وعلى التربية أن تعد الفرد لحياته عن طريق تنمية فاعليته بنوعيها حتى يستطيع أن يكون عاملا نشطاً منتجاً ، ويستطيع أن يقوم بدوره في معركة الحياة . وظيفة التربية إذن تقوم على تنمية هذه الفاعلية وتوجيهها حتى يصبح الفرد عضو أعاملا له نشاطه وله أثره فيما حوله ، ذلك الأثر الذى لا يقتصر على القيام بدور الى في مجلة الحياة ، بل يستوحى الماضى وينظر إلى المستقبل ويهيء للمجتمع بأجياله الحاضرة والقادمة القدرة على الحياة والتقدم. ولكن هذه الصلة المادية بين الفرد والبيئة لا تغنى ، ولن يكون لها الأثر المطلوب إلا إذا وجدت الصلة العقلية ، أو كما تسمى أحيانا - وربما بوضوح أكثر وشعور الفرد بصلته بالمجتمع ، وبالكون ، بالماضي وبالحاضر والمستقبل، هو أساس هذه الصلة وبدون هذا الشعور يكون التفاعل بين الفرد والبيئة ناقصاً ومحدوداً ، أي أن هذه البيئة الخارجية يجب أن تتحول إلى بيئة، عقلية داخلية، ومعنى ذلك أن الفرد يجب أن يشعر بمكانته ومركزه بالنسبة للكون ، وهذه مهمة التربية الأساسية. فهى لكى تهىء له فرصة التفاعل مع هذه البيئة الشاسعة يجب أن تهيء له فرص التعرف إليها تعرفاً يؤدى إلى أن تتحول إلى نوع من الخبرة العقلية . والعلاقة بين الفرد والبيئة يجب أن تسكون علاقة فعالة ذات أثر إيجابي . وعلىطبيعة هذه العلاقة وتوجيهها يتوقف أثر التربية ، وهنا نجد أمامنا مشكلة يجب أن نصل فيها إلى رأى واضح ، وهى أى اتجاه يجب أن تسير فيه هذه العلاقة . فنوع الفاعلية التي نريد أن نصل إليها يتوقف على تكييف العلاقة التي توجد بين الفرد والبيئة . فليس مجرد وجود علاقة - أي علاقة - كافياً . فكل فرد له طابع خاص في علاقته مع البيئة وكل طابع يؤدى إلى مسلك بعينه تجاه هذه البيئة . وهذا الطابع مشتق من نوع الخبرة التي تتيسر للفرد ومن تاريخ تكوين هذه الخبرة ، وبرغم هذا الاختلاف فهناك أنماط من هذه الطوابع . وربما كانت مهمة الفلسفة أن توجد تلك الأنماط الجديرة بأن نرمى إليها حتى تستطيع التربية أن توجه مجهودها نحو دراستها وتهيئته الظروف لتكوينها . وإذا كان على التربية مهمة تكييف العلاقة بين البيئة والفرد فإن علينا أن وهو من الوجهة النفسية المركز الذي تدور حوله هذه البيئة ، وإذا تكلمنا عن المركز فقد تصورنا دائرة مترامية الأطراق يقوم الفرد في النقطة المركزية فيها وعلى أنصاف أقطار هذه الدائرة تقوم الأشياء والحوادث التي تكون بيئته . وخير لنا أن نتصور أن الخطوط التي تصل بينه وبينها ليست مجرد خطوط وهمية ، وإنما هي روابط حقيقية لها صفات الجذب والدفع كما هو الحال في المجال المغناطيسي المكون من أقطاب متعددة . وإن الخبرة هي التي تزيد من هذا الجذب ، فتجعل موضوع الشد يقترب من المركز ويزداد اقترابه ، وينتج عن ذلك أن تتضاعف قوة تأثيره ، ومن الطبيعي أن يكون لتغيير مركزه تأثير على ما حوله - وكذلك بالنسبة لقوة الدفع - ومنهذا تنشأ الصورة الحيه الدائمة التغير العلاقة الفرد بما حوله من الأشياء - هنا أشياء تزداد قيمتها حتى تكاد تغطى على كل شيء، وهنا أشياء تقل قيمتها حتى لا تكاد