فقد خضع الإنسان لأشكال متعددة من التسلط التي لم تحترم فردانيته خلال مسيرة الحضارات الإنسانية الذاتية المختلفة باستثناء الحضارة اليونانية. فقد كان الجانب الجماعي طاغياً في المجتمعات القديمة، بحيث يتشكل وعيه وأفكاره وممارساته ورؤيته للعالم وعلاقته بالآخرين بناء عليه، ويخضع له في خياراته وقراراته ويحسب له ألف حساب لكل خطوة يقوم بها. ويعود السبب الرئيس للطابع الجماعي القديم هو علاقة الإنسان مع الطبيعة واعتماده عليها كلياً، وهذا يتطلب العمل الجماعي لمواجهة تقلباتها ومشكلاتها. لكن مع ظهور الصناعة تراجعت تلك العلاقة وأصبح الفرد يلعب دوراً مهماً في الإنتاج والابتكار والتطوير وتصنيع حاجياته الأساسية. في هذا السياق عززت الديمقراطية من دور الفرد في المجتمع الحديث، فقد حررته من أشكال الخضوع للسلطة بمختلف توجهاتها، حيث تحرر من السلطة الاجتماعية التقليدية ذات الطابع التراتبي التي يخضع فيها الفرد لمن هو أعلى منه مكانة اجتماعية، ناهيك عن الممارسات التي لا تقيم وزناً لإنسانية الفرد أو كرامته، وكذلك من السلطة الفكرية التي تخضع الفرد لنمط معين من الأفكار وطرق التفكير التي من غير الممكن أن يتبنى غيرها،