضبهم على الفلسطينيين بعد المحرقة النازية. إن احتقار النفس يولد "اكثر النزعات إجرماً؛ لأنه يجعل الشخص ينطوي على كراهية قاتلة للقيقة التي تدينه هو، نحن لانجعل الناس متواضعين وديعين نادمين على تصرفاتهم عندما نكشف لهم عن ذنوبهم؛ الأرجح أننا سنثير فيهم مشاعر الكبرياء والعدوانية). نصب المزيد من الوقود على كراهيتنا عندما نظلم الذين نكرههم. وعلى النقيض عندما نتعامل مع العدو بتسامح نضعف من كراهيتنا له). أكثر الطرق فاعلية لخنق تأنيب الضمير إقناع أنفسنا والآخرين أن الذين أخطأنا بحقهم هم، مخلوقات شريرة تستحق أقصى العقوبات). يعاني أتباع الأديان السامية شعورا بالذنب عندما تتسع الهوة بين تعاليم دينهم وواقعهم المليء بالمعاصي. وعندما يدخل التطرف الصورة، فإن الشعور بالذنب يتحول إلى كراهية سافرة. وهكذا نجد أنه كلما ازداد التطرف عند أتباع مذهب ما، كلما ازداد التطرف عند أتباع مذهب ما، كلما نما لديهم الشعور بالكراهية). من المفزع حقا أن نلحظ كيف يعمد المظلومون دوما إلى صياغة أنفسهم على شكل ظالميهم، وما يقال من أن الشر يبقى حتى بعد أن يذهب فاعلوه صحيح، ومرجع ذلك أن الذين لديهم سبب لكراهية الشر يشكلون أنفسهم على شاكلته ومن ثم يديمون وجوده). ص153 ينطبق هذا الكلام على ملحمة كربلاء في الفكر الشيعي. وهكذا نرى أن الكراهية وسيلة سهلة لتحفيز جماعة ما للدفاع عن نفسها). بوسع الكراهية المتقدة أن تمنح الحياة الفارغة معنى وهدفا، ومن هنا فإن الأشخاص الذين يعانون تفاهة حياتهم يعمدون إلى لبحث عن معنى جديد، لا عن طريق اعتناق قضية مقدسة فحسب، وتتيح الحركة الجماهيري للمحبطين تحقيق الهدفين). لايمكن دون غربة عن النفس أن تكون هناك تضحية بالنفس أوالتحام كامل في المجموع، وهذه الغربة خلق نزعة نحو المواقف المتطرفة والتي تشمل الكراهية الحادة). عندما نصهر استقلالنا في مجموع الحركة الجماعية فإننا نعثر على حرية جديدة: حرية الكراهية والتخويف والكذب والتعذيب والقتل والخيانة دون خجل أو ندم. وهنا دون شك نجد جزءا منجاذبية الحركة الجماهيرية. نجد هنا (الحق في الانتهاك) الذي يزعم دستوفيسكي أن له جاذبية لاتقاوم).