ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في قصر الحصن بمدينة أبوظبي عام 1918. والده الشيخ سلطان بن زايد كان حاكماً لإمارة أبوظبي من (1922-1926م). وكان الشيخ زايد الابن الأصغر من بين أربعة أشقاء، وسُمِّي باسم جدِّه زايد بن خليفة المعروف بـ "زايد الأول" الذي حكم الإمارة من (1885-1909م). أظهر شغفاً متزايداً بكل ما يمتّ إلى العربي الأصيل، وتشكَّلت شخصيته في فجر شبابه عندما كان في مدينة العين، زايد ممثلاً للحاكم في المنطقة الشرقية: عُين الشيخ زايد عام 1946 ممثلاً لشقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي في المنطقة الشرقية، وامتدت فترة ولايته فيها عشرين عاماً. وتمثَّلت مبادئ القيادة لديه في بناء الروابط القوية بينه وبين أفراد شعبه، وكان يحرص على الإشراف بنفسه على تنفيذ الإصلاحات، كان الشيخ زايد يتخذ قراراته بموافقة القبائل المختلفة وإجماعها، سجّل ولفرد ثيسيجر الرحالة البريطاني الشهير الذي قطع صحراء الربع الخالي ووثّق رحلته الشهيرة تلك في كتابه "الرمال العربية" - بعض الانطباعات في كتابه عن لقائه الشيخ زايداً فقال: "إن زايداً رجل قوي البنية، وعيناه ثاقبتان قويتا الملاحظة، فله شهرة واسعة في أوساط البدو الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه غير الرسمي في معاملته لهم، ولعلاقاته الودية معهم، وصف الرحالة أسلوب زايد في إدارة دفة الحكم فقال: "زايد رب أسرة كبيرة، وكتب الممثل السياسي البريطاني في أبوظبي العقيد هيو بوستيد بعد زيارة له إلى العين: " تدهشني الجموع التي تحتشد دوماً حوله في البريمي، ودهشت على الفور من كل ما عمله في بلدته العين وفي المنطقة لمنفعة الشعب؛ إن من يزور العين يلاحظ سعادة أهل المنطقة". وحضر مجالس الشيخ زايد، وألفّ كتاباً عن إمارة أبوظبي بعنوان "أبوظبي: ولادة مشيخة نفطية"، تنبأ فيه عام ١٩٦٤ بأن يكون الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو الحاكم القادم للإمارة؛ إذ قال: "إن الشيخ زايد بن سلطان هو الرجل القوي في منطقة العين وضواحيها، ومن هنا امتد نفوذه إلى بقاع الظفرة، بأن يكون رجل البلاد المنتظر في إمارة أبوظبي. زايد حاكماً لإمارة أبوظبي: وعندما صَدَّرت أبوظبي أول شحنة نفط عام 1962 باتت الأمور جليّة والتحديات واضحة للمرحلة الجديدة من تاريخ أبوظبي على جميع الصُّعُد: الاقتصادية، بدأ الشيخ زايد بتحقيق إصلاحات واسعة في البلاد، ويخطط لتطوير المدن وقضايا الإسكان لأفراد الشعب، وبدأ يدفع أبناء شعبه إلى المشاركة بكل طاقاتهم في هذه العملية، ولم تمضِ أيام على تسلمه مقاليد الحكم حتى أعلن إقامة حكومة رسمية حديثة بالإدارات والدوائر، وأوكل عليها المهام اللازمة لتسيير أمور الدولة. وامتدت الطرق الحديثة فوق رمال الصحراء، ودخلت المياه العذبة والكهرباء إلى كل بيت، وانتشرت المدارس على اختلاف مراحلها في كل بقعة من البلاد، زايد رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة: عندما أعلنت بريطانيا عام 1968 نيتها سحب قواعدها من شرق السويس، أصبح لزاماً على الإمارات أن تخطو خطوة تغير بها وجه التاريخ بالمنطقة، ولاسيما أن منطقة الخليج العربي تُعَدّ لقمة سائغة للطامعين. فَجَرتْ مباحثات الاتحاد التساعي بين الإمارات السبع وبين شقيقتيها: البحرين، وآلت الأمور في النهاية إلى قيام اتحاد الإمارات باسم "دولة الإمارات العربية المتحدة" بعد أن أعلنت البحرين وقطر استقلالهما. قام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، وانتخب الشيخ زايد بإجماع حكام الإمارات أول رئيس للدولة الفتية لمدة خمس سنوات، وجَدَّد له المجلس الأعلى ثقته فيه بانتخابه عدة مرات، وهو الوالد الحاني على أبناء أمته، أخذ الشيخ زايد يتابع شؤون دولته الوليدة الآخذة في النمو، ووزّع عوائد الثروة النفطية على جميع القطاعات بالدولة، ولاسيما التي كانت بحاجة إلى التطوير. وحافظ على سمعة دولته بين أخواتها العربيات وبين دول العالم بفضل نظرته المستقبلية وأفقه الواسع، واتفق حكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى على وضع دستور اتحادي مؤقت من أجل حكم فعّال ونظام تُحدّد فيه سلطات المؤسسات الاتحادية في دولة تأخذ بأساليب الإدارة الحديثة، مجلس التعاون الخليجي وطموح أكبر: طالما تمثّلت رؤية الشيخ زايد في توحيد جميع دول الخليج، والتقارب الأسري الذي يجمع بين شعوب المنطقة؛ إذ كانت لديه - رحمه الله - قناعة عميقة بفوائد الاتحاد الجمة للإمارات السبع، وأسفرت رؤيته ورؤية إخوانه في دول الخليج العربية الست عن تكوين تجمع إقليمي وسياسي رسمي؛ الشيخ زايد وتطوير القطاع الصناعي والبنى التحتيـة: فغدت لديه رؤية واضحة في تطوير القطاع الصناعي بدولة الإمارات، وتركّز اهتمامه في تطوير قطاع التصنيع، كان من أهم أولويات الشيخ زايد تطوير البنية التحتية للدولة؛ وتأسيس إعلام وطني لربط جميع الإمارات السبع، وشبكات الخطوط الهاتفية المتطورة التي أبرزت دولة الإمارات ودورها المهم في العالم الصناعي الحديث، واحتلالها مكانة مرموقة بين أكثر دول العالم الصناعية تقدماً. فقدت دولة الإمارات العربية المتحدة فيه قائدها وباني اتحادها بعد مسيرة عطاء طويلة استمرت قرابة أربعة عقود، نعت الدول العربية والأجنبية المغفور له -بإذن الله -الشيخ زايداً، وأصدر رؤساء الحكومات الدولية رسائل رثاء مليئة بعبارات الأسى لشخص يكنّ له كل العالم التقدير والاحترام، فكان الشيخ خليفة بن زايد خيرَ خَلَفٍ لخير سَلَفٍ، تولّى الحكم بعد والده بموافقة ومباركة من جميع شيوخ الإمارات والشعب كافة.