مسألة الخصوصيّة و الكونيّة ۝ الخصوصيّة والكونيّة ۝ تعني الخصوصيّة التفرّد و التميّز وهي جملة الصّفات و الخصائص الماديّة و المعنويّة التي تخصّ مجموعة بشريّة لتكون عنوان اختلافها و تميّزها عن بقيّة الخصوصيّات. لذلك عُدَّ الكوني الفضاء أو الأفق المشترك الذي يحمل الصّفات أو الخصائص المشتركة التي تُوحّد البشر رغم تنوّع و اختلاف خصوصيّاتهم. 1-في دلالة الخصوصية: الخصوصية بما هي هوية: بل بالبحث عن الهويّة بما هي الميزة الثابتة في المجموعة و التي تحيل على الانتماء الثقافي أو الحضاري و بالتالي فالذي يعنينا هو الهويّة التي تتضمّن كلّ ما هو مشترك بين أفراد المجتمع مثل القواعد و القيم. وهو ما يُحوّل السؤال "من أنا ؟" إلى السؤال "من نحن ؟ " لننخرط في مساءلة أنتروبولوجيّة ترتكز على البحث عمّا هو مشترك داخل مجتمع واحد. و الذي لا يكون إلاّ إذا ما وعت الذات بالموقع الذي تحتلّه و الذي يُمكّنِها من القدرة على إصدار الأحكام و تبنّي موقف وفق مُحدّدات الهويّة التي ينتمي إليها. يقول تايلور: "أن أعرف من أكون يعني أن أعرف الموقع الذي أحتلّ " هذا الموقع هو ما يُمَكّن الإنسان من تحديد علاقاته و تقييم سلوكاته و تقرير المصالح و المباح . وهو ما عبّر عنه تايلور بأزمة الهويّة وهي " تجربة مؤلمة و مرعبة" فأزمة الهويّة هي حالة من الضياع وعدم معرفة الذات لذاتها و غياب موقف واضح من الأحداث و المواقف بل و من العالم . : ـ في مخاطر النظرة الآحاديّة الخصوصيّة2 و يقوم التعصّب على التسلّط و انعدام التسامح و رفض الاختلاف ممّا يُشرّع للعنف و لعلّ ما يذكره فولتيير عن ليلة القديس بارتيليمي خير دليل عن التعصّب الذي يشرّع لقتل الباريسيين لمواطنيهم لمجرّد اختلافهم عن مذهبهم الديني. فالانغلاق على الخصوصيّة هو تشريع للعنف وتهديد للكوني الإنساني مثل التعصّب الديني أو التعصّب العرقي (اعتبار هتلر الجنس الآري أرقى من الأجناس الأخرى أو اعتبار اليهود أنّهم شعب الله المحتار) ويمكن التمييز بين التعصّب الديني والتعصّب العرقي والتعصّب الثقافي، في علاقة الخصوصيّة بالكونيّة: 3- إنّ طرح مسألة علاقة الخصوصيّة بالكونيّة يُمكن تناولها من زاويتين مختلفتين تتحدّد الأولى في القول بالخصوصيّة التي لا تتعارض مع تأسيس كونيّ إنسانيّ وهي أطروحة تفترض التسليم بالتسامح بين الخصوصيّات و القول "بحكمة العيش معا" كما بيّن ذلك كانط وفي التشريع لحقّ الضيافة أو لما كان كلود لفي ستروس قد أسّس له في " تقريظه للاختلاف" و التنوّع الحضاري حيث اعتبر الاختلاف ظاهرة ملازمة للبشريّة بل هي تعبّر عن الإبداع و عن التكامل "هذه الفروقات ولودة مبدعة في الحقيقة" تماما فإنّ الاختلاف لا ينفي وجود قواسم مشتركة بين الناس شأن العقل الذي يمتلك نفس الطاقات رغم اختلاف الخصوصيّات وهو نفس الموقف الذي قد بيّنه مالبرانش قد بيّنه من خلال مفهوم العقل الكوني و ذلك لاعتبار وحدة الحقائق العقليّة والأخلاقيّة مثل حاصل اثنين ضارب اثنين يُساوي أربعة أو أن نُفضّل الصديق عن الكلب. 4- في مخاطر ادّعاء الكونيّ الكونيّة: وهو ما يجعل الكوني يتحوّل إلى كوني هيمني وهو ما نلمس صداه في تحذير بودريار من خطورة الخلط بين الكوني الإنساني و العالمي أو العولمي و العولمة و بالتالي بيان خطورة العولمة التي لا تهدّد الخصوصيات فقط بل إنّها تهدّد الكوني: "إنّ الكوني يهلك بالعولمي" فبودريار ينبّه للتصاعد المطرّد للعولمة مقابل تراجع الكوني، فإنّ الفروق واضحة بل هي فروق مدّمرة للقيمي الإنساني و تؤسّس لقيم بديلة تقوم على البراغماتية و النجاعة و الفاعلية وهو ما يؤدّي إلى موت القيم و تدمير التنويعات الثقافية علاوة على كون هذا الموت قد يكون ناتجا عن اكتساح الحضارة الغربية للحضارات الأخرى و العمل على إدماجها و صهرها في ثقافتها وهو ما يُحيلنا ثانية على المركزيّة الثقافية وهو موت طبيعي يتجسّد في السعي لتحقيق التماثل يبن الثقافات و اندثار الخصوصيّات: علاوة عن موت ثان وهو موت عنيف يتجسّد في موت الثقافة الغربية التي تعتقد في فائض هويّة تُعمّمها على الغير فتقضي على حضورها و تميّزها. لعلّ الفرق بين الكونية و العولمة يكمن في كون الأولى هي ما يجمع الكثرة أو هي تعميم للقيم في حين تُعمّم العولمة قيم تُدمّر قيم الكوني بل هي تقوم بترويج قيم بديلة هي في الحقيقة تزييف للقيم الحقيقية و لإتيقا الوجود و لعلّ ما نلمسه راهنا في العراق أو أفغانستان ما يُبيّن كيف تحوّلت الحريّة إلى استعمار و هيمنة و استبداد و تحوّلت حقوق الإنسان إلى انتهاك للإنسان ذاته أو في تحوّل الديمقراطية إلى وصفات غربية تكرّس حالات الاغتراب و الاستبداد. فما يُقدّمه الرجل الأبيض هو ترويج لهويّة تحمل فائضا أو هي تعتقد في احتوائها للكوني الإنساني لذلك اعتبر البعض المتعصّبين للحضارة العالمية مجرّد مهاجرين بأفكارهم للغرب بل هم "عبيد الرجل الأبيض" لكن هذه العبودية تجسّدت في تعصّب لأفكار الآخر و لخصوصيته وهو ما يكشف عن أزمة هوية.