كان صديقي و أنا نتجاذب أطراف الحديث في مقهى عربي، حين مرّ بنا شخص في أسماله البالية. لاحظت وسامًا أخضر اللون فوق صدره، فحيّاه صديقي بحرارة ودعاه للجلوس، لكن الرجل رفض ومضى في صمت. سألني صديقي : "ألا تعرف هذا الرجل؟" "لا"، أجبت، "من يكون؟" "هذا سي شعبان ثري الحرب". "لكن هيأته لا تدل على الثراء في شيء..." "كان ثريا ثراء فاحشا ولكنه اليوم لا يملك قوت يومه فقد ضيع كل شيء". "فهمت... أثري أثناء الحرب، ثم عاد إلى حالته السابقة". "هو اليوم في حالة أسوأ..." قبل الحرب العالمية الثانية، كان سي شعبان تاجرا بسيطا. نشطت تجارة السوق السوداء أثناء الحرب، وانخرط سي شعبان فيها بحثًا عن الأرباح. بعد الحرب، أصبح "سي شعبان" ثريا بملايين الدولارات. تغيّر سلوكه، وفرض احترامه على الجميع، وصرف ثروته على الترف والمظاهر. امتدت شهرته وجاءه المحتالون من كل مكان ليقدموا له مشاريع وصفقات. في النهاية، تبددت ثروته، وبيعت أملاكه لسداد الديون. تركه أصدقاؤه، وفرت زوجته بأمواله. "ها هو الآن كما ترى، مفلس، لم يبق له سوى وسامه وحرف السين..." "لعله لم يجد لهما شاريا يدفع فيهما فلسا واحدا". أرسل صديقي زفرة : "نعم، مع أنه دفع فيهما مئات الآلاف من الفرنكات". "لعن الله الحرب، ما أكثر ضحاياها!" "ولعن الله ذئاب البشرية، ما أشد خطرها إذا ما أحست شهواتها بجوع!".