كانت مسألة الهوية قد ألقت بظلالها على الرواية العربية؛ فاتجهت الرواية إلى تناول إشكالية الأنا العربية في نظرتها إلى الآخر الغربي، كما شكلت مسألة المواجهة الحضارية بين الشرق والغرب أحد أهم المقتضيات التي عالجها السرد الروائى العربي. ثم عمل في الإذاعة البريطانية بلندن عام ١٩٥٣م، كما عمل مديرا عاما لوزارة الإعلام والثقافة في دولة قطر، وتزوج من سيدة أسكتلندية. حيث صورت الرواية المواجهة بين الشرق والغرب، والتي قام بها بطل الرواية مصطفى سعيد، والتي تناولها العديد من الروائيين العرب قبل الطيب صالح، وإن أهم ما يميز الرواية من بين مثيلاتها من الروايات التي صورت العلاقة بين الشرق والغرب، أو لنقل بطلي الرواية: (الراوي - والأسئلة التي تدور حول علاقة بنية الرواية بخطابها، وصوت الراوي بما يروي عنه، إلى أن تجمع لدينا تراث نقدي ضخم متصل بهذه الرواية المثيرة للجدل أكثر من غيرها من الروايات العربية التي كتبت خلال نصف القرن الماضي. واختيرت من بين أفضل مائة رواية عالمية، وبذلك رفع الطيب صالح علم بلاده على رقعة واسعة من خريطة الرواية المعاصرة في كل من الوطن العربي والعالم حيث تناولت الرواية: موقف إنسان العالم الثالث من الصراع الحضاري بين الشرق والغرب من خلال شخصية (مصطفى سعيد) الممزقة بين هويته العربية الإفريقية وثقافته التي صاغها الغرب الاستعماري، وهو تمزق لا يتضح في الشخصية فحسب بل فيما تتركه خلفها من دمار في أي موضع تحل به لو شخصية تتماس معها في علاقة حب أو صداقة. فأصبحت تدل اللفظة على ما يكون به الشيء هو نفسه لا غيره؛ وقد كان من أهم أسباب تخبط (مصطفى سعيد) في مواجهته للحضارة الغربية عدم فهمه لهويته من ناحية، كلها مصطلحات تشير إلى مفهوم واحد، ومن ثم تبرز خصائص هويتها ولذلك سلط النقاد أنظارهم لدراسة التصور العربي للغرب من خلال دراسة الإنتاج الأدبي: شعرا كان أم نثرا. قهوية الإنسان هي مرجعيته وذاتيته هي منظومة متكاملة من المعطيات المادية والنفسية والمعنوية والاجتماعية تنطوي على نسق من عمليات التكامل المعرفي، وتتميز بوحدتها التي تتجسد في الروح الداخلية التي تنطوي على خاصية الإحساس بالهوية والشعور بها. أما التشويش أو التشويه في الصورة النمطية عن الآخر الغربي فجعل (مصطفى) لا يحن اختيار أسلحته حيث انطلق - في تعامله مع الحضارة الغربية - من واقعه السياسي الذي كانت تعانيه بلاده بسبب وطأة الاستعمار الغربي، وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة المعلومات التي تتضمنها خلاصة هذه التجارب فهي تمثل بالنسبة لأصحابها واقعا صادقا ينظرون من خلاله إلى ما حولهم، ويفهمونه أو يقدرونه على أساسها. يضاف لذلك بعض الأعمال السنيمائية والكتابات الأدبية، ومن ناحية أخرى هناك تشويش وقد صور الطيب صالح هذه الصورة على لسان أحد أبناء القرية في حواره مع وسألني محجوب: هل بينهم مزارعون . فالصورة الذهنية التي صنعها العرب والغربيون أحدهما للآخر صورة مركبة، العربي). فالذاكرة الجماعية واللاشعور الجماعي لكل عربي يحمل عن العنف الأوروبي صور إحراق قرطاجنة على يد الرومانيين، وما تلاه من استعمار ألف عام للعرق السامي إلى أن حزره العرب على شواطئ المتوسط، مثلما يحمل ذكرى مائتي عام من تدمير الحضارة العربية على يد الصليبيين، ولم تمض أربعمائة عام حتى بدأ الاستعمار البرتغالي فالبريطاني والفرنسي للأرض العربية. ومع ذلك فلم تكن هذه هي الصورة النمطية الوحيدة؛ حيث انقسمت الرؤية العربية للغرب بين الأولى هذه، وهناك فريق يعد أكثر اعتدالا من النمطين هو الفريق الذي يأخذ من الحضارة الغربية ما يدفع به نحو الأمام، ويتعامل معه بواقعية وإيجابية، أزمة الهوية عند (مصطفى سعيد) ومجتمع أهل القرية حوله اليسريد لهم أحداث رحلته، ومصور النسوة الثلاثي تعرف عليه، تصور الرواية الموصل في رحلته من السودان إلى القاهرة، وأنه لا يرقى لما هم عليه من حضارة وفكراً مما دفعه للانتقام من أجل إثبات ولم يكن له من أهله سوى أمه فيقول: كنا أنا وهي أهلا بعضنا لبعض كنت أحس إحساسنا دافتا بأنني حر ليس ثمة مخلوق لا أب ولا أم يربطني كالوتد إلى ان مصطفى - بافتقاده الرابطة بينه وبين أبيه أمه - يشعر بانشطار الذات، ولأكثر من مرة يصور مصطفى الفجوة بينه وبين أمه فيقول مصورًا ردة فعلتها حين علمت بخبر سفره وأنت حر فيها . إن هذا القناع أو مجموعة الأقنعة التي كانت تحول بينه وبين أمه تمثل أزمة دفع ثمنها غاليا حين انفتح على الحضارة الغربية؛ فهو كالشجرة التي تقلبها الرياح ذات اليمين وذات أو قناع بل مجموعة وركبت القطار، لم يلوح لي أحد أما في المشهد الآخر - فيصور رحيله من الميناء الإسكندرية نحو لندن، مؤكدًا هذه الرابطة بينه وبين أناس من غير قومه السيد (روبنسون) وزوجته، يقول: واضعا يده على خصره صفاء عينيه الزرقاوين . فيقول: ريتت على رأسي وقالت: لا تبك يا طفلي ويقول: وكان الكاتب يريد أن يحطم الصورة النمطية بين الشرق والغرب، والذي كان كثيرا ما يطوف بمصطفى حول الأزهر الشريف، ودفن في مقبرة الإمام الشافعي، ما دفعهم من أجل الدراسة. ولكنه مع كل ذلك بدأت تتفجر عنده أسئلة الهوية؛ كيف قيضت الصدف لي قومًا ساعدوني وأخذوا بيدي في كل مرحلة، كأنها واجب يقومون به نحوي. متفوق، يقول: تذهب للكنيسة صباح كل أحد بانتظام وتساهم في جمعيات البر صيدا عمتها زوجة نائب في البرلمان". وقد عرفتها وهي دون العشرين فخدعتها وغررت بها وقت لها نتزوج زواجًا يكون جسرا بين الشمال والجنوب، لم يكن الأمر صعبا على البطل، وكان يظن نفسه محاربًا أو صيادا كان يريد أن يثار لبلاده التي اغتصبها الاستعمار، وهذا النوع من العلاقات يذكرنا ولا شك بالعلاقات بين الاستعمار والبلاد المحتلة، فالاستعمار يستغل بلدا من البلدان إن الجنس بالنسبة له سلاح، عامل هدم وذل. فهو في هذه الرواية عبارة عن مشروع انتقام، بدلا من أن يكون عامل بناء وبقاء؛ بل إن الجنس هذا هو معادل للموت، إنه أقصى درجات العنف في هذا الصراع الأزلي بين الشرق والغرب في الرواية العربية الحضارية كانت رجولته وفحولته - في نظره - وسيلته المجدية الوحيدة لمواجهة الغرب يقول: وجمعيات الكويكرز، فاستغراقا في تأكيد الصدام، لقد ترددت فكرة الصيد والفريسة في هذا اللقاء بالمرأة الرابعة، ليس تأكيدا للفكرة، يقول مصطفى: وسجنه. يقول مصطفى: يأخذ فيه دور المهزوم إن الحرب هنا معنوية أسلحتها أكثر فتكا، ونتائجها أصعب جرحا أو حرق بحث لم يخرج إلى النور هكذا كانت تعبر عن غضبها، يقول مصطفى: وأعز هدية على قلبي قالت: تعطيني هذه أيضا ثم تأخذني. فأخذت المصلاة فهو لم يستطع فرض هويته على الآخر الغربي، تنتهي فيها حياته في صورة غامضة. حسنة بنت محمود) والتي تمثل الوطن؛ فبعد أن عاد مصطفى إلى وطنه، فهو بعد كل هذه اللقاءات فلن يكون إلا الراوي، لكنه مع ذلك حاولت هي بكل قواها أن ترفض غيره. لكنه أصابته نيران ثورة (حسنة) فقتلته ثم قتلت نفسها، وفق رؤى ومنهجيات شتى، وقد سعت الدراسة الحالية إلى إبراز الصورة النمطية بين الشرق